صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية: فرص أمريكا في نجاح قمة الأمريكيتين ضئيلة

 

قلل المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية أندريه كورتونوف من احتمالات نجاح الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها خلال قمة الأمريكيتين التي تمتد من 6 وحتى 10 يونيو (حزيران) الحالي.

وكتب في صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية أن الولايات المتحدة استضافت هذه القمة مرة واحدة في ميامي شهر ديسمبر  1994 وكانت تلك أول مرة يجتمع فيها المنتدى.

بدت واعدة

شكلت تلك الفترة ذروة الهيمنة الأمريكية الدولية والانتصارية الأمريكية العالمية لما بعد الحرب الباردة. بطريقة غير مفاجئة، هيمنت إدارة كلينتون بشكل كامل على وضع جدول أعمال الحدث والأولويات العامة لهذا التجمع الجديد. حصل ذلك في وقت كانت النماذج الليبيرالية تنتشر سريعاً في أمريكا اللاتينية؛ تم تهميش كوبا الشيوعية على نطاق شبه كامل في سياسات القارة وبدت الجزيرة قريبة جداً من أن تشهد تغييراً في النظام. وافق المشاركون في قمة ميامي بحماس على تأسيس منطقة التجارة الحرة للأمريكيتين كما على الترويج للديموقراطية والازدهار في القارة من أجل مكافحة الفساد بجميع أشكاله والقضاء على التهريب والاتجار بالمخدرات.

سقطت التوقعات

حتى في ذلك الحين، تابع الكاتب، تبين أن تلك الأهداف صعبة التحقيق للغاية. واجه تطبيق المنطقة الحرة العديد من العقبات وفشل في الوفاء بالموعد النهائي لسنة 2005؛ فضلت الولايات المتحدة التركيز على التفاوض حول اتفاقات تجارية ثنائية مع جيران مختارين في الجنوب بدلاً من إنجاز ترتيب تجاري متعدد الأطراف. لم يتم القضاء قط على الفساد والاتجار بالمخدرات في النصف الغربي من الأرض وتبين أن الشرّين أكثر عناداً وتكيفاً مما كان متوقعاً في السابق.

الأوهام تخلي الساحة أمام النضج

ذكر كورتونوف أن الفقر المدقع في القارة آخذ بالارتفاع اليوم وانتشر في نهاية 2021 بين 14% من السكان تقريباً. على عكس جميع التوقعات الأبوكاليبتية، برهن النظام السياسي الشيوعي في كوبا عن مرونة لافتة ونجا من تغير جيلي في القيادة. علاوة على ذلك، تغير ميزان القوة في العالم بشكل درامي منذ سنة 1994 وعلى حساب القوة المطلقة للولايات المتحدة. أفسحت الأوهام الرومنسية للعولمة الليبيرالية التي لا تعترف بالحدود و”نهاية التاريخ” و”العالم الأحادي القطبية” المجال أمام توقعات أكثر نضجاً بتعددية قطبية ناضجة وأقلمة متقدمة في العلاقات الدولية.

قضية مفاجئة

يرى الكاتب أن قمة الأمريكيتين حالياً يجب أن تقدم جواباً عما إذا كانت واشنطن تعلمت دروس 1994. لكن الإعداد للقمة يطرح شكوكاً بشأن جاهزية الولايات المتحدة لإعادة تقييم مقارباتها التقليدية تجاه أمريكا اللاتينية. منذ 28 سنة، ومع كون بلادها في ذروة القوة الدولية، منعت إدارة كلينتون كوبا فقط من الحضور إلى ميامي. اليوم، إن إدارة بايدن الأضعف بكثير استثنت كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا.

وفقاً للكاتب، إن قضية عدم دعوة فنزويلا مفاجئة للغاية بالنظر إلى المحاولات المستمرة للبيت الأبيض في التحدث إليها كي تكون بديلاً عن روسيا كمصدر نفطي بارز إلى الولايات المتحدة. وأضاف أن هذه الانتقائية التعسفية في الدعوات أثارت مخاوف مشروعة في أمريكا اللاتينية وشككت بجاهزية قادة بارزين في المنطقة للمشاركة في القمة التي تستضيفها لوس أنجلوس. لكن المشكلة ليست محصورة في المشاركة وحسب.

ثمة أسباب قوية للاعتقاد بأن إدارة بايدن ستحاول إنجاز مهمتين أساسيتين في القمة التاسعة. الأولى محاولة الحصول على دعم كامل من أمريكا اللاتينية لموقف واشنطن ضد موسكو. الثانية دفع أمريكا اللاتينية إلى الاختيار بين واشنطن وبكين لصالح الأولى. من غير المحتمل أن يتم إنجاز أي من هاتين المهمتين بسهولة.

كيف تنظر إلى النزاع؟

وفقاً للكاتب، لا تنوي غالبية دول أمريكا اللاتينية تحويل النزاع الروسي-الأوكراني إلى أولويتها في السياسة الخارجية. قد يكون بعضها منتقداً جداً للعملية العسكرية الخاصة التي يقودها الكرملين لكن غالبيتها مثل القوى الكبيرة كالبرازيل والمكسيك والأرجنتين مترددة في فرض عقوبات اقتصادية قاسية على موسكو.

على العكس من ذلك، غالباً ما ترى هذه القوى العقوبات المناهضة لروسيا كفرصة لملء الفراغ والحصول على مواقف أقوى في الأسواق الروسية. علاوة على ذلك، هي لا تحب ببساطة أن يعلمها البيت الأبيض ما يجب أن تفعله أو ألا تفعله في الشؤون الدولية. ويتساءل كورتونوف عن قادة الدول السيدة الذين سيحبون أن يصبحوا تلامذة مطيعين يتدربون على يد أستاذ متطلب.

النظرة اللاتينية إلى بكين

مع الصين، إن فرص نجاح الولايات المتحدة في لوس أنجلس هي أقل حتى. خلال 28 عاماً، تحولت الصين من كيان غير موجود في أمريكا اللاتينية إلى قوة اقتصادية حقيقية. إن نمو تجارتها مع القارة مذهل حقاً: بين 2000 و 2020، نمت تجارة الصين مع أمريكا اللاتينية من 1.7% إلى 14.4% من إجمالي تجارة المنطقة وكانت قريبة من 450 مليار دولار في 2021. أكثر من 20 دولة أمريكية لاتينية وكاريبية وقعت على مبادرة الحزام والطريق؛ وانضمت ست منها إلى البنك الآسيوي للاستثمار والبنية التحتية ومقره بكين. مجرد فكرة أنه ينبغي على دول أمريكا اللاتينية الاختيار بين الصين والولايات المتحدة يبدو غريباً إن لم يكن غير معقول.

مساهمات متوقعة… ونصيحة من فيلسوف

لا يشك الكاتب في أن الولايات المتحدة ستواصل كونها لاعباً مهماً في أمريكا اللاتينية. علاقاتها مع جيرانها الجنوبيين تتمتع بسجل طويل جداً وباتساع هائل. لا تزال القوة الأمريكية الناعمة تتخطى قوة أي لاعب آخر غير إقليمي. في الولايات المتحدة جاليات أمريكية لاتينية كبيرة وحيوية. قد يساهم الاجتماع في لوس أنجلوس مساهمة صالحة بإدارة الهجرة في النصف الغربي من الأرض والترويج لأهداف تنموية مستدامة والتكيف مع تحدي التغير المناخي. لكن من أجل أن تكون ناجحة، يتعين على إدارة بايدن أن تتخلى عن عاداتها القديمة في استعلاء القوة العظمى وأن تعالج عدداً من الحاجات والمخاوف الحقيقية لجيرانها. قال الفيلسوف الصيني القديم لاو تسي: “كن الرئيس، لكن لا تكن أبداً السيد” بحسب 24.

Exit mobile version