ماذا وراء التسريبات المنسوبة لمديرة مكتب الرئيس التونسي السابقة؟

 

أكثر من 20 تسريباً حتى الآن منسوباً لنادية عكاشة، المديرة السابقة لمكتب الرئيس التونسي قيس سعيّد، تتحدث فيها عن أسرار القصر وصفها البعض بقصص ألف ليلة وليلة، وقال عنها آخرون: “أسرار الدولة على قارعة الطريق”، ولا سيما أنها أكدت تسريبات سابقة عن صحة الرئيس التونسي وتناوله لأدوية لأمراض وصفها البعض بالخطيرة، منهم الرئيس الأسبق محمد منصف المرزوقي، في تدوينة، “يعاني من مرض عقلي خطير اسمه في لغة الطب هذيان الاضطهاد أو البارانويا”.

وقد اختلف التونسيون في التعاطي مع التسريبات بين مطالب بمنع النشر حولها، وأخرى بكشف الحقائق للتونسيين؛ إذ إن الحياة الخاصة للشخصيات العامة ليست ملكاً لهم بل للشعب، مستشهدين بما ينشر ويقال عن السياسيين في الغرب في وسائل الإعلام الحرة وما تعلّق بالأميرة الراحلة ديانا، أو الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وغيره من الرؤساء الأمريكيين، وما قيل عن الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، أو رئيس الوزراء الإيطالي السابق سلفيو برلسكوني ليس حول أدائهم، بل حياتهم الخاصة.

تسريبات مريبة

ورغم أن عكاشة قد نفت، في تدوينة لها على “فيسبوك”، أي علاقة لها بالتسريبات، وأن هناك من يحاكي أو يقلد صوتها، فإن العديد من معارفها ممن لا يزالون من المؤيدين لسعيّد أكدوا، على حد قول بعضهم، أن الصوت صوتها 1000%.

وقد تولت النيابة العمومية التحقيق في الأشرطة التي تناولت علاقة عكاشة بالرئيس، وكانت بتعبيرات مبهمة نسبياً، لكنها توحي بالريبة من خلال استخدام عبارات يفهمها التونسيون جيداً، حيث يذكر البعض أن سعيّداً لم يكن ينادي عكاشة، التي كانت معه في جميع لقاءاته الداخلية والخارجية تقريباً، باسمها، وإنما باسم آخر هو “بلقيس”، وقد أثار ذلك فضول التونسيين وتساؤلاتهم وما إذا إن كان التحبب باسم بلقيس يعني بلقيس سبأ، أم بلقيس الشاعر السوري نزار القباني؟!

وتتحدث التسريبات عن دور عائلة الرئيس في عقد الصفقات مع الأحزاب والشخصيات التي سارعت بعض تلك الشخصيات إلى نفي ما جاء فيها، مثل القيادي في حركة النهضة محمد القوماني، الذي نفى ما قيل في التسريبات عن علاقته بشقيق الرئيس نوفل سعيّد.

لكن ما يثير الريبة كذلك هو قول أنصار سعيّد المقربين من أن عكاشة عميلة للاستخبارات الفرنسية، ويتساءل التونسيون عن علاقة الجميع بالمخابرات الفرنسية؟ وكيف أقنعت سعيّداً بجعل عكاشة مديرة لمكتبه؟ وكيف وافق على ذلك إن كان ذلك صحيحاً؟!

وقد شن بعض المحسوبين على سعيّد هجوماً من نفس الصنف على عكاشة، واتهموها بعلاقة مع سفير تونس في دولة عربية من أجل نسج علاقة وطيدة مع تلك الدولة لتأمين مستقبلها السياسي.

ونجد في التسريبات (التي تبقى حتى الآن في طور الاختبار إلى أن يقول القضاء التونسي كلمته الفصل في النسبة والصحة) تفاصيل اللقاء الذي جمع سعيّداً بالرئيس الفرنسي ماكرون التي أثارت عاصفة من الانتقادات داخل تونس وخارجها، ولا سيما تقبيل سعيّد لكتفي ماكرون التي تحاكي وفق ناشطين نشروا صوراً مماثلة لعملاء الاحتلال الفرنسي في تونس عندما كانوا يقبلون أكتاف الضباط الفرنسيين للتعبير عن الولاء لفرنسا قبل تمكينهم من حمل السلاح لمقاتلة المجاهدين، حيث ذكر التسريب المنسوب لعكاشة أن سعيّداً أصابته الرعشة عندما رأى ماكرون وارتمى في أحضانه يقبل كتفيه، وواصل التسريب مرفوقاً بسخرية يقولون: إني ارتميت في أحضان الخارج، أنا لم أقبّل كتفي أي كان.

العلاقة مع أمريكا

تحدثت بعض التسريبات عن قلق الرئيس التونسي سعيّد من الموقف الأمريكي ولا سيما “الخارجية” والكونغرس واللقاء الذي جمع السفير بلوم، بسعيّد، حيث لامه على موقف بلاده من الإجراءات التي يتخذها منذ 25 يوليو 2021 وحتى اليوم، وكيف قامت بتهدئته لأنه كان سيقوم بطرد السفير الأمريكي في تونس، وأنها أقنعته بأن السفير لا يتحمّل المسؤولية لأنه إداري.

وكان الرئيس التونسي قد عبّر عن قلقه من الموقف الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً علناً، وكرر ذلك في أكثر من مناسبة؛ “نحن لا نتدخل في خياراتهم، فلماذا يتدخلون في شؤوننا؟”، متجاوزاً اختلال الموازين بين الطرفين، حيث إن القروض التي تحصل عليها تونس بضمانات أمريكية.

وتقوم الولايات المتحدة باستقبال ضباط الجيش التونسي وكوادره الصغرى في بلادها للتدريب على نفقتها، كما تقوم بمساعدة الأمن والجيش التونسيين على حماية حدود بلادهما، بل وتفاخرت بتقديم الدعم اللوجستي في عملية صد إرهابيين حاولوا السيطرة على مدينة بنقردان بالجنوب التونسي قبل بضع سنوات، فضلاً عن المساعدات المالية والاقتصادية الأخرى المعلومة للقاصي والداني وليست سراً من أسرار الدولة، وهو ما يخوّلها التدخل في شؤون من يحتاجها وبالتالي القياس فاسد، كما يقول الخبراء.

ليست زوبعة في فنجان

التسريبات التي قلل من أهميتها البعض لها على ما يبدو عدة أهداف تأكيد مرض سعيّد، وهنا يتحدث البعض عن طريقة إخراج الرئيس التونسي الأسبق حبيب بورقيبة من الحكم عام 1987 م بشهادة طبية، ثانياً: التهوين من قدرة الرئيس الحالي على مواصلة الحكم في ظل الأزمات المعقدة سياسياً واقتصادياً.

ثالثاً: تهيئة الرأي العام للتغيير من أعلى هرم السلطة بهذه الطريقة أو تلك؛ أي في حالة عدم تمكن القوى السياسية المعارضة من إسقاط الانقلاب، ستكون القوة الصلبة هي البديل، ويؤكد هذا تراجع سعيّد (كما يبدو) عن حل أحزاب في مقدمتها حزب حركة النهضة، فقد نفى ما أعلنه رئيس حركة أمل التونسية وصاحب مبادرة جبهة الخلاص الوطني نجيب الشابي، الخميس الماضي، عزمه حل الأحزاب السياسية، ووصف ذلك بالإشاعات التي تهدف لبلبلة الرأي العام، كما يؤكد ذلك سعيه لتنظيم مظاهرة تأييد، الأحد المقبل.

Exit mobile version