بترقب وحذر.. القدس الشرقية تبحث عن فرحة رمضانية

تزدان حواري البلدة القديمة في مدينة القدس الشرقية المحتلة بأضواء، لكن البهجة التقليدية بحلول شهر رمضان المبارك تكاد تكون مفقودة.

يمكن رؤية الأضواء متعددة الألوان في الأزقة الضيقة المؤدية إلى المسجد الأقصى في القدس القديمة، ولكن زهوها لا يبدد مشاعر القلق والترقب والحذر التي تنتاب السكان الفلسطينيين.

فالوجود المكثف لقوات شرطة الاحتلال والغياب الملحوظ لسكان الضفة الغربية المحتلة وقلة أعداد الوافدين من المدن والبلدات العربية في “إسرائيل” باتت سمة رمضان هذا العام.

وبدأ الشهر بتوتر بين الفلسطينيين وشرطة الاحتلال في ساحة باب العامود، أحد البوابات الرئيسة المؤدية إلى البلدة القديمة، ما ألقى بظلال ملحوظة على المدينة التي عادة ما تزهو بشهر رمضان.

وأفادت الشرطة، في بيانات متعددة منذ بداية الشهر، باعتقال عشرات الفلسطينيين في باب العامود وإصدار أوامر إبعاد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة بحق ما لا يقل عن 17 فلسطينيا.

** هلال وفانوس

وعادة ما تكون القدس الشرقية في رمضان ليست كما في غيره، ما يدفع الفلسطينيين إلى تزيين شوارع المدينة القديمة والأحياء المجاورة.

فيما يأمل تجار البلدة القديمة موسما تجاريا نشطا، اعتمادا على تدفق سكان الضفة الغربية والمدن والبلدات العربية في إسرائيل إلى المدينة.

وقال إبراهيم زغول، من شباب باب السلسلة في البلدة القديمة: “نجتمع منذ ما قبل شهر رمضان تحضيرا لتزيين الحي بالأضواء، بما فيها الهلال والفوانيس لاستقبال الشهر الفضيل”.

وأضاف: “نجتمع مع شباب الحارة كمتطوعين ونجتهد على أن تكون حارتنا مميزة وجميلة بما يؤدي إلى إسعاد الناس الذين يمرون من حارتنا بالمشهد الجميل”.

وتابع زغول: “يهمنا أن من يأتي إلى المسجد الأقصى يكون سعيدا، يهمنا أن يشعر من يأتي من خارج البلدة القديمة بالأمان حيثما تواجدت الزينة التي تكون بمثابة مؤشر حي على الطرق المؤدية إلى المسجد الأقصى”.

ويؤدي طريق باب السلسلة إلى باب السلسلة في الجدار الغربي للمسجد الأقصى.

وقال زغول: “هذا أحد الأبواب الرئيسية للمسجد الأقصى، وأي شخص قادم من الضفة الغربية أو من الشمال (البلدات والمدن العربية في إسرائيل) يمر من هذه الحارة للوصول إلى المسجد الأقصى”.

وأردف: “الزينة هي بمثابة فرحة تعم أهالي البلدة القديمة، ويشرفنا أن من يمر من حارتنا يشعر بالسعادة”.

هذا المشهد يتكرر في الحارات الأخرى بالبلدة القديمة، ومنها باب حطه وطريق الواد وحارة السعدية وسوق خان الزيت وباب العامود.

** سياحة دينية

وعادة ما يصل مئات آلاف المصلين من الضفة الغربية والمدن والبلدات العربية في “إسرائيل”، وحتى مسلمين من أنحاء مختلفة في العالم، لأداء الصلوات بالمسجد الأقصى وخاصة التراويح وصلوات الجُمع.

وقال رجل الأعمال أسامه صلاح، مالك فندق “الوطني” بالقدس، للأناضول، إن فندقه شهد للمرة الأولى منذ عامين، إثر جائحة كورونا، حجوزات لمسلمين من دول بينها تركيا وبريطانيا وجنوب إفريقيا.

وأضاف: “عاد النشاط السياحي الديني نوعا ما إلى القدس بعد عامين إثر توقف فرضه انتشار جائحة كورونا”.

وتابع صلاح: “وجود هؤلاء الحجاج هو إحياء للقدس الشرقية على أكثر من صعيد، فالمدينة ترنو دائما إلى استضافة المسلمين من كل أنحاء العالم، سواء في رمضان أو غيره من الأشهر”.

** مخاوف وقيود

لكن المواجهات العنيفة التي شهدتها القدس في 2021 ما زالت تلقي بظلال ثقيلة على المدينة وتثير مخاوفا من تكرار تلك المشاهد هذا العام.

كما زاد من صعوبة المشهد التطورات الأمنية الناتجة على سلسلة عمليات وقعت في “إسرائيل” والأنشطة العسكرية الإسرائيلية بالضفة الغربية، ضمن عملية يسميها جيش الاحتلال”كاسر الأمواج”.

فالبيانات اليومية لجيش الاحتلال، منذ أسبوع، تتحدث عن اعتقال العشرات من الفلسطينيين في اقتحامات خلال ساعات ما بعد منتصف الليل للعديد من مدن وبلدات الضفة الغربية المحتلة.

وانعكست هذه المخاوف على أعداد المصلين في صلوات التراويح فهي أقل من السنوات الماضية، وفقا لمعطيات دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس.

وأعلنت سلطات الاحتلال السماح للرجال من سكان الضفة الغربية الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاما والنساء من كافة الأعمار والأطفال دون 12 عاما بدخول القدس من دون حيازة تصريح.

لكنها اشترطت على سكان الضفة الغربية الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و50 عاما الحصول على تصاريح من جيش الاحتلال، مع منع الذكور بين 12 و40 عاما من الدخول إلى القدس مطلقا.

أما جميع سكان قطاع غزة فمنعتهم من الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء الصلاة.

وزاد من صعوبة المشهد دعوات من جماعات استيطانية صهيونية لاقتحام المسجد الأقصى، خلال فترة “عيد الفصح” اليهودي الذي يبدأ مساء الجمعة 15 أبريل/ نيسان الجاري ويستمر أسبوعا.

لكن شرطة الاحتلال قالت، في بيان، إنه “في الأيام الأخيرة، تم تداول منشورات كاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشأن الحرم القدسي والأماكن المقدسة”.

وتابعت: بالإضافة إلى منشورات تشجع المتطرفين على محاولة للوصول إلى الحرم القدسي والتصرف بشكل غير قانوني.

وأضافت: “نوضح أنه كما هو الحال في كل عام خلال هذه الفترة: تهدف هذه المنشورات إلى إثارة الفتنة والتحريض وتضليل الجمهور عمدا”.

وشددت على أن الشرطة تعمل على “المستوى العلني والسري ضد أي شخص يحاول خرق النظام العام أو القانون أو التعليمات المتبعة والقائمة في الحرم القدسي وسائر الأماكن المقدسة الأخرى بالمدينة”.

وأردفت: “النظم المتبعة في الحرم القدسي وفي الأماكن المقدسة الأخرى بالقدس كانت وستبقى محفوظة في جميع الأوقات، ولن نسمح للمتطرفين والمجرمين من أي نوع بانتهاكها”.

وتتوجه الأنظار إلى الأسبوع الثالث من شهر رمضان هذا العام لتزامنه مع “عيد الفصح” اليهودي.

وخلال الأسابيع الأخيرة، بُذلت جهود دولية حثيثة لتفادي أي صدام خلال هذه الفترة.

ويبلغ عدد سكان القدس الشرقية الفلسطينيين نحو 390 ألفا.

وبعد أن كانت فترات ما بعد صلاة التراويح متنفس لهم للخروج إلى حارات القدس ومحيط سورها القديم حتى موعد صلاة الفجر، فإن الحذر بات سيد الموقف هذا العام.

 

Exit mobile version