بعد تغيير تركيبة هيئة الانتخابات.. سعيّد ينقض على آخر معاقل الديمقراطية في تونس

 

أعربت حركة النهضة وعدد من رموز المؤسسات الدستورية التي طالتها “يد الوأد أو الإفراغ” عن رفضهم لتغيير تركيبة هيئة الانتخابات، وتحولها من “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات” إلى ما سماها التونسيون “هيئة الانتخابات الرئاسية”، وهو ما جعل رئيس حركة أمل وصاحب مبادرة “جبهة الخلاص الوطني” التي تحظى بزخم سياسي وشعبي كبير أحمد نجيب الشابي يصف قرار الرئيس قيس سعيد بأنه أصبح الخصم والحكم، بينما اعتبرها رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي حلقة من حلقات استكمال الانقلاب.

دولة المراسيم!

وقد بات من المؤكد على الجميع أن الإجراءات المؤقتة التي أعلن عنها سعيّد، في 25 يوليو 2021، أصبحت دائمة وبدون سقف زمني ولا ضوء في آخر النفق، ومن ذلك الأمر عدد (117) المتعلق بتدابير استثنائية، والمرسوم عدد (11) المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء وللحياة السياسية، والمرسوم الأخير عدد (22) المتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي الخاص بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهي إجراءات يهيمن عليها الإمعان بصورة لا مثيل لها في ترسيخ التبعية الهيكلية أو الشخصية للمؤسسات للرئيس، والاعتماد في تسمياتها على مبدأ التعيينات المباشرة دون أي حظ للانتخاب أو الاختيار المستقل أو الالتفات لما يسمى المعايير الدولية أو الممارسات الفضلى؛ وهو ما يلغي أي مظهر ديمقراطي (ولو كان شكلياً) لتدخل تلك الأوامر أو المراسيم في الحياة العامة ومصير المواطنين وحرياتهم.

الصدمة والذهول!

وقال القاضي الشهير أحمد الرحموني، تعليقاً على قرار ضرب استقلالية هيئة الانتخابات: ربما يصاب المختصون والسياسيون في كل مرة بالصدمة والذهول أمام بعض النصوص الصادرة عن رئيس بصفة مباغتة التي لها قوة القوانين العادية أو الأساسية، وتتفوق في بعض الأحيان على أحكام الدستور.

واعتبر الإجراءات الأخيرة الخاصة بهيئة الانتخابات ثالثة الأثافي؛ المرسوم المنقح للقانون الأساسي الخاص بهيئة الانتخابات لم يترك أي مجال للتصرف في شؤونها خارج سلطة الرئيس وإرادته ورغباته، حتى إن الأمر قد انتهى إلى تنظيم تلك الهيئة الدستورية الموصوفة بالمستقلة على شاكلة الدواوين الملحقة بالرئيس قيس سعيّد.

وتساءل: هل يمكن أن يرد على خواطرنا عند إعادة تنظيم هيئة عليا مستقلة الاعتماد مثلاً على مبدأ تعيينها وإعفاء أعضائها بالكامل من قبل الرئيس ومنع الهيئة (حتى وإن كانت معينة) من اختيار رئيسها أو نائب رئيسها بصفة جماعية، حيث اقتضى المرسوم الجديد أن رئيس الهيئة يعينه رئيس الجمهورية، وأن نائب الرئيس والناطق الرسمي باسم الهيئة يعينهما رئيسها فقط دون غيره، وذلك سداً لذريعة التشاور والانتخاب.

هيئة الانتخابات لم تعد مستقلة

من جهته، أكد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نبيل بافون، في تصريح لإذاعة “موزاييك” الخاصة، أمس الجمعة، أن “الهيئة لم تعد مستقلة”، وذلك تعليقاً على إصدار سعيد مرسوماً ينقّح القانون الأساسي للهيئة، وأفصح قائلاً: أصبح واضحاً أنها هيئة الرئيس.

وحسب مرسوم سعيد الصادر أمس الجمعة، “يعيّن رئيس الجمهورية الأعضاء السبعة للهيئة، حيث يختار رئيس الجمهورية 3 أعضاء بشكل مباشر، ويضاف إليهم 4 أعضاء يختارهم رئيس الجمهورية بعد أن تقدم الترشيحات من قبل “الهياكل المعنية”، وهي 3 مجالس قضائية والمركز الوطني للإعلامية يرشح كل واحد منها 3 مرشحين يختار من بينهم رئيس الجمهورية بقية الأعضاء”، كما نصّ المرسوم على أنّ رئيس الجمهورية هو من يختار رئيس الهيئة.

انتخابات بدون مصداقية

 بدوره، شدّد رئيس البرلمان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي على أن سيطرة الرئيس سعيد على الهيئة المستقلة للانتخابات تعني أن الانتخابات المقبلة ستفقد كل مصداقيتها.

وقال الغنوشي، في تصريح إعلامي: إن قرار سعيد باستبدال أعضاء الهيئة يمثل محاولة أخرى لوأد الثورة.

وكانت حركة النهضة قد أعربت عن رفضها للمرسوم الذي أصدره الرئيس سعيد، أمس الجمعة، وألغى بمقتضاه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الشرعية، معلناً عن تركيبة لهيئة جديدة يعيّن رئيسها وأعضاؤها بالتنصيب لا بالانتخاب في خطوة جديدة في اتجاه استكمال أركان الانقلاب.

وأوضحت النهضة، في بيان لها، مساء أمس الجمعة، أن هذا المرسوم الذي يعبّر عن الاستخفاف بالشعب التونسي وثورته والإمعان في تفكيك الدولة والاستحواذ على كل السلطات وتخريب المكاسب الديمقراطية.

وأكدت النهضة أنّ الرئيس الذي وضع بلادنا على سكّة الانهيار الاقتصادي والمالي يواصل الدّوس على الدستور الذي يمنع الفصل (70) منه أي تغيير للموادّ الانتخابية بالمراسيم.

كما شددت النهضة على أن الإجراءات الاستثنائية أنهاها القانون رقم (1) الذي صدر عن جلسة مجلس نواب الشعب يوم 30 مارس 2022، وتدعو القوى الوطنية للتصدّي لمشروعه الاستبدادي واتخاذ الخطوات الضرورية لإنقاذ البلاد واستئناف المسار الدستوري الديمقراطي.

نظام البيعة!

وفي تعليقه على ما وصفه البعض آخر معاقل الديمقراطية، وشبهه آخرون بسقوط غرناطة، قال القيادي في حزب حركة النهضة نور الدين البحيري: إن من أهم مكاسب الثورة المباركة القطع مع أساليب التزييف والتدليس لنتائج الانتخابات من خلال تكليف هيئة مستقلة بالإشراف عليها في إطار المساواة والشفافية والمصداقية التي شهد بها الجميع في الداخل والخارج حتى قرر الحاكم المطلق لتونس الانقلاب على الهيئة التي لولا استقلاليتها ما كان رئيساً، والسطو عليها واحتكار تعيين أعضائها ورئيسها مما يبشر بعودة نسب 99.99% في نتائج أي انتخابات قادمة التي ستتحول في ظل حكم الذي لا ينطق عن الهوى وجماعات المفسرين والحشد إلى عملية صورية الغاية منها مبايعة سلطان البلاد وخليفة الأمة السابع ومرشحيه لكل المواقع ومدى الحياة.

وأضاف البحيري بسخرية أنه بمناسبة هذه القرارات التاريخية التي أراحت البلاد والعباد من تعب ومصاريف مراجعة وتعليق قائمات الناخبين وفرز الترشحات واحتساب الأصوات والطعون والمحاكم، وهو ما يفرض على التونسيين عدم تفويت فرصة العشر الأواخر من رمضان المعظم وفتح المساجد للتهجد الاجتهاد في شكر سيدنا والدعاء له على ما أنعم به على رئيس هيئته من امتيازات كبار الوزراء، وهي لفتة كريمة تتجاوز الهيئة لتشمل كل أبناء تونس؛ إذ من شأنها أن تخفف عن الرعية ألم البطالة ونيران الأسعار وعذاب الفقر والجوع والمرض وقهر استشراء الفساد وسيادة العبث!

Exit mobile version