تبون ينتقد ضمنياً الملياردير ربراب ويعد بزيادة ثانية في الأجور … والنقابات المستقلة تصر على الإضراب

كشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن اعتزامه رفع الأجور للمرة الثانية قبل نهاية السنة الجارية في حال سمحت مداخيل البلاد بذلك. يأتي ذلك وسط جو محتقن بين نقابات القطاع العام ووزارة العمل التي حذرت من الدخول في إضرابات غير قانونية احتجاجاً على تدهور القدرة الشرائية.
قال الرئيس الجزائري في حوار له مع ممثلي الصحافة المحلية بثه التلفزيون العمومي، إن قانون الموازنة العامة لسنة 2023 سيتضمن زيادة في الأجور ومنحة البطالة. وربط تبون هذه الوعود بمداخيل البلاد سنة 2022، والتي يتوقع أن تشهد ارتفاعاً معتبراً بفعل صعود أسعار النفط هذه السنة، قد تصل إلى نحو 50 مليار دولار، وفق بعض التقديرات، إذا بقيت الأسعار بالوتيرة الحالية نفسها. كما شدد الرئيس الجزائري بالمقابل، على ضرورة التحكم في النفقات الاجتماعية التي تصل في الجزائر إلى 17 مليار دولار، معلناً عن إنشاء لجنة وطنية مختصة ستنصب مع نهاية أيار/مايو المقبل، وتضطلع بمراجعة الدعم وتضم ممثلين عن البرلمان بغرفتيه والنقابات والأحزاب السياسية وكل الطاقات الوطنية الحية للبلاد.
وبخصوص غلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، أكد تبون أن المشكل بالنسبة للجزائر هو “عدم كفاية الإنتاج، وهو ما نلجأ إلى تعويضه بالاستيراد، الأمر الذي أصبح اليوم صعباً نتيجة الندرة على المستوى العالمي”. وأبرز أن الحل “الوحيد والجذري” لمواجهة ارتفاع أسعار الحبوب وندرتها في السوق الدولية يبقى الرفع من الإنتاج. وأشار إلى أن الحكومة اتخذت عدة إجراءات لتشجيع الإنتاج الفلاحي، في مقدمتها رفع سعر شراء الحبوب والبقول من الفلاحين عوض شرائه من الخارج، وهو ما دفع الكثير منهم للعودة إلى إنتاج هذا النوع من المواد الفلاحية. وفي هذا الصدد، قال تبون: “أنادي منذ سنتين إلى إنتاج الزيت والسكر محلياً ورفع مردودية الحبوب إلى 40 قنطاراً في الهكتار، وهذا حتى قبل بدء الأزمة الأوكرانية”، مشدداً على ضرورة تطبيق هذه التعليمات “حماية للبلاد من تداعيات الأزمات الخارجية”.
وتوجه الرئيس الجزائري بكلامه ضمنياً إلى رجل الأعمال الملياردير يسعد ربراب، أحد أكبر مستوردي السكر في الجزائر، الذي وجهت له الحكومة مؤخراً ضربة موجعة بمنعه من إعادة تصدير السكر والزيت، وهو النشاط الذي احترفه منذ نحو 10 سنوات. وذكر تبون في هذا الصدد، دون أن يسمي ربراب، أنه من غير المعقول أن تكون حاجيات البلاد من السكر 600 ألف طن ونقوم باستيراد 1.2 مليون طن بالعملة الصعبة التي تدفعها الخزينة العمومية، مشدداً على أنه لا تراجع عن هذا القرار. وتابع يقول: “من أراد التصدير فليقم بالإنتاج محلياً، وسنقدم له تسهيلات تصل إلى 90 بالمائة من تكلفة المشروع ثم يصدّر كما يشاء”.
ويكون دافع تبون من وراء إعلان رفع ثان في الأجور وتركيزه على دعم الطبقات الهشة في المجتمع، حالة عدم الرضا التي سادت القطاع العام بعد الزيادات الأولى شهر مارس/آذار التي اعتبرتها النقابات زهيدة إذ تراوحت بين 2000 و4000 دينار فقط؛ أي أقل من 25 دولاراً، وهو ما لا يتناسب حسب ممثلي العمال مع تدهور القدرة الشرائية الكبير في ظل الغلاء الفاحش في أسعار المواد الاستهلاكية غير المدعمة، الأمر الذي دفع عدة نقابات في البلاد إلى إعلان إضراب شامل يومي 26 و27 نيسان/أبريل الجاري. وتوعدت بعض نقابات قطاع التربية بإعلان ما سمته “أسبوع الغضب” مع نهاية الشهر الجاري للاحتجاج على ظروف العمال.
ودفع هذا التهديد بالإضراب في توقيت حساس يتزامن مع الأعياد التي يكثر فيها الطلب على خدمات المصالح العامة، الحكومة إلى إصدار موقف يحذر من انتهاك القوانين المتعلقة بممارسة الحق النقابي. وذكرت وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي في بيان لها، أن “النقابة الجزائرية لقطاع الوظيفة العمومية” والمنظمة المسماة “كونفدرالية النقابات الجزائرية”، تنشطان في الجزائر بصفة غير قانونية، وأن دعوتهما إلى تنظيم حركة احتجاجية تعد انتهاكاً للأحكام القانونية السارية.
وحذرت وزارة العمل من أن المنظمات النقابية المعنية “تتحمل المسؤولية، إما بدعوة العمال والموظفين إلى إضراب تضامني وطني مخالف لأحكام القانون، أو بالقيام بأعمال احتجاجية تؤدي إلى اعتداء على حرية العمل وعلى استمرارية الخدمة العمومية، وهذه التصرفات يمكن أن تؤدي إلى اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها قانونياً”. ودعت جميع الموظفين والعمال وكذا ممثليهم إلى “توخي اليقظة والسهر على احترام تشريع العمل الساري المفعول”.
وفي ردها على النقابات الغاضبة وأحزاب المعارضة المنتقدة، تحاجج الحكومة بالإجراءات الأخيرة التي اتخذتها لحماية القدرة الشرائية، مثل إعادة تثمين الأجور ومراجعة جدول الضريبة على الدخل الإجمالي وإعادة تثمين الأجر الوطني الأدنى المضمون، بالإضافة إلى الزيادات في معاشات المتقاعدين وتأسيس منحة البطالة مع التغطية الاجتماعية لفائدة طالبي العمل لأول مرة، وغير ذلك.
وفي خضم ذلك، تبدو النقابات المستقلة رغم تحذيرات الحكومة مصرة على الإضراب، في وقت يفضل الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهو كبرى النقابات المعترف بها، التزام الصمت إزاء حالة الاحتقان الحالية في انتظار ما ستسفر عنه الاحتجاجات العمالية المتوقعة.

Exit mobile version