أحكام الصيام.. سؤال وجواب (14)

طهرت قبل الفجر في رمضان واغتسلت بعد المغرب

في رمضان الماضي كنت حائضاً، وفي آخر يوم من الدورة تسحرت ونويت الصيام، ولم ينزل دم طوال النهار، وأتممت صيامي حتى المغرب، ولكني لم أغتسل إلا عند أذان المغرب. فما حكم ذلك، وهل يصح صيامي في ذلك اليوم؟  

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإذا كان الطهر من الحيض قد حصل قبل طلوع الفجر فصيامك صحيح لليوم المذكور، ولا يبطله عدم الاغتسال بعد الطهر من الحيض، وكان من الواجب عليك الاغتسال حين تحققت من علامة الطهر؛ لكي تؤدي الصلوات التي طهرت في وقتها، فيجب عليك قضاء المغرب والعشاء إذا طهرت قبل الفجر بوقت يسع الغسل وأداء تلك الصلاتين، هذا إضافة إلى قضاء صلوات ذلك اليوم وهي: الفجر والظهر والعصر، كما يجب عليك التوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب، وهو تعمد تأخير هذه الصلوات، أما إذا كان الطهر من الحيض لم يحصل إلا بعد طلوع الفجر فصيام ذلك اليوم غير صحيح وعليك قضاؤه. والله أعلم.([1])

موعد الإمساك عن الطعام

تُوزَّع أحيانًا إمساكيات في شهر رمضان ويُحدد فيها موعد للإمساك يختلف عن موعد أذان الفجر فما حكم ذلك؟ وهل من أكل بعد هذا الموعد الذي تم تحديده وقبل الأذان يكون صومه باطلًا؟

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فالسحور سنة نبينا – صلى الله عليه وسلم- وفيه تقوية للصائم على الصوم، وبالحرص على السحور ندرك الدقائق الغالية حيث قرب الزمان والمكان من الله تعالى، ويبدأ السحور من منتصف الليل، وينتهي بتيقن طلوع الفجر، ومن ثم فتحديد وقت للإمساك قبل الفجر بدقائق هذا لا أساس له من الصحة، ومما سنَّه النبي صلى الله عليه وسلم للصائم أن يتسحر، وأن يؤخر السحور. والسحور: ما يؤكل في السحر، أي بعد منتصف الليل إلى الفجر، وأراد بذلك أن يكون قوة للصائم على احتمال الصيام، وجوعه وظمئه، وخصوصًا عندما يطول النهار؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: “تسحروا فإن في السحور بركة” ([2])، وفيه تمييز كذلك لصيام المسلمين عن غيرهم، وفي الصحيح: “فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب؛ أكلة السحر”.([3])

والأصل في السحور أن يكون طعامًا يؤكل، ولو شيئًا من التمر، وإلا فأدنى ما يكفي شربة من ماء.

روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: “السحور كله بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين”. ([4])

ومن بركة السحور: أنه – بجوار ما يهيئه للمسلم من وجبة مادية – يهييء له وجبة روحية، بما يكسبه المسلم من ذكر واستغفار ودعاء، في هذا الوقت المبارك، وقت السحر الذي تنزل فيه الرحمات، عسى أن يكون من المستغفرين بالأسحار. ومن السنة تأخير السحور، تقليلًا لمدة الجوع والحرمان، قال زيد بن ثابت: تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، فسأله أنس: كم بينهما؟ قال: قدر خمسين آية([5])، وقوله تعالى: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة:187، تفيد جواز الأكل إلى أن يتبين الفجر، ومن شك هل طلع الفجر أم لا؛ جاز له أن يأكل ويشرب حتى يستيقن، وهكذا قال حبر الأمة ابن عباس: “كل ما شككت حتى تستيقن” ونقله أبو داود عن الإمام أحمد: أنه يأكل حتى يستيقن طلوعه.

بل روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن حذيفة قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النهار، إلا أن الشمس لم تطلع (ذكره ابن كثير في تفسيره -222/1)، وحمله النسائي على أن المراد قرب النهار، وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: “إذا سمع أحدكم النداء، والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه” ([6])، وعن عائشة رضي الله عنها: أن بلالًا كان يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم: فإنه لا يؤذن، حتى يطلع الفجر”.([7])

قال ابن كثير: “وقد روي عن طائفة كثيرة من السلف: أنهم تسامحوا في السحور عند مقاربة الفجر، روي مثل هذا عن أبي بكر، وعمر، وعلى، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين، وعن طائفة كثيرة من التابعين، منهم محمد بن علي بن الحسين، وأبو مجلز، وإبراهيم النخعي، وأبو الضحى، وأبو وائل وغيره من أصحاب ابن مسعود، وعطاء والحسن، والحكم بن عيينة، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وإليه ذهب الأعمش، وجابر بن راشد” ([8])

ومن هنا نعلم أن الأمر في وقت الفجر، ليس بالدقيقة والثانية، كما عليه الناس اليوم، ففي الأمر سعة ومرونة وسماحة، كما كان عليه الكثير من السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وما تَعَوَّدَه كثير من المسلمين من الإمساك مدة قبل الفجر من قبيل الاحتياط مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكتابة ذلك في الصحف والتقاويم والإمساكيات مما ينبغي أن يُنكر.

قال الحافظ ابن حجر: “من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرَّهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت -زعموا- فأخَّروا الفطور وعجَّلوا السحور، وخالفوا السنة؛ فلذلك قل عنهم الخير، وكثر الشر، والله المستعان”! ([9]) والله أعلم. ([10])

 

[1] – بتصرف من موقع “طريق الإسلام”

[2] – (متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان-665)

[3] – (مسلم -1096، وأبو داود (2343)، والنسائي (2168)، والترمذي (907، عن عمرو بن العاص).

[4] – (قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه أحمد، وإسناده قوي. وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (3683).   

[5] – (متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -666).

[6] – (رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي 426/1)

[7] – رواه البخاري في باب الصوم.

[8] – (تفسير ابن كثير -222/1 ط. عيسى الحلبي)

[9] – (فتح الباري -102/5 ط. الحلبي).

[10] – أجاب على السؤال الدكتور يوسف القرضاوي – بتصرف من موقع “سماحة الشيخ يوسف القرضاوي”

Exit mobile version