4 من أطفالها ماتوا جوعاً.. أُمٌّ صومالية تروي معاناتها في مخيمات النزوح

 

بيدين أنهكتهما قسوة الحياة، تمزج الصومالية بوشاي معلم ملعقتين من الحليب مع قليل من الشوربة قبل أن تقدم الخليط إلى طفلتها لتحتسي شيئاً منه كلما لوحت بيدها النحيلة في إشارة لحاجتها للطعام، علها تبقيها على قيد الحياة بعد أن خطف الموت 4 من أطفالها جوعاً.

ولم يخطر في بال معلم (39 عاماً) يوماً أن أطفالها سيكونون ضحية للجفاف الذي يضرب البلاد، وترك لها معاناة لا تزال تعصر قلبها وذكرياتها رغم معاصرتها لأعوام سابقة من الجفاف لم تترك خلالها قريتها “ريراي” (جنوباً) التي ولدت وتزوجت وأنجبت فيها 5 أطفال.

وبنبرة تمتزج حروفها بالحزن العميق، تقول معلم، لمراسل “الأناضول”: هذا ليس جفافاً وإنما فاجعة، لقد فقدت كل ما أملك من ماشية خلال أسبوع بسبب شدة الجفاف ونضوب آبار المياه.

وبعد أن قضى الجفاف على ماشيتها بالكامل وافتقرت القرية إلى الطعام والماء، أصيب طفلها الأكبر (11 عاماً) بسوء تغذية وإسهال حاد، لتمر أيام قليلة ويفارق الحياة، ومن هنا تسرب الخوف إلى نفسها على بقية أطفالها لتقرر حينها مغادرة القرية هرباً من الجوع والمرض.

هروب في جنح الليل

ولكن الخروج من القرية لا يحتاج إلى قرار فقط، فالأمر ليس سهلاً، حسب معلم، فحركة الشباب تراقب منافذ القرية وتمنع الخروج منها، رغم افتقارها لأدنى مقومات الحياة نتيجة الجفاف.

إلا أن عزم المرأة الصومالية وخوفها على حياة أطفالها بعد موت طفلها البكر، أكسباها الجرأة فهربت هي وزوجها وأطفالها الأربعة من القرية، خلال الليل.

وبعد يوم كامل من سفر محفوف بالمخاطر، وطأت أقدام معلم وأسرتها مدينة قريولي التي تبعد عن قريتها 45 كيلومتراً، لكنها لم تستطع مواصلة هروبها إلى العاصمة مقديشو بحثاً عما يسد رمق أطفالها فتقطعت بها السبل، قبل أن يتكفل أحد أقربائها بأجر السيارة التي ستنقلها إلى مقديشو.

وتصف الأم الصومالية رحلتها بالقول: كنت غائبة ذهنياً خلال سفري لمقديشو لأني لا أعرف ماذا كان ينتظرني في المخيمات بضواحي العاصمة، وهل سأجد مراكز صحية لأطفالي الأربعة الذين كانوا يعانوا من سوء التغذية والحصبة.

فاجعة جديدة

الشابة الصومالية لم تعرف ما تخبئه لها مخيمات النزوح في ضواحي مقديشو، فالوضع هناك لم يكن يختلف كثيراً عن قريتها، فالمرافق الصحية غائبة والمساعدات الإنسانية ضعيفة، الأمر الذي زاد معاناة أطفالها من سوء التغذية والجفاف.

وفي مخيم هروناغ بضاحية العاصمة، وفي كوخ مصنوع من أغصان الأشجار وقطع البلاستيك كان يرقد أطفال معلم وهم في حالة صحية صعبة ولا تملك الأم شيئاً لتقدمه لهم سوى الشاي وقليل من الطعام قد توفره لها أسر نازحة سبقتها للمخيم.

وبعد يوم من وصولها إلى ما كانت تعتقد أنه منقذها، توفي أحد أبنائها بسبب سوء التغذية، وتستذكر ذلك بالقول، وهي تعبر عن مأساتها: لا أستطيع سوى أن أقول: قدر الله وما شاء فعل، هربت خوفاً على حياة أطفالي فلجأت هنا لعلي أجد حياة أفضل ومراكز صحية تعالج مرض صغاري لكن الوضع لم يكن كما تخيلت.

وتضيف: بعد وفاة ابني الثاني في المخيم، فقدت اثنين من إخوته بسبب مضاعفات سوء التغذية وعدم توفر العلاج، ليتبقى لديَّ ابنتي الأخيرة البالغة من العمر 3 سنوات.

“إقرأ”.. الطفلة الناجية

وبعد رحلة العذاب تلك، وجدت معلم نفسها وطفلتها “إقرأ” في مستشفى “بنادر للأمومة والأطفال” بمقديشو، بعد مساعدة من جيرانهم في المخيم لإنقاذ الطفلة من الموت المحتوم بسبب سوء التغذية.

وتشارك معلم قلقها على طفلتها مع كثير من الأمهات اللاتي قطعن مسافات طويلة ولجأن إلى هذا المستشفى الذي يرقد فيه أكثر من 200 طفل يعانون من مضاعفات سوء التغذية والحصبة والإسهال الحاد، بحسب حديث مدير قسم الأطفال في المستشفى، الطبيب أويس علو، لمراسل “الأناضول”.

ورغم مأساتها، لم تفقد معلم الأمل في شفاء طفلتها نظراً للرعاية الصحية التي تقدمها الممرضات لها في مستشفى “بنادر”، منذ أسبوعين، فحالتها تتحسن يوماً بعد الآخر.

وتقول: الحمد لله، حالة طفلتي مستقرة، وآمل أن تخرج من المستشفى قريباً.

حفصة محمد، ممرضة في المستشفى تقول لـ”الأناضول”: إن الطفلة إقرأ كانت حالتها في غاية الصعوبة، فهي تعاني من سوء التغذية الحاد منذ وصولها للمستشفى لكن حالتها تستقر تدريجياً.

وتشير الممرضة حفصة إلى أن معظم الأطفال في المستشفى يعانون من سوء التغذية والحصبة والإسهال الحاد.

وبالرغم من زيادة عدد المرضى الأطفال الذين يستقبلهم المستشفى يومياً، فإنه يعاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، حسب مدير قسم الأطفال فيه.

وفي 10 يونيو الجاري، حذر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية المعني بالصومال آدم عبدالمولى، خلال مؤتمر صحفي بنيويورك، من أن البلاد أصبحت “على شفا مجاعة قاتلة”.

وقال عبدالمولى: منذ بداية هذا العام تفاقمت حالة الجفاف الطارئة في الصومال بشكل كبير، واليوم نحن بانتظار كارثة تلوح في الأفق، والوضع قاتم للغاية.

ويشهد الصومال واحدة من أسوأ موجات الجفاف منذ حوالي 40 عاماً، قد تودي بحياة قرابة 330 ألف طفل في جميع أنحاء البلاد بسب الجوع، حسب تقديرات سابقة للأمم المتحدة.

Exit mobile version