هل بدأت نهاية الهيمنة الأمريكية؟

قبل الحرب الأوكرانية كانت مثل هذه الأفعال حكراً على الغرب وحده؛ وإن تمت بصورة مختلفة، لا تشمل الضم أو الاستعمار بصورته التاريخية التي انتهت في الستينات، بل ضمان المصالح الغربية بالقوة، وخلق حكومات حليفة في الدول المهمة للمصالح الغربية، ودعم أطراف داخلية في بعض البلدان التي تحكمها جماعات لا ترعى مصالح الغرب. 

ورغم التحذيرات الغربية الكثيرة لروسيا قبل الهجوم، وللصين استباقاً لاحتمال ضمها لتايوان، إلا أن روسيا دخلت أوكرانيا، والصين ما زالت لا تعترف بكون تايوان بلداً مستقلاً عنها، وتسعى لإعادتها إليها في يوم من الأيام، دون أن تقدم على ذلك بعد. 

لكن الهجوم الروسي على أوكرانيا يعطي السابقة التاريخية، والتي قد تسمح بتكرارها لاحقا في الصين، وربما في غيرها من الدول، رغم أن أوكرانيا وتايوان تقعان ضمن النفوذ والحماية الغربيين، بل إن التخوفات حالياً متجهة لإمكانية أن يحاول بوتين مستقبلاً اجتياح دول ضمن حلف شمال الأطلسي، خصوصاً إذا لم ينجح الغرب في منعه من تحقيق أهدافه في أوكرانيا. 

سواء نجحت العملية العسكرية الروسية أم لا؛ فإن الحلف الذي بدأ يتشكل بين روسيا والصين، والذي يبدو أنه يستمر بالتطور مع استمرار الحرب في أوكرانيا؛ قد يشكل المنافس الأضخم للهيمنة الغربية في التاريخ، وربما تستطيع الصين وحدها تقديم منافسة أكبر مما فعل الاتحاد السوفييتي سابقاً، خصوصا مع كونها قوة اقتصادية ضخمة تنافس الغرب بالفعل؛ ولا تكتفي بالنفوذ السياسي والقوة العسكرية البحتة. 

وأخطر ما هنالك على السلام الأمريكي هو أن الحرب هذه المرة على أطراف أوروبا، وليست مشابهة لحروب البلقان التي خاضتها دول صغيرة نسبية، بل أحد أطرافها ثاني أقوى جيش في العالم، ودولة نووية تستطيع تدمير الكوكب بأكمله إذا ما استخدمت ترسانتها النووية. 

وربما يقع اللوم في حصول كل ذلك ولو جزئياً على أمريكا نفسها، التي لم تتوقف عن توسيع نفوذها، ونشر قواعدها العسكرية حول العالم، والتي يبلغ عددها 800 قاعدة عسكرية في 70 بلداً حول العالم، والتي تحوط روسيا من جميع الجهات فعلياً، مع توسيع حلف شمال الأطلسي ليشمل دولاً ضمن الاتحاد السوفييتي السابق، وفي مجال النفوذ الروسي ومحيطها الاستراتيجي والأمني. 

رغم أن الغرب يروج لرواية تعثر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والصمود الكبير للأوكرانيين في وجهه، إلا أن ذلك لا يعني أن روسيا لن تستطيع تحقيق الكثير من الأهداف على الأرض الأوكرانية ولو بثمن مرتفع، وعلى الأغلب لن يتمكن الحلف من دخول الحرب لقلب موازينها؛ لأن ذلك قد يعني مواجهة نووية شاملة. 

لذلك فأقصى ما يمكن للغرب فعله هو استنزاف روسيا في أوكرانيا، وتركها تحظى بالمكاسب على الأرض؛ مقابل الأثمان المادية والبشرية، والتي قد تؤدي نهاية إلى إنهاك روسيا وإضعافها، وخروجها من مغامراتها في وضع أسوأ من وضع الدخول لهذه المغامرات، لكن في المقابل؛ وحتى مع الخسائر الكبيرة التي يقول الغرب إن روسيا قد تكبدتها؛ فالدولة الروسية أقدر على تحمل الخسائر من الغرب، وقد تستطيع توفير البيئة اللازمة لتعويض جزء كبير من هذه الخسائر، خصوصاً إذا استمر الدعم الشعبي الكبير لبوتين، وقبول الكثيرين في روسيا للثمن الذي يجب دفعه ثمناً لها. 

Exit mobile version