الضغط الغربي يتزايد على كييف لتقديم تنازلات لموسكو لإنهاء الحرب

 

بعد تجاوز 100 يوم، أصبح للحرب في أوكرانيا تأثير أكثر وضوحًا وسلبية على مجموعة واسعة من القضايا، ابتداءً من أزمة غذاء عالمية يمكن أن تستمر لسنوات إلى مشكلات خطيرة تتعلق بتكاليف المعيشة واحتمال حدوث ركود عالمي، وقد أثار عدم وجود نهاية للحرب تلوح في الأفق قلق القادة الغربيين وعدم يقينهم بشأن أفضل السبل للاستجابة لها.

هناك حجج لتأخير تقدم روسيا أو حتى محاولة هزيمتها من خلال تقوية أوكرانيا عسكرياً، ولكنها تستخدم بنفس القدر من أجل تسوية تفاوضية سريعة على أساس التنازلات الأوكرانية.

الضغط الغربي يتزايد على كييف لتقديم تنازلات لموسكو لإنهاء الحرب لكن هذا لا يبدو فعالاً كما يقول المراقبون

على صعيد التسوية، كانت هناك تقارير تفيد بأن الضغط الغربي يتزايد على كييف لتقديم تنازلات لروسيا لإنهاء الحرب، واستخدمت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في مايو الماضي، وتحذير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أنه يجب عدم إذلال روسيا للضغط على أوكرانيا.

ومع ذلك، فإن مثل هذه الضغوط الدولية التي تمارس على أوكرانيا لا تبدو فعالة حتى الآن، فلا يزال المسار السياسي للتسوية الفعلية معطلاً، في حين تستمر المفاوضات والمناقشات الإنسانية حول فتح موانئ أوكرانيا على البحر الأسود فقط بفضل الوساطة التركية والأمم المتحدة.

وبالرغم من ذلك، ما زالت الجهود المبذولة لإحياء المفاوضات السياسية بين أوكرانيا وروسيا جارية، فوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف زار تركيا لاستكشاف استئناف المفاوضات بوساطة تركية.

وفي اتصال هاتفي حديث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حث كل من المستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس ماكرون، بوتين على إجراء مفاوضات مباشرة وجادة مع الرئيس الأوكراني، ولم يغلق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الباب أمام المفاوضات، وأصر في مقابلة أجريت معه مؤخرًا على أن أي حرب يجب أن تنتهي على طاولة المفاوضات.

لكن مواقف كل من موسكو وكييف لا تزال متباعدة كما كانت في مارس الماضي، ومن غير المرجح أن يتغير هذا حتى يقرر الطرفان أنهما لا يستطيعان تحسين مواقعهما في ساحة المعركة.

عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للحرب يقلق القادة الغربيين ولا يعرفون أفضل السبل لإنهائها

كلا الجانبين يرسخ مواقفه

التغيير والتقارب ليس وشيكًا، ما زلنا نشهد معركة مستمرة في دونباس، وخطاب روسي مستمر حول تحرير المنطقة، وبالنسبة لموسكو، تظل محاولة تأمين الأراضي الأوكرانية وترسيخ سيطرتها في الشرق والجنوب تحظى بأولوية.

أما بالنسبة لأوكرانيا، فقد صرحت في كثير من الأحيان عن إعادة القوات الروسية إلى المواقع التي احتلتها قبل الغزو الذي بدأ في 24 فبراير، واستعادة السيادة الكاملة على أراضيها في نهاية المطاف، ولم تظهر أي بوادر على السعي إلى أي نوع من الاستسلام.

وعلاوة على ذلك، يواصل الشركاء الغربيون، ومن بينهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تزويد أوكرانيا بالأسلحة، بينما يواصل الاتحاد الأوروبي تشديد العقوبات على روسيا.

لذلك، لا يزال القتال مكثفًا ومكلفًا لكلا الجانبين، لم يتغير الوضع العسكري على الأرض في أوكرانيا كثيرًا في الأسابيع الأخيرة، حيث كسب الجانبان وخسرا أراضي في مناطق مختلفة على طول جبهة تبلغ حوالي 500 كيلومتر.

على الرغم من توقعات بالانهيار، لم تنهر الدفاعات الأوكرانية، فقدت أوكرانيا بعض الأراضي في دونباس لكنها حققت مكاسب مهمة حول خاركيف؛ مما عزز تصميمها على الانتصار على الغزاة الروس.

بالنسبة إلى كييف وحلفائها الغربيين، فإن أي اتفاق يعزز سيطرة روسيا على الأراضي التي تحتلها في دونباس ومنطقة البحر الأسود يصب في مصلحة بوتين.

المستشار الألماني والرئيس الفرنسي حثَّا الرئيس الروسي على إجراء مفاوضات مباشرة وجادة مع الرئيس الأوكراني

والواقع، أصبح الضغط من أجل هزيمة روسيا في أوكرانيا رسالة رئيسة من العديد من العواصم الغربية، يعتبر البعض أن هذا هو أفضل طريقة للحد من المغامرات الروسية المستقبلية وطمأنة الحلفاء الرئيسين داخل وخارج منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، من دول البلطيق إلى مولدوفا وتايوان.

التنازلات لن تجلب السلام الدائم

الحديث عن الضغط الغربي على أوكرانيا غير مفيد أيضًا لثلاثة أسباب إضافية؛ أحدها هي حقيقة أنه لن يتم التمسك بأي تسوية بدون دعم أوكراني، بما في ذلك التأييد الشعبي الذي لا يفضل في الوقت الحالي تنازلات من أي نوع.

ثانيًا: ليس هناك رغبة غربية كبيرة في الضغط على أوكرانيا، فالضغط من أجل الحصول على تنازلات أوكرانية سيكون بمثابة هزيمة ذاتية للسعي من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في أوروبا.

وما لم تدرك روسيا أن الغرب مستعد وقادر على الرد، فلن يكون من الممكن إقامة نظام أمني جديد ومستقر في أوروبا، والتنازلات لروسيا، من قبل أوكرانيا أو الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ليست السبيل لتحقيق ذلك.

وحقيقة أن هذا يحدث من خارج نطاق المؤيدين الأكثر حماسة لأوكرانيا من دول البلطيق وبولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بدعم ألماني واضح لتعزيز الجناح الشمالي لحلف شمال الأطلسي وزيادة عامة في الإنفاق الدفاعي لأعضاء “الناتو”.

الوضع العسكري على الأرض لم يتغير كثيرًا في الأسابيع الأخيرة حيث كسب الجانبان وخسرا أراضي بمناطق مختلفة

وأخيرًا، يجب أن يكون واضحاً أن إنهاء الحرب لا يقتصر فقط على التنازلات الأوكرانية، ولكن يتطلب التفاوض على تسوية سلمية يتم الالتزام بها من قبل الطرفين، ولن يكون الضغط على أوكرانيا كافياً لسد فجوة الثقة العميقة الموجودة حالياً.

السلام بين روسيا وأوكرانيا -سواء عن طريق النصر العسكري أو اتفاق سلام عن طريق التفاوض- ليس نهاية الأزمة الحالية الأوسع نطاقًا للنظام الأمني ​​الأوروبي والعالمي التي يجب حلها.

وبالتالي، يجب أن ينصبّ تركيز الغرب على الضغط المستمر على روسيا، وليس على أوكرانيا، وقد لا يؤدي هذا إلى نهاية سريعة للغزو الروسي، ولكنه سيؤدي لنهاية دائمة.

 

 

 

 

 

_________________

(*) ستيفان وولف: أستاذ الأمن الدولي بجامعة برمنجهام- تاتيانا ماليارينكو: أستاذة العلاقات الدولية في أكاديمية أوديسا للقانون بالجامعة الوطنية.

المصدر: “ذي كونفرزيشن”.

Exit mobile version