فرنسا.. تحديات ما بعد فوز ماكرون بولاية رئاسية ثانية

 

الآن، وقد فاز ماكرون بولاية رئاسية ثانية لخمس سنوات قادمة، هل يعني ذلك نهاية حالة التوتر التي عاشتها فرنسا طيلة الحملة الانتخابية بسبب الاستقطاب السياسي الناتج عن تصاعد الشعبوية وأحزاب اليمين المتطرف؟

يبدو أن الولاية الثانية ستكون قاسية للرئيس ماكرون الذي ساهم بسياسته النفعية البراغماتية في تقوية الروح الشعبوية داخل المجتمع الفرنسي التي كادت أن تعصف بالسلم الاجتماعي وتهدد مستقبل أوروبا ووحدتها.

فقد انتهت الجولة الثانية من الانتخابات، يوم الأحد 24 أبريل، بإعادة انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحصوله على 58.55% من الأصوات مقابل 41.45% لمنافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان.

وأقر ماكرون في خطابه أمام أنصاره بأن العديد من الفرنسيين صوتوا لصالحه فقط لمنع اليمين المتطرف من حكم البلاد وليس لدعم برنامجه، وأضاف: “يجب أن نتحلى بالخير والاحترام لأن بلادنا غارقة في الكثير من الشكوك والانقسامات”.

كما شدد على أن الولاية الثانية ستكون مختلفة عن الأولى من حيث التوجهات السياسات بمزيد من الانفتاح على التركيبة المختلفة للمجتمع الفرنسي، بل أراد تعزيز هذا التوجه رمزياً من خلال بعض اللقطات المصورة وهو متوجه إلى منصة خطاب النصر صحبة وفد من الشباب من مختلف الأصول.

كتلة اليمين المتطرف

وهناك شعور بأن القادم أصعب في ظل الاستقطاب القائم في المجتمع الذي يمكن تلخيصه في وجود 3 توجهات كبرى؛ أولها: تكتل أقصى اليمين ممثلاً في حزب “التجمع الوطني” بزعامة لوبان، وحزب “الاسترداد” بزعامة زمّور، المرشح الذي اختار لحملته شعار “المستحيل ليس فرنسيا”، وهي عبارة منسوبة إلى نابليون، والذي سمى حزبه “الاسترداد” نسبة لـحركة الاسترداد أو إعادة الاحتلال المسيحية لطرد المسلمين من الأندلس، يضاف إلى هاذين الحزبين شخصيات سياسية من داخل الحزب اليميني التقليدي التي جنحت في السنوات الأخيرة إلى اليمين المتطرف تماهياً مع موجة الشعبوية المتصاعدة.

وقد حصل تيار اليمين المتطرف على نسبة 41% وهي النسبة الأفضل لليمين المتطرف في فرنسا منذ سنة 1958م تاريخ إقامة الجمهورية الخامسة في هذا البلد التي دشنها الرئيس شارل ديجول. 

كتلة اليسار المنقسمة

أما الكتلة الثانية، فهي قطب اليسار الذي كان منقسماً في الانتخابات الأخيرة بين تيارات عديدة من بينها الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وأحزاب حماية البيئة القريبة من اليسار، إلا أن جان ليك ميلانشون، زعيم حزب “فرنسا الأبيّة” ممثلاً لأقصى اليسار استطاع أن يحدث مفاجأة في الجولة الأولى للانتخابات بحصوله على المرتبة الثالثة بنسبة عالية 22% وكسْب 7605225 صوتاً لفائدته منها نسبة لا بأس بها من المسلمين والأقليات عموماً التي وجدت في خطابه قدراً من العدل والاحترام، وكانت مداخلاته فيها دفاع واضح عن الأقلية المسلمة واستهجان حملة “الإسلاموفوبيا” التي تستهدف هذه الشريحة المهمة من المجتمع، وقد دعا بعد نجاح ماكرون إلى العمل من أجل كسب معركة الانتخابات النيابية المقبلة في يونيو المقبل.

أزمة شعبية الرئيس

وتعتبر الكتلة الثالثة هي الكتلة الملتفة حول الرئيس ماكرون وتمثل أساساً حزبه “الجمهورية إلى الأمام” وشخصيات من وسط اليمين.

الإشكال أن النتائج التي حصل عليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (58.55% من الأصوات) في الجولة الثانية والأخيرة للانتخابات الرئاسية والتي أهلته لولاية رئاسية ثانية لا تعكس حقيقة شعبيته.

وللتذكير، فإن الرئيس ماكرون لم يحصل في الجولة الأولى إلا على نسبة 27%؛ أي 9650545 صوتاً، تليه مارين لوبان بنسبة 23% التي حصلت على 8109857 صوتاً.

ولهذا يعلم الجميع وأولهم الرئيس نفسه بأن العديد من الفرنسيين -وقد أقر ماكرون في خطابه أمام أنصاره بذلك- صوتوا لصالحه فقط لمنع اليمين المتطرف من حكم البلاد وليس لدعم برنامجه.

وهذا النوع من التصويت لاعتراض صعود لوبان ومن ورائها اليمين المتطرف إلى سدة الحكم ليس معبراً عن شعبية الرئيس وليس كافياً للتعويل على مثل الدعم المصلحي لمواجهة العديد من التحديات السياسية التي تنتظر فرنسا خلال الفترة المقبلة.

محطة الانتخابات النيابية الحاسمة

وعلى ذكر المرحلة المقبلة، فإن الرأي العام يتطلع إلى نتائج الانتخابات النيابية (البرلمانية) في يونيو القادم التي ينتظر أن تحدث تغييراً عميقاً في المشهد السياسي الحالي، وقد عبّر كل من زعيمي أقصى اليمين وأقصى اليسار عن استعدادهما لخوض معركة انتخابية قوية للفوز بقيادة المعارضة في البرلمان، والتمكن بذلك من توجيه دفة الحكم في اتجاه مشروع المجتمع والدولة الذي يتبناه كل طرف، وهما مشروعان على طرفي نقيض بين يمين متطرف يحمل فكرة الإقصاء لكل ما هو مخالف للهوية المسيحية ومنافس للعنصر الأبيض ويسار ينادي بالعدالة والحريات وإدماج كل فئات المجتمع.

وأمام هذا الوضع لا يملك الرئيس ماكرون سوى أن يساير الوضع الجديد وينزل من برجه العاجي ليعالج أخطاء الأداء السياسي في الولاية السابقة، وعلى رأسها ارتفاع نسبة التضخم، وما نتج عنه من تداعيات اجتماعية عميقة، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن في الوقت الذي تتمتع فيه اللوبيات المؤثرة في الحكم بامتيازات جمة، إلى جانب موضوع تهميش الأقلية المسلمة واستهدافها في نمط عيشها وتفكيرها وفرض نمطية واحدة باسم العلمانية الرافضة لكل أشكال التعددية الثقافية، وتوظيف بعض الأعمال المنحرفة لأفراد مهمّشين لشن حملة شعواء على ما سماه “الانفصالية الإسلامية”، وإذا لم تتم مراجعة الأداء السياسي، فإن طوفان الشعبوية سيجرف الأخضر واليابس بعد أن يتمكن من التموقع في المؤسسة التشريعية.  

Exit mobile version