رؤى لإصلاح المؤسسات الدولية

 

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقبل 77 عاماً، نشأت الأمم المتحدة، للحفاظ على السلام العالمي، لم يتجاوز عدد الأعضاء حينها 51 دولة، نشأت المنظمة في سياق دولي متعدد الأقطاب، وفي ظل كفاح المستعمرات للحصول على الاستقلال، وما بين لحظة النشأة والوقت الراهن، اختلفت التحديات والسياقات، التي تفرض أن يكون لها مهام وأدوار جديدة، ومن هنا تعالت الأصوات المطالبة بإصلاحها وتوسيع التمثيل في مجلس الأمن الدولي، وألا تكون المنظمة الدولية أداة في يد الدول الكبرى، كذلك الانتقال بدورها نحو التنمية المستدامة في العالم.

في الحقيقة، إن استمرار الأمم المتحدة مرتبط بدرجة كبيرة بقدرتها على أن تمثل ميزان القوى العالمي في الوقت الراهن، وليس لحظة وضع ميثاقها قبل 7 عقود؛ فخلال تلك المسيرة الطويلة، صعدت القوى المهزومة في الحرب العالمية الثانية خاصة ألمانيا واليابان لتحل اقتصادياتها كأكبر الاقتصاديات العالمية، وهو ما استتبع أن تحظى تلك الدول بدور أكبر داخل المنظمات الدولية خاصة مجلس الأمن؛ لذا كانت مطالب إصلاح المؤسسات الدولية خاصة الأمم المتحدة ميداناً تشاركت فيه كثير من القوى والدول في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وذلك لبناء شرعية جديدة للمؤسسات الدولية تؤهلها للقيام بمهامها بفعالية لتخفيف حدة الفقر الذي يولد الصراعات ويحول دون تحقيق الاستقرار.

مشاريع للإصلاح

ظهرت عدة مشاريع وأفكار لإصلاح المؤسسات الدولية الكبرى، في مقدمتها الأمم المتحدة، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية؛ فمن القمة العالمية للتنمية المستدامة، التي عقدت في جوهانسبرغ في عام 2002م، تم إطلاق دعوة لإصلاح النظام الدولي، ففي يوليو 2003م أطلق المنتدى العالمي لشبكات المجتمع المدني (UBUNTU) حملة للدعوة إلى إصلاح نظام المؤسسات الدولية والتحرك نحو نظام أكثر ديمقراطية، وكانت تلك الدعوة تعبيراً عن ضغوط إفقار التنوع الثقافي في ظل العولمة.

أما مجلس الأمن، حسب البعض، فكان يحتاج إلى ثورة، باعتباره حجر الزاوية لأي إصلاح في المؤسسات الدولية؛ حتى يكون تعبيراً عن الشرعية الدولية، فكثرت الدعوات لإصلاحه سواء على مستوى العضوية والوظائف والأدوار وسلطاته لحفظ السلم والأمن الدوليين، ففي العام 2005م أطلق ما عُرف بـ”توافق إيزولويني” (The Ezulwini Consensus) الذي اقترح أن تُمثل أفريقيا بمقعدين دائمين إضافيين داخل المجلس مع تمتعهم بحق النقض (veto).

وفي العام ذاته (2005م)، قدم الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة “كوفي عنان” خطة لتوسيع عضوية مجلس الأمن لتصبح 24 عضواً بدلاً من 15 عضواً، فكانت الدعوة لتعديل الجانب التمثيلي في المجلس بحيث يمثل بعض المناطق كأفريقيا وأمريكا الجنوبية وأستراليا التي لا يوجد لها مقعد دائم في مجلس الأمن، وكانت المطالب بتوزيع متوازن للمقاعد، كذلك وضعت ألمانيا مشروعاً لإصلاح المجلس مع كل من الهند والبرازيل واليابان، وهي مجموعة عرفت باسم “G4”، وكان من أهم بنوده إضافة 6 أعضاء دائمين للمجلس منهما مقعدان لأفريقيا ومثلهما لآسيا، وإضافة إلى 4 أعضاء غير دائمين ليصبح عدد الأعضاء 25، وليس 15 عضواً.

أما البنك الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، لدعم إعادة إعمار أوروبا، فقد تغيرت مهمته للحد من الفقر وتعزيز التنمية، وأن يكون له دور في تعزيز الاقتصادات الناشئة، أو كما وصفه رئيسة “جيم يونغ كيم” بأن يكون مفهوم البنك قائماً على فكرة “بنك الحلول” (solution bank) لتشجيع التنمية المستدامة، ومع تآكل الدور القيادي للبنك الدولي في التنمية العالمية ظهرت الدعوة لإصلاحه، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية بدءاً من العام 2006م.

رؤى للإصلاح

وقد أطلق عدد من المختصين في القانون الدولي أفكاراً لإصلاح المؤسسات الدولية حتى تصبح أكثر تمثيلاً وديمقراطية وفعالية، مثل كتاب «إصلاح المؤسسات الدولية.. عالم آخر ممكن»(1) الذي شارك في تأليفه نخبة من المفكرين والسياسيين تحت رعاية المنتدى العالمي لشبكات المجتمع المدني، أكد الكتَّاب حاجة المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي وصندق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية لعملية إصلاح لتحقيق قدر أكبر من الديمقراطية في إدارتها، لتتصدى للتحديات العالمية.

أما «سبنسر زيفكاك»، أستاذ القانون الدولي، أحد مستشاري الأمم المتحدة، فأجرى سلسلة من الحوارات والنقاشات مع قانونيين ودبلوماسيين أممين، في كتابه «إصلاح الأمم المتحدة هل تتجه شمالاً أم جنوباً؟»(2)، تناول خلالها دعوات إصلاح الأمم المتحدة في أعقاب الحرب الأمريكية على العراق عام 2003م، ومقترحات «عنان» لإصلاح المنظمة خاصة إدخال تعديلات على القانون الدولي في مسألة استخدام القوة في الشؤون الدولية.

أما «جي سنكلير» في كتابه «لإصلاح العالم: المنظمات الدولية وصنع الدول الحديثة»(3)، فأشار إلى قيام المنظمات الدولية بتوسيع سلطاتها بمرور الوقت دون تعديل المعاهدات التأسيسية رسمياً، ويرى أن السبب في ذلك هو وجود رؤية بأن ذلك ضرورة في عملية صياغة الدول الحديثة على النموذج الغربي، واستند في تحليله إلى 3 منظمات؛ هي: الأمم المتحدة، والبنك الدولي، ومنظمة العمل الدولية، وهو ما يعني أن إصلاح المؤسسات الدولية مدخل مهم لكثير من عمليات الإصلاح داخل الدول في العالم، لكنَّ جزءاً من عقبات إصلاح المؤسسات الدولية هي توفر الموارد.

 

 

 

 

__________________________________________________________

(1)   Reforming International Institutions: Another World is Possible

(2)  United Nations Reform: Heading North or South?

(3)  To Reform the World: International Organizations and the Making of Modern States

Exit mobile version