أحكام الصيام.. سؤال وجواب (16)

 

زوال عذر الإفطار أثناء النهار

إذا أفطر الإنسان لعذر وزال العذر في أثناء النهار فهل يمسك بقية يومه؟

– لا يلزمه الإمساك، وذلك أن هذا الرجل استباح هذا اليوم بدليل من الشرع، فالشرع يبيح للمضطر إلى تناول الدواء مثلاً أن يتناوله، لكن إذا تناوله أفطر، إذاً حرمة اليوم غير ثابتة في حقه لأنه أبيح له أن يفطر لكن عليه القضاء، وإلزامنا إياه أن يمسك بدون فائدة له شرعاً لا يستقيم، فما دام هذا الرجل لا ينتفع بالإمساك فلا نلزمه به.

مثل ذلك: رجل رأى غريقاً في الماء، وقال: إن شربت أمكنني إنقاذه وإن لم أشرب لم أتمكن من إنقاذه، فيشرب وينقذه، ويأكل ويشرب بقية يومه، لأن هذا الرجل لم يكن هذا اليوم محترماً في حقه حيث استباحه بمقتضى الشرع، فلا يلزمه الإمساك، ولهذا لو كان هناك شخص مريض هل نقول لهذا المريض: لا تأكل إلا إذا جعت ولا تشرب إلا إذا عطشت؟ بمعنى لا تأكل ولا تشرب إلا بقدر الضرورة، لا نقول له هذا، لأن المريض قد أبيح له الفطر، فكل من أفطر في رمضان بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يلزمه الإمساك والعكس بالعكس فمن أفطر لغير عذر لزمه الإمساك؛ لأنه لا يحل له أن يفطر، وقد انتهك حرمة اليوم بدون إذن من الشرع، فنلزمه بالبقاء على الإمساك والقضاء. والله أعلم  

صيام المسافر في ظل عدم المشقة

ما حكم صوم المسافر مع أن الصوم لا يشق على الصائم في الوقت الحاضر لتوفر وسائل المواصلات الحديثة؟

– المسافر له أن يصوم وله أن يفطر لقوله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر) (البقرة: 185)، وكان الصحابة رضي الله عنهم يسافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم الصائم، ومنهم المفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حر شديد، وما منا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة”(1).

والقاعدة في المسافر أنه يخير بين الصيام والإفطار، ولكن إن كان الصوم لا يشق عليه فهو أفضل؛ لأن فيه ثلاث فوائد:

الأولى: الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثانية: السهولة، سهولة الصوم على الإنسان؛ لأن الإنسان إذا صام مع الناس كان أسهل عليه.

والفائدة الثالثة: سرعة إبراء ذمته.

فإن كان يشق عليه فإنه لا يصوم، وليس من البر الصيام في السفر في مثل هذه الحال، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً قد ظلل عليه وحوله زحام فقال: “ما هذا؟”، قالوا: صائم، فقال: “ليس من البر الصيام في السفر”(2)، فينزل هذا العموم على من كان في مثل حال هذا الرجل يشق عليه الصوم، وعلى هذا نقول: السفر في الوقت الحاضر سهل -كما قال السائل- لا يشق الصوم فيه غالباً، فإذا كان لا يشق الصوم فيه فإن الأفضل أن يصوم.

صيام المرضِع

هل يجوز للمرضع أن تفطر؟ ومتى تقضي؟ وهل تطعم؟

– المرضع إذا كانت تخاف على ولدها من الصيام بحيث ينقص اللبن حتى يتضرر الطفل فإن لها أن تفطر، ولكنها تقضي فيما بعد لأنها تشبه المريض الذي قال الله تعالى فيه: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185)، فمتى زال المحذور تقضي إما في وقت الشتاء لقصر النهار وبرودة الجو، أو إذا لم يكن في الشتاء ففي العام القادم، أما الإطعام فلا يجوز إلا في حال كون المانع أو العذر مستمراً لا يرجى زواله فهذا هو الذي يكون فيه الإطعام بدلاً عن الصيام.

من أكل أو شرب ناسياً

ما الحكم إذا أكل الصائم ناسياً؟ وما الواجب على من رآه؟

– من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم فإن صيامه صحيح، لكن إذا تذكر فيجب عليه أن يقلع، حتى إذا كانت اللقمة أو الشربة في فمه فإنه يجب عليه أن يلفظها، ودليل تمام صومه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: “من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه”(3)، ولأن النسيان لا يؤاخذ به المرء في فعل محظور لقوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: 286)

أما من رآه فإنه يجب عليه أن يذكره؛ لأن هذا من تغيير المنكر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه”(4)، ولا ريب أن أكل الصائم وشربه حال صيامه من المنكر ولكنه يعفي عنه حال النسيان لعدم المؤاخذة، أما من رآه فإنه لا عذر له في ترك الإنكار عليه(5).

 

 

 

 

 

_______________________________

(1) أخرجه البخاري (1945)، ومسلم (1122).

(2) أخرجه البخاري (1946)، ومسلم (1115).

(3) أخرجه البخاري: كتاب الصوم – باب إذا أكل أو شرب ناسياً (1933) ومسلم: كتاب الصيام – باب أكل الناسي وشربه وعلمه لا يفطر (1155).

(4) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان – باب كون النهي عن المنكر من الإيمان (49).

(5) بتصرف من كتاب “فتاوى أركان الإسلام” – سماحة الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين – ت 1421هـ – جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان – الطبعة الأولى 1424هـ.

Exit mobile version