على الغرب أن يقدم تنازلات لبوتين حتى لا يتهور!

 

مع وصول الحرب في أوكرانيا لشهرها الرابع، يواصل الأوكرانيون المتحدون إضعاف قوة الغزو الروسي، وتقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بدعم دفاع أوكرانيا القوي عن أراضيها من خلال التدفق المستمر للأسلحة، والهدف، كما قال الرئيس جو بايدن في مقال نُشر مؤخرًا في صحيفة “نيويورك تايمز”، هو العمل على تقوية أوكرانيا ودعم جهودها لتحقيق نهاية تفاوضية للنزاع.

لا شك أن التوصل إلى نهاية تفاوضية للنزاع هو الهدف الصحيح، وهو الهدف الذي ينبغي الوصول إليه عاجلاً لا آجلاً، فأوكرانيا تفتقر على الأرجح إلى القوة القتالية لطرد روسيا من جميع أراضيها، والزخم يتحول في ساحة المعركة لصالح روسيا، فكلما طال هذا الصراع، زاد الموت والدمار، وزادت حدة الاضطرابات في الاقتصاد العالمي والإمدادات الغذائية، وزادت مخاطر التصعيد إلى حرب واسعة النطاق بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وقد بدأت الوحدة عبر المحيط الأطلسي في التآكل، حيث تشعر فرنسا وألمانيا وإيطاليا وحلفاء آخرون بعدم الارتياح بشأن احتمالية طول أمد الحرب، خاصة على خلفية ارتفاع التضخم.

ولكن إذا كان بايدن جادًا بشأن تسهيل المفاوضات، فإنه يحتاج إلى القيام بعمل أفضل في إرساء الأساس السياسي وتشكيل إطار يعطي الأولوية للوصول إلى نهاية اللعبة الدبلوماسية، لا يزال هناك الكثير من الخطاب المتشدد في واشنطن، حيث تتدفق الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا حتى تتمكن، على حد تعبير وزير الخارجية أنطوني بلينكن، من صد العدوان الروسي والدفاع الكامل عن استقلالها وسيادتها.

الغرب تعلم كيفية التعايش مع بوتين واحتواءه على مدى العقدين الماضيين ومن المرجح أن يستمر في القيام بذلك في العقد القادم

في غضون ذلك، عادة ما يصر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على أن النصر سيكون لنا ويحث الأوكرانيين على الدفاع عن كل متر من أرضنا، وحتى بايدن، عندما أشار إلى الحاجة إلى الدبلوماسية، لم يكن راغبًا حتى الآن في تحذير كييف من هذه الأهداف، وبدلاً من ذلك قال مؤكداً: لن أضغط على الحكومة الأوكرانية -في السر أو العلن- لتقديم أي تنازلات إقليمية، وأكد كولين كال، وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية، هذا الأسبوع: لن نخبر الأوكرانيين بكيفية التفاوض، وعما يتفاوضون ومتى يتفاوضون، سوف يضعون هذه الشروط لأنفسهم.

ليس لواشنطن فقط الحق في مناقشة أهداف الحرب مع كييف، ولكن هذا أيضًا واجبها، يمكن القول: إن هذا الصراع يمثل أخطر لحظة جيوسياسية منذ أزمة الصواريخ الكوبية، حيث تدور رحى حرب ساخنة بين روسيا المسلحة نووياً وأوكرانيا المسلحة بحلف شمال الأطلسي، وتقع أراضي “الناتو” على مقربة من منطقة الصراع، هذه الحرب يمكن أن تحدد المعالم الإستراتيجية والاقتصادية للقرن الحادي والعشرين، وربما تفتح حقبة من التنافس العسكري بين الديمقراطيات الليبرالية في العالم والكتلة الاستبدادية التي رسختها روسيا والصين.

وهذه الرهانات تتطلب مشاركة أمريكية مباشرة في تحديد متى وكيف تنتهي هذه الحرب، بدلاً من تقديم أسلحة بدون قيود -وترك الإستراتيجية بشكل فعال للأوكرانيين- تحتاج واشنطن إلى إطلاق نقاش مباشر مع الحلفاء، مع كييف، وفي النهاية مع موسكو حول إنهاء الحرب.

لإعداد الأرضية لهذا الحوار، يجب على إدارة بايدن التوقف عن تقديم مزاعم يمكن أن تقيد يديها على طاولة المفاوضات، يصر بايدن على أنه يجب على الغرب أن يوضح أن القوة لا تصنع الحق، وإلا، فإن ذلك سيرسل رسالة إلى المعتدين المحتملين الآخرين بأنه يمكنهم أيضًا الاستيلاء على الأراضي وإخضاع البلدان الأخرى، وسوف يعرض بقاء الديمقراطيات السلمية الأخرى للخطر، ويمكن أن يمثل نهاية النظام الدولي القائم على القواعد.

لقد احتلت روسيا شبه جزيرة القرم واحتلت جزءًا من دونباس منذ عام 2014 بشكل غير قانوني، لكن النظام الدولي القائم على القواعد لم يلتزم الصمت، وكان أداؤه رائعًا في معاقبة روسيا على جولتها العدوانية الجديدة ضد أوكرانيا، وبالرغم من كل ذلك، يجب على واشنطن أن تتجنب حشر نفسها في الزاوية من خلال توقع وقوع كارثة إذا ظلت روسيا تسيطر على جزء من أوكرانيا عندما يتوقف القتال، مثل هذه التوقعات تجعل التسوية أكثر صعوبة، وتخاطر بتضخيم التأثير الجيوسياسي لأي مكاسب إقليمية قد تحصل عليها روسيا.

الادعاء بأن فلاديمير بوتين لن ينهي إثارة المشكلات إلا إذا هُزم بشكل حاسم في أوكرانيا، حجة خاطئة أخرى تشوه الجدل وتقف في طريق الدبلوماسية، وقد كتبت آن أبلباوم، في مجلة “ذي أتلانتك”، أنها تدعو إلى إذلال بوتين وتصر على أن هزيمة بوتين أو تهميشه أو إزاحته هي النتيجة الوحيدة التي توفر أي استقرار طويل الأمد في أوكرانيا وبقية أوروبا، ووزير لدفاع لويد أوستن يريد إضعاف روسيا إلى درجة جعلها لا تستطيع القيام بالأشياء التي فعلتها في غزو أوكرانيا.

أوكرانيا تفتقر إلى القوة القتالية لطرد روسيا من جميع أراضيها والزخم يتحول في ساحة المعركة لصالح روسيا

هذا تفكير أمني، وليست رزانة إستراتيجية، فبوتين يستعد للبقاء في السلطة إلى ما شاء الله في المستقبل المنظور، وسيظل يثير الشغب بغض النظر عن كيفية انتهاء هذه الحرب، فاستعراض عضلاته الجيوسياسية وصقل مؤهلاته القومية هي المصادر الأساسية لشرعيته المحلية، وعلاوة على ذلك، فإن إذلال بوتين عمل محفوف بالمخاطر، بوتين يمكن أن يكون أكثر تهوراً إذا ألجأ الغرب ظهره إلى الحائط من خلال أوكرانيا ومنعناه من أن يدعي النصر، لقد تعلم الغرب كيفية التعايش مع بوتين واحتوائه على مدى العقدين الماضيين، ومن المرجح أن يستمر في القيام بذلك في العقد التالي.

أخيرًا، يحتاج بايدن إلى البدء في إبعاد النقاش السائد عن المعادلة الزائفة للدبلوماسية بالتهدئة، عندما اقترح هنري كيسنجر مؤخرًا في دافوس أن أوكرانيا قد تحتاج إلى تقديم تنازلات إقليمية لإنهاء الحرب، رد زيلينسكي: يبدو أن تقويم السيد كيسنجر لا يعيش في عام 2022، ولكنه يعيش في عام 1938، وأنه لم يكن يعتقد أنه يتحدث إلى جمهور في دافوس، ولكن في ميونيخ في ذلك الوقت، وبايدن نفسه ما زال يؤكد أنه سيكون من الخطأ ويتعارض مع المبادئ الراسخة تقديم المشورة لأوكرانيا بشأن احتمال تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات.

ومع ذلك، لا ينبغي الخلط بين الحصافة الإستراتيجية والتهدئة، من مصلحة أوكرانيا تجنب تفاقم الصراع لسنوات والتفاوض على وقف إطلاق النار ومن ثم العمل على إبرام تسوية إقليمية.

لدى الولايات المتحدة وحلفائها في “الناتو” وروسيا وبقية العالم مصلحة في تأمين هذه النتيجة نفسها على وجه التحديد لذا حان الوقت الآن لبايدن لإعداد طاولة المفاوضات.

 

 

 

 

 

__________________________________________

(*) أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون، زميل أول في مجلس العلاقات الخارجية، خدم في مجلس الأمن القومي بعهد الرئيسين أوباما، وكلينتون، أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان “العزلة: تاريخ جهود أمريكا لحماية نفسها من العالم”.

Exit mobile version