17 رمضان.. يوم انتفضت “مالابورام” الهندية لحماية اللغة العربية

 

“فإن لرياح مالابورام رائحة الدم والنار”، هكذا صرخ سي إتش محمد كويا في المجلس التشريعي لولاية كيرالا الهندية الذي أقيم بعد الحادثة المأساوية التي أودت بحياة ثلاثة شبان من أعضاء رابطة المسلمين شاركوا في الاحتجاج ضد قرار الحكومة الشيوعية بخصوص شطب اللغة العربية والأردية والسنسكرتية من المنهج الدراسي، فكانت صرخة تلخص ما حدث في قلب مالابورام التي شهدت ثورة عارمة ضد المؤامرة الشيوعية التي طالما حاولت وحلمت لإقصاء وجود المسلمين من كافة أصعدة الحكومة، فجاءت بقرارها المجرم وشعاراتها الثلاثة: “إسكان، إعلان، تأهيل”؛ تعني أن تكون هناك مدرسة تضم الكمية التي تقررها الحكومة، وأن يعلن أولياء الطلبة برغبتهم في دراسة هذه اللغات، وأن يكون المعلمون قادرين خبيرين لتدريس هذه اللغات، وذلك لشطب اللغة العربية والأردية والسنسكرتية من المنهج الدراسي بحجة أنها تنتمي إلى فئة معينة، وأن دارسيها شرذمة قليلون، فإنه وإن كانت اللغة السنسكرتية قليل من ينطقها ويجيدها لم تك اللغة العربية والأردية كذلك، بل كان لهما الحضور القوي والدور الجميل في تعزيز وترسيخ كيان المسلمين وإنقاذهم من قاع الأمية والبطالة، بل كانت فترة السبعينيات والثمانينيات موسم الهجرة إلى الخليج بحثاً عن العمل والحياة، وكان أهالي مليبار ممن سبقوا وتدفقوا إلى دول الخليج لتكون اللغة العربية أداة للعمل وآلة الأمل أكثر من أن تكون دينية بحتة، ولكن المؤامرة كانت واضحة، ولم تك نية الحكومة صالحة إذ تأمر بتطوير الفصول والصفوف حتى تدرس اللغة العربية والأردية والسنسكرتية، لأن وقتها كانت تدرس اللغة الهندية بدون أي قيود عليها، فكانت عوامل العنف واضحة في تصريحات وتعاملات رجال الشيوعية، فما دفعتهم إلى هذا القرار الظالم سوى الكراهية التي تقودهم تجاه الأقلية المسلمة، والحقد الذي يكن في صدورهم من الفوائد التي تعود على المسلمين في مستقبلهم، بل كانوا يريدون تغيير المناهج الدراسية بطابع شيوعي ليسيطر على الطلبة ويجلبهم إلى خيمة الشيوعية.

وفي 30 يوليو 1980م، اندفع الآلاف إلى “كونامال” قلب مالابورام، ليتظاهروا أمام مقر مدير المدينة، فكان في رمضان، فكانت عزيمة المتظاهرين عالية، لم يمنعهم الحر ولا الجوع، ولم يتعبهم ولم يثقلهم الصوم، بل رأوا في هذه المظاهرة لمسة إيمانية وتأملوا في وقفتهم تجليات روحانية، وآمنوا أن المساس باللغة العربية مساس بعزتهم وكرامتهم، فلم يستسلموا لغطرسة القوات المسلحة التي ظلت تنتظر أوامر قوادهم لتصب وابل النيران على المتظاهرين الصائمين السلميين باسم فض الاعتصام، وقبيل الظهيرة تغير المشهد، واحتدم الشجار بين رجال الأمن والمتظاهرين ما بين تراشق بالحجار وعراك بدني عنيف ليطلق الأمن رصاصات غادرة على الصائمين وتسقط المئات منهم بجروح بالغة، ويرتقي منهم ثلاثة شهداء في سبيل حماية لغة الضاد، وهم مجيد، ورحمان، وكنجيبا، ثلاثة شبان جاؤوا للمشاركة في الاعتصام من أقاليم مختلفة، صائمين سلميين مرابطين على ثغور لغة المجد والضاد.

فلم ينشب الشجار عفوياً، بل نتيجة ما حاول قائد الشرطة لإدخال سيارته إلى مقر مدير المدينة عنوة رغم الاحتجاجات العارمة التي شهدها من طرف المتظاهرين، فكأن الشرطة تعمدوا هذه المحاولة لإشعال نار الفتنة، لكن لم تنجح محاولات الشرطة ولا الحكومة لإطفاء نار الثورة ولإخماد الغضبة المتأججة في صدور المتظاهرين بل في قلوب المسلمين جميعاً، فرأوا في هذه العملية الدموية الشنيعة خيوط المؤامرة وآثار الحقد الدفين التي تسكن أرواح الشيوعيين، فاشتعلت مليبار غضباً وثورة، واشتعل معها شعب كيرالا عن بكرة أبيها، ودك سي إتش محمد كويا المجلس التشريعي بصرخاته التي أقضت مضاجع الأعداء وبخرت أحلام الشيوعية، وقال قولته المشهورة: “فإن لرياح مالابورام رائحة الدم البارد”، فلسي إتش محمد كويا الفضل الكبير في إحياء اللغة العربية وتوفير المساحة الكافية لها في المناهج الدراسية الحكومية، فبحضوره تحولت هذه الانتفاضة التي كانت منحصرة في بداية أمرها منحصرة في دائرة معلمي اللغة العربية بالمدارس الحكومية إلى انتفاضة شعبية هائلة أطاحت وقلبت الطاولة على سياسة الشيوعيين.

فكان رجلاً يحمل هم الأمة، فلم يرض الهوان ولم ينبطح للذل ولم يستسلم للمؤامرات، بل وقف وقفة مهيبة في وجه السلطات الشيوعية يتحداهم ويفند مزاعمهم ويشنع جرائمهم حتى خضعت الحكومة للضغطات الجمهورية، فلم تتمكن من فرض قانونها الجديد لتظل اللغة العربية تنتشر في ربوع كيرالا، ولتشهد الولاية لنشأة مؤسسات ومعاهد تهتم بالعلوم العربية، وإلى الآن توجد في كيرالا جامعات إسلامية وعربية أهلية مثل جامعة دار الهدى الإسلامية والجامعة النورية وتنسيق الكليات الإسلامية التي تنافس الجامعات العالمية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وقد خرجت هذه المؤسسات كلها آلافاً من الباحثين والعلماء الذين يهتمون باللغة العربية، زاحموا العلماء العرب، أصدروا مجلات عربية مثل مجلة “النهضة” التي تصدر من كلية سبيل الهداية الإسلامية بمالابورام، ومجلة “النور” التي تصدر من الجامعة النورية، وأنشؤوا مواقع عربية وصالونات عربية وأقاموا أمسيات شعرية لتكون البيئة المليبارية مفعمة بعبق الضاد، بل غادر الكثير من الباحثين إلى دول عربية لمواصلة دراساتهم العليا في علوم اللغة العربية، فلولا هذه الانتفاضة الشعبية التي كسرت أنف الحكومة الشيوعية وأجبرتها للانسحاب من قرارها الغاشم لبقيت اللغة العربية تختنق وتكاد لا تزدهر، لكن:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة         فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلي                 ولا بد للقيد أن ينكسر

 

 

 

 

 

___________________ 

(*) محرر مجلة “النهضة”.

المقال عن الواقعة التاريخية التي حدثت عام 1980م في مالابورام في ولاية كيرالا الهندية حيث انتفض هناك الآلاف لحماية اللغة العربية واحتجاجاً على قرار السلطات الشيوعية، فكانت هذه الانتفاضة المحرك الأول لانتشار اللغة العربية في مليبار ولحصولها على الحقوق التي تتمتع بها باقي اللغات، وحدثت هذه الواقعة في 17 رمضان يوم انتصار غزوة بدر الكبرى، إلا أن الانتفاضة للأسف لم تتصدر العناوين العالمية ولا العربية وقتها، فيجدر بنا تسليط الضوء على هذه الانتفاضة الشعبية التي حدثت في يوم انتصار غزوة بدر الكبرى.

Exit mobile version