علماء وأكاديميون: هذه أسباب صدارة المغرب عالمياً في حفظ القرآن الكريم

باتت المملكة المغربية تحتل أولى المراتب العالمية في حفظ القرآن الكريم، بما يزيد على مليون ونصف حافظ وحافظة، حسب إحصائيات جديدة منسوبة إلى منظمة عالمية، متخطية بذلك ليبيا التي كانت تتصدر الترتيب بحوالي مليون حافظ، وكان المغرب وصيفا لها لعدة سنوات.

وتُعرف طرق التحفيظ في المدارس القرآنية والكتاتيب المغربية بميزة يجمع الباحثون على أنها السر في انتشار ظاهرة حفظ القرآن الكريم ورسوخها على مر الزمن، فيما يحتل الحفاظ مكانة خاصة في المجتمع تتعزز في شهر رمضان المبارك، ويحصد القراء المغاربة الجوائز العالمية في التجويد والترتيل.

صدارة عالمية

يبرز الأكاديمي المغربي امحمد الهلالي أن صدارة المغاربة للترتيب العالمي توافق خلاصات متواترة لدراسات علمية محكمة تضع المغرب في رتب متقدمة بمجالات التدين، إذ أنه الثامن عالميا، والثالث عربيا في عدد المساجد بعد السعودية ومصر، والأول في شمال إفريقيا بحوالي 52 ألف مسجد.

 ويضيف رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة لـ”المجتمع” أن ذلك يترجم شغف الشعب المغربي بالقرآن الكريم حفظا وتلاوة وتجويدا وعناية، كما يعتبر تتويجا طبيعيا للجهود الشعبية والرسمية المبذولة خاصة خلال العشر سنوات الماضية في مجال العناية بالقرآن وفي مجال إرساء بنيات مؤسساتية تعنى بالقرآن الكريم، ودون إغفال دور المحسنين والمجتمع المدني في الدعم والإشراف على هذه المشاريع التربوية والعلمية التي تهتم بتحفيظ النشء للقرآن الكريم وتلقين تجويده.

ميزة قروية

يتوفر المغرب على بنية مؤسساتية لحفظ القرآن وتعلم علومه بما يزيد على 29 ألف مركز وكُتاب أغلبها مرتبط بالمساجد أو ملحق بها، نحو ثلثيها (68٪) يوجد بالمجال القروي. وتتجه الظاهرة إلى أن تكون مؤنثة بتزايد مطرد لنسبة للإناث في صفوف المقبلين على مراكز التحفيظ؛ حيث تقترب نسبة الإناث من 50٪، كما هي حالة مجتمعية ومدنية متصلة بعمل المحسنين وبمبادرات المجتمع المدني مع إشراف وتأطير إداري وبيداغوجي كامل من الوزارة الوصية، حسب الهلالي.

امحمد الهلالي: يعتبر تتويجا طبيعيا للجهود الشعبية والرسمية المبذولة خاصة خلال العشر سنوات الماضية في مجال العناية بالقرآن

ويلاحظ أن الإقبال على حفظ القرآن خاصة في العالم القروي يتم في المناطق التي يسجل فيها أكبر نسب للهدر المدرسي، وهو ما يمثل أحد تفسيرات ارتفاع الإقبال على العرض التعليمي الميسر والمتاح والأكثر ولوجية بالنسبة لأبناء العالم القروي، كما يسمح بالقول بأن العرض التعليمي القرآني ما زال يمثل منافسا للرسمي، وهو ما يسائل التبريرات التي تربط ظاهرة الانقطاع عن المدرسة بعوامل سوسيولوجية، أو بالعقليات والوضعيات المادية للأسرة، أو بظاهرة تشغيل الأطفال في العالم القروي.

ويقول الشاب يونس أحد حفظة القرآن الكريم بالمدرسة القرآنية المعروفة “الحنيبلات” بإقليم آسفي، لـ”المجتمع” إن “شغفه بالعلم قاده إلى هذه المدرسة التي وجد فيها الحضن الدافئ لتعلم القرآن الكريم وحفظه، بل والانفتاح على علوم أخرى مثل الرياضيات واللغات والإعلاميات. ويبرز أن لحافظ القرآن الكريم همة عالية، يستلهمها من قوة إدراكه لعظمة كلام الله، ويحقق مراده مستعينا بتوفيق رب العالمين.

 ما السر؟

مع كثرة الحفاظ والحافظات يطرح السؤال عن سر ذلك، ويبرز كل من الباحث في الفكر الإسلامي الدكتور صالح النشاط، والشيخ المحفظ إبراهيم الفاطمي المشرف على مدرسة “الحنيبلات” لـ”المجتمع”، أن المغاربة يمتازون بطريقة متفردة في تحفيظ القرآن الكريم، منذ قرون من الزمن، والواقع الحالي يشهد لهذه الطريقة بأنها كانت سببا في تخريج أجيال من الحفاظ والحافظات، وتميزهم في مختلف المناسبات والتظاهرات الوطنية والدولية.

وتعتبر المنهجية المعتمدة في التحفيظ، أو كما يسميها البعض بيداغوجية تحفيظ القرآن، من حيث تحبيب القرآن للناشئة الصغار منذ ولوجهم إلى الكُتاب، وتعاون الآباء مع فقيه المسجد المُحفظ، وطريقة التدرج في التمرن على كتابة الحروف، والكلمات، للبدء في حفظ قصار السور، وتعلم ما يسمى بـ”الأنصاص”، لتمييز المتشابه بين الألفاظ والكلمات، كما يعد أسلوب كتابة القرآن على اللوح واستظهاره آخر اليوم على الفقيه وسيلة لتثبيت الحفظ، فضلا على بيداغوجية السماع والعرض.

صالح النشاط: حافظ القرآن يحظى في المجتمع بأهمية كبيرة ومكانة اجتماعية معتبرة ترجع إلى قيمة ما يحمله في صدره ويحفظه

أما الأستاذ الباحث محمد بوضاض فيلاحظ في حديث لـ”المجتمع” توظيف ما يسمى “البيداغوجيا الفارقية” في تحفيظ القرآن الكريم المعتمدة على الأخذ بعين الاعتبار الفروق الفردية، مبرزا أن الفقيه يلقن طلبته المعلومة ويدربهم على العطاء والأخذ في آن واحد؛ إذ يكلف الكبار والمشرفين على التخرج بإمامة الناس عند غيابه وإلقاء خطبة الجمعة، وذلك بالتناوب حتى تحصل الفائدة لهم جميعا، ويعامل الصغار معاملة خاصة لوضعهم في السياق الصحيح، فيما لا يتسامح مع من قطع أشواطا في تضييع ما يحفظ بل يراقب ويختبر أسبوعيا، بأسلوب دقيق، خاصة فيما يتعلق بالمحفوظ الجديد.

  مكانة حافظ القرآن

وبخصوص مكانة حافظ القرآن في المجتمع المغربي يؤكد الأستاذ الجامعي صالح النشاط أن حافظ القرآن يحظى في المجتمع بأهمية كبيرة، ومكانة اجتماعية معتبرة، ترجع إلى قيمة ما يحمله في صدره ويحفظه؛ فالفقيه الحافظ كان دائما ضمن النخبة المؤثرة في الجماعة، يحضر أفراحها، وأتراحها، فهو مصدر الاستشارة والرأي والنصيحة، يقصده الناس لمعرفة دينهم ودنياهم.

فيما يشير الأكاديمي محمد بوضاض إلى أن المكانة الخاصة لحامل القرآن في المجتمع المغربي تظهر في مكانته في قلوب الناس صغيرهم وكبيرهم ذكورا وإناثا، حتى إن والدَي الحافظ كانا يعفيان من واجبات كثيرة مما يشبه الآن الإعفاء الضريبي. أما الشيخ المحفظ فهو نجم يستضاء به في منطقته ويلجأ إليه لحل مشكلات اجتماعية كثيرة، أسرية ومجتمعية وغيرها؛ فكان كلامه مسموعا لدى الجميع؛ لأنه يتحرى الحق والإنصاف؛ في محاولة الإصلاح بين المتخاصمين، وكذا إصلاح ذات البين بين الزوجين تفاديًا للطلاق، وإبقاء على جمع شمل الأسرة وبقاء الأبناء في حال وجودهم متمتعين بدفء حضن الأبوين.

رمضان وحفظة القرآن

يبرز الأكاديمي المغربي صالح النشاط الدور الذي تلعبه المدارس القرآنية في تخريج الأئمة والمقرئين الحفظة أكثر في شهر رمضان المبارك، حيث تزداد الحاجة، إلى القراء والحفاظ المميزين والمتقنين لقواعد التلاوة، وكلما عرف الناس قارئا مميزا، حفظا وصوتا ومقاما، إلا وحجوا إليه، وسافروا من أجله، من أجل الاستمتاع بتلاوته وقراءته، كما أنه في رمضان يكثر الإقبال على استدعاء القراء المغاربة، خصوصا من قبل الجالية المغربية المقيمة بأوربا، وبعض دول الخليج العربي أيضا.

أما الباحث محمد بوضاض؛ فيشير إلى أن وضع حافظ القرآن يبلغ مداها في شهر رمضان ويصبح أروع وأبلغ؛ حيث الترتيل والحفظ المتقن؛ فالمغاربة لا يتساهلون في الحفظ، ومنذ القدم يحرص الإمام المغربي غاية الحرص أن يُسمّع دون أن يرتج عليه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولم يكن الأئمة يحتاجون إلى مراجعة ما سيقرؤون في صلاة التراويح، بل كانوا كلما رأوا حافظا يراجع ما سيقرأ في التراويح قللوا من حفظه، وربما سحبوا منه صفة الحافظ وروجوا لذلك بين الحفاظ؛ فكان الفقيه يقرأ ورده القرآني، ويتابع صلاة التراويح سورة سورة حزبا حزبا لكن يقرأ في ورده حيث بلغ في ورده لا حيث سيقرأ اليوم في التراويح، بل قد يعرض لأحد الحفاظ عارض يتعذر معه أن يصلي التراويح، فينادي على أحد طلبته أو حافظ آخر يوجد معهم في المسجد حينا ليحل محله فيستجيب فورا. 

Exit mobile version