الإجهاد يحول الناس من الإيثار إلى الأنانية

 

إذا كنت تشعر بالتوتر الآن، فلست وحدك من يشعر بذلك، ربع الكنديين أبلغوا عن تعرضهم المستمر لمستويات عالية من التوتر، ونصف الكنديين تقريبًا زادت عندهم مستويات التوتر منذ بداية وباء كورونا.

والتوتر، لسوء الحظ، يؤثر على كيفية تعاملنا مع الأشخاص من حولنا، بطرق غير جيدة، للأسف، ويمكن للتوتر أن يجعل الناس أكثر أنانية وجشعًا.

الإجهاد يؤثر على الجميع بمستويات مختلفة، يؤثر على أجسادنا وعقولنا وسلوكياتنا.

كنت مؤخرًا جزءًا من فريق من الباحثين الذين درسوا كيف يؤثر التوتر على الكرم ودراسة من هم عرضة بشكل أكثر من غيرهم للتغييرات في السلوكيات الاجتماعية عندما يكونون تحت ضغط.

أردنا أن نفهم كيف تعمل هرمونات التوتر، وما هي استجابات الدماغ وكيف يمكن للتوتر أن يجعل الناس أنانيين ولماذا لا يحدث هذا للجميع بنفس الدرجة.

الإيثاريون أكثر عرضة للتحول إلى لأنانية عند وضعهم تحت الضغط

في دراستنا، طلبنا من المشاركين التبرع لجمعيات خيرية مختلفة قبل وبعد التعرض لضغوط اجتماعية، ولمحاكاة عواقب معظم أعمال الإيثار في العالم الحقيقي، كان للتبرعات في هذه التجربة عواقب حقيقية.

تم منح المشاركين 20 يورو، ويمكنهم الاحتفاظ بأي أموال إذا قرروا عدم التبرع، ورغم وجود الأنانية، كان معظم المشاركين على استعداد لدعم القضايا الخيرية.

وقد زادت استجاباتهم البيولوجية بعد تعرض المشاركين لضغط اجتماعي، كما تم تسجيل مستويات متزايدة من هرمون التوتر (الكورتيزول) ارتبطت بشكل سلبي بكرمهم، وبعبارة أخرى، فإن استجابات الإجهاد تناسبت عكسياً مع الإيثار.

ولكن لم يتأثر الجميع بنفس الطريقة، كانت قابلية المشاركين للإصابة بهرمون التوتر الكورتيزول مرتبطة بقدرتهم على فهم الحالات العقلية الداخلية للآخرين (مثل احتياجاتهم أو معتقداتهم أو أهدافهم أو وجهات نظرهم).

يشار إلى هذه القدرة أحيانًا على أنها العقلية أو نظرية العقل وترتبط بشكل إيجابي بالسلوكيات الإيثارية، كان المشاركون ذوو المهارات العقلية العالية هم الأكثر عرضة لأن يصبحوا أكثر أنانية تحت الضغط.

هرمون الإجهاد يؤثر على أدمغتنا

قمنا بقياس نشاط دماغ المشاركين أثناء العطاء الخيري، قبل وبعد الإجهاد، باستخدام التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي.

فوجدنا أن هناك منطقة في الدماغ تتوسط تحولًا متعلقًا بالكورتيزول في الإيثار: قشرة الفص الجبهي الظهراني، من المعروف منذ فترة طويلة أن هذه المنطقة تؤدي دوراً رئيساً في اتخاذ القرارات الإيثارية والتحكم المعرفي.

وقد غير هرمون الإجهاد الكورتيزول أنماط التنشيط في هذه المنطقة من الدماغ وقلل الآثار السلبية للإجهاد على سلوك الإيثار، وتلك هي الحلقة المفقودة بين استجابات الإجهاد الجسدي والتغيرات الملحوظة في سلوكنا الاجتماعي، فقد أوضح، على وجه التحديد، كيف يستجيب الدماغ بالضبط للإجهاد ويساهم في تغيير الرغبة للمساعدة تحت الضغط.

تعتبر نتائج دراستنا مهمة لأنها تكشف عن عدة أشياء:

فأولاً: تساعد في فهم الرابط بين استجابات الجسم للضغط والتغيير في رغبتنا في مساعدة الآخرين، تعتمد المجتمعات على استعداد الناس للمشاركة والتعاون والمساعدة، فالإيثار هو لبنة بناء المجتمعات العاملة، والمستويات العالية من التوتر التي أبلغ عنها العديد من الكنديين تمثل عامل خطر محتمل.

ولذلك ففهم كيف يمكن أن يؤثر الضغط على سلوكياتنا الاجتماعية الإيجابية تجاه الأشخاص والمنظمات الأخرى أمر حيوي، فهذا الفهم يمكن أن يساعد في تطوير تدخلات جديدة تستهدف العناصر التي تغيرت بسبب تجربة الإجهاد.

ثانيًا: ليس كل الناس متشابهين: فلا يظهر كل شخص نفس الاستجابة تحت الضغط، وتحديد الخصائص التي تشرح القابلية للتأثر بالتوتر مفيد، لأنها يمكن أن تساعد في حماية الأشخاص الضعفاء من خلال إخبارنا من هم.

ثالثًا: تشير هذه النتائج إلى إستراتيجيات للحماية من الطرق الضارة التي نتعامل بها مع الآخرين بسبب استجابات الإجهاد، فالنتائج تشير على وجه التحديد، إلى أن التدخلات المستهدفة التي تقلل من مستويات التوتر قد تحسن الإيثار (خاصة عند أولئك الذين يعانون من عقلية متميزة).

هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتعزيز هذه النتائج، فهي توفر وسيلة مثيرة لأي شخص مهتم بإنشاء مجتمعات وبيئات اجتماعية أكثر إيجابية، قد لا يكون هذا أول ما يتبادر إلى الذهن، إلا أن الطرق الجديدة والفعالة للحد من التوتر لدى الأعضاء الضعفاء في مجتمعاتنا يمكن أن تكون أساسية لضمان بيئات اجتماعية داعمة.

 

 

 

 

 

_____________________

(*) أستاذة مساعدة في علم النفس في جامعة كوينز، أونتاريو، كندا.

المصدر: “ذا كونفرزيشن”.

Exit mobile version