“إيكونوميست”: حرب استنزاف في أوكرانيا.. من سيفوز؟

 

عن تقييم مسار الحرب في أوكرانيا، كتبت مجلة “إيكونوميست” أن الحرب التي دخلت شهرها الرابع تتحدى المفاهيم البسيطة للربح والخسارة. يُعتقد أن القوات الروسية تسيطر على معظم مدينة سيفيرودونيتسك بعدما هزمت الهجمات الأوكرانية المضادة. المقاومة الأوكرانية محصورة الآن في منطقة صناعية واقعة في أقصى غرب المدينة. مع ذلك، تتبدل السيطرة الميدانية عليها.

بين أواسط أبريل (نيسان) ونهاية مايو (أيار) حققت روسيا مكاسب صافية بما يزيد قليلاً عن 450 كيلومتراً مربعاً وفقاً لشركة روتشان كونسالتينغ التي تتعقب الحرب. يصعب توصيف هذه المكاسب بالجائزة المذهلة. بشكل مرجح، يبدو أن لا روسيا ولا أوكرانيا قادرتان على تحقيق خرق حاسم. مع ذلك، تأمل الدولتان في سحق بعضهما من خلال حرب استنزاف.

حجم الخسائر الروسية

كانت خسائر روسيا فادحة. بحلول أواسط مايو، انخفضت القوة الغازية إلى نحو 58% من حجمها الأساسي قبل الحرب، وفقاً لمسؤول غربي. بحلول الأول من يونيو (حزيران) الحالي، انخفضت بضع نقاط مئوية أخرى. من المحتمل أن تكون الكتائب التكتيكية الروسية، أي التشكيلات الأساسية للجيش الروسي، قد بدأت الحرب بـ600 رجل تقريباً لكل كتيبة؛ مؤخراً، شوهد بعضها مع 60 رجلاً فقط، وهي بالكاد أكبر من فصيلة. كانت الأضرار التي لحقت بالدروع درامية بشكل خاص. فقدت روسيا 761 دبابة بالحد الأدنى، أكثر من ثلثها منذ بداية الهجوم على دونباس في 18 أبريل.

ارتجال

يقوم القادة الروس الآن بإقحام المعدات القديمة في المعركة. في الأسابيع الأخيرة، تم رصد الدبابة تي-62 في دونباس، وهي الدبابة التي دخلت الخدمة سنة 1961 وخضعت للتطوير في الثمانينات. تم وضع دروع على شاكلة أقفاص مرتجلة على رأس بعض تلك الدبابات لتوفير حماية بدائية وعلى الأرجح غير فعالة ضد الذخائر المضادة للدبابات. يقول توم بولوك من شركة جينس للاستخبارات الدفاعية إن هذه التجهيزات الزائدة عن الحاجة مخصصة للميليشيات في دونيتسك التي تشكل قوة روسية وكيلة بما يسمح لها بالحفاظ على خط دفاعي وتحرير الجيش الروسي لتولي مهام أكثر أهمية.

حجم الخسائر الأوكرانية

تابعت المجلة أن ما يعرف عن حالة القوات الأوكرانية أقل بكثير. لا يقول المسؤولون الغربيون أي شيء يمكن أن يقوض المعنويات الأوكرانية، وهنالك أدلة أقل مستندة إلى المصادر المفتوحة (كالصور على وسائل التواصل الاجتماعي) تظهر خسائرها. لكن الواضح هو أن أوكرانيا تعرضت أيضاً لضربات مكثفة.

في 31 مايو، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن ما بين 60 إلى 100 جندي كانوا يقتلون يومياً مع سقوط أكثر من 500 جريح، وهي وتيرة خسائر تقارن مع وتيرة بعض معارك الحرب العالمية الثانية. يقول مسؤولون غربيون إن هذه الأرقام دقيقة بشكل عام.

ويشير أحدهم إلى أن معدلات الخسائر الروسية والأوكرانية هي متساوية الآن تقريباً. إن المشرحة في بخموت، وهي الوجهة الفورية للجنود الأوكرانيين الذين قتلوا في الشرق تلقت الأسبوع الماضي لم تعد قادرة على الاستيعاب مع بقاء جثث في الشوارع وفقاً للأنباء.

قدرات التجنيد في حرب الاستنزاف

أضافت إيكونوميست أن الحرب تتحول إلى صراع استنزاف سيفوز فيها الطرف القادر على إنتاج تدفق أكثر استدامة للجنود والمعدات والذخيرة. رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعلان تعبئة عامة للاحتياط والمجندين لغاية اليوم، لكن هنالك دليل إلى أن وزارة الدفاع تحاول جذب الرجال ذوي الخبرة العسكرية إلى العمل مع وعد بدفع رواتب ضخمة تصل إلى 5 آلاف دولار شهرياً وهي تساوي ستة إلى ثمانية أضعاف راتب ملازم متوسط الرتبة. لكن مشكلة أوكرانيا مختلفة.

لديها مصدر وافر من المجندين المتحمسين إنما ليس ما يكفي من الناس لتدريبهم. يقول مؤسس روشان كونسالتينغ كونراد موزيكا إن عدد المجندين المحتملين في القوات المسلحة كبير جداً إلى درجة أن هنالك لائحة انتظار لأكثر من شهر يجب أن يدونوا أسماءهم فيها قبل أن يتم تجنيدهم. يشير هذ إلى أنه في المدى المنظور سيكون صعباً جداً بناء الألوية الستة الجديدة (25 ألف رجل) التي تحدث عنها مسؤول أوكراني مؤخراً لصحيفة “فايننشال تايمز” قائلاً إنها ستكون ضرورية لشن هجوم مضاد لاستعادة أراض في الشرق والجنوب.

كمية الأسلحة

في الظاهر، يجب أن تكون المعدات مشكلة أقل حجماً. أرسلت أمريكا وأستراليا والدول الأوروبية المزيد من المدفعية والأسلحة الأخرى إلى أوكرانيا خلال الشهر الماضي. وعدت أمريكا وبريطانيا وألمانيا أيضاً بإرسال قاذفات صواريخ يمكن أن تضرب على مسافة أبعد بثلاث مرات تقريباً من تلك التي بإمكان تلك المدفعية أن تغطيها. على الأرجح، لن تأتي هذه الأسلحة بالسرعة الكافية لوقف غزو روسيا لسيفيرودونيتسك والبلدات المجاورة مثل ليزيشانسك التي زارها زيلينسكي في 5 يونيو. يقول البنتاغون إن تدريب القوات الأوكرانية على استخدام قاذفات هيمارس سيستغرق أسابيع.

لكن إذا استمرت الحرب لأشهر أو حتى سنوات كما يتوقع مسؤولون أمريكيون وأوروبيون الآن، ستلعب هذه الأسلحة الأجنبية دوراً حيوياً. بالنسبة إلى أوكرانيا، لقد نفدت بعض أنواع الذخيرة السوفياتية المعايير أو هي قريبة من ذلك، على ما يقوله مايكل كوفمان من مركز التحليلات البحرية. مخازن هذه الذخيرة في دول حلف وارسو السابق مثل بولونيا سوف تنفد أيضاً. إذا كان بإمكان الجيش الأوكراني أن يتحول إلى الأسلحة الأطلسية المعايير فسيسمح ذلك للدول الغربية بضمان حملة أطول بكثير. “على الرغم من أن التوازن العسكري المحلي في… دونباس يبدو مؤاتياً لروسيا، لا تزال الاتجاهات العامة للتوازن العسكري تؤاتي أوكرانيا”، كما يقول كوفمان، لكن، إذا استديم الدعم الغربي.

مزية لروسيا

ثمة العديد من الدول الأوروبية التي تنقص بعض أسلحتها المرسلة إلى أوكرانيا مثل الصواريخ المضادة للدبابات. وقد يستغرق تعزيز الإنتاج سنوات. كما أنه ليس من السهل على أوكرانيا استيعاب الأسلحة الجديدة. مع أن مسؤولي الدفاع الغربيين أعجبوا بسرعة تمكن القوات الأوكرانية من التعامل مع المعدات الجديدة، يبقى أن صيانة عشرات الأنظمة غير المعتادة عليها تلك القوات خلال فترة الحرب ليست سهلة. وعلمت إيكونوميست أن العديد من القطع المدفعية أعيد إرسالها إلى بولونيا لإعادة إصلاحها. لا تزال روسيا تتمتع بالمزية في مجال الأسلحة.

نظرة ساخرة

تعتقد إدارة بايدن أن حزمة المساعدة البالغة 40 مليار دولار والتي وقع عليها الرئيس الأمريكي في 21 مايو ستسمح بمواصلة “وتيرة عالية” من المساعدات العسكرية حتى نهاية 2022 تقريباً. عملياً، سيحتاج الطرفان إلى وقف القتال لإراحة وإعادة بناء جيشيهما المنهكين قبل فترة طويلة من ذلك الموعد. لدى بوتين نظرة ساخرة إلى قوة الغرب. هو يعتقد أن الانقسامات الأوروبية والعابرة للأطلسي ستتسع مع استمرار الحرب. قد تشجع أسعار الطاقة المرتفعة والاضطرابات الاقتصادية الواسعة والتضخم أولئك الذين يريدون وقفاً مبكراً لإطلاق النار.

قالت رئيسة الوزراء الإستونية كاجيا كالاس في 6 يونيو إنه “لا يمكننا ارتكاب ذلك الخطأ مجدداً” في إشارة إلى سيطرة روسيا على أراض جورجية في 2008 وإلى اتفاقيتي مينسك اللتين فاوضت عليهما فرنسا وألمانيا سنة 2014. وتابعت: “علينا الاستعداد لحرب طويلة” بحسب 24.

Exit mobile version