آصف قاضي حسين: ندعو إلى انتهاج سياسة خارجية مستقلة في باكستان

 

ذكر آصف قاضي حسين، مدير الشؤون الخارجية بالجماعة الإسلامية في باكستان، أن حكومة عمران خان السابقة لم يكن لديها أي خطة واضحة للتعامل مع المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

وأوضح حسين، في حوار لـ”المجتمع” قبيل الإطاحة بعمران خان، أن نقطة التحول الحاسمة في الأزمة الاقتصادية الحالية والتوترات السياسية جاءت حين بدأ حزب خان في تقديم تعليقات انتقادية بشأن الأداء الهزيل للحكومة، وقد شجع هذا بتقديم المعارضة اقتراحاً بحجب الثقة في البرلمان ضد حكومة خان التي كانت رهينة بأغلبية صوت واحد.

وقال: لقد ارتفعت معدلات التضخم إلى عنان السماء، كما ارتفعت معدلات الفقر والبطالة، وبما أنه لا يوجد ما يمكن أن يصف الأداء الجيد لحكومته في نظر الشعب، فقد أدلى خان بملاحظات مهينة ضد زعماء المعارضة في خطاباته واصفاً إياهم بـ”اللصوص والسارقين!”. 

وقد جعل ذلك من الصعب خلق جو من المصالحة داخل البلد واتسعت المسافة بين الحكومة والمعارضة، بحسب حسين.

حكومة خان لم يكن لديها أي خطة واضحة للتعامل مع المشكلات الاقتصادية

وأشار إلى أن شخصية خان أنانية، وكان دائماً يثني على نفسه ويوجه الانتقادات لزعماء المعارضة.

وأضاف أن الاقتصاد الباكستاني وقع تدريجياً في قبضة صندوق النقد الدولي واضطرت الدولة إلى فقدان الحرية المالية واستقلالها في اتخاذ القرارات الاقتصادية.

ولفت حسين إلى أن العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة توترت منذ وصول إدارة بايدن إلى السلطة، مشيراً إلى أنه في وقت سابق، كانت العلاقات بين إدارة ترمب وحكومة خان السابقة دافئة للغاية.

وتابع: جاءت نقطة التحول الدراماتيكية في الاضطرابات السياسية الأخيرة عندما أخذ خان، أثناء حديثه أمام اجتماع عام، قطعة من الورق من جيبه ولوح بها، زاعمًا أن لديه دليلًا على أن قوة خارجية كانت تتآمر ضد حكومته، وفي وقت لاحق، في خطاب متلفز، قال للشعب: إن القوة الخارجية هي الولايات المتحدة.

إليكم نص الحوار:

نود أن تقدم لقراء “المجتمع” فكرة سريعة عن خريطة القوى السياسية في باكستان.

– الأحزاب السياسية في باكستان تنقسم إلى عدة أقسام، منها أحزاب سياسية وطنية على مستوى كافة البلاد، وأحزاب أخرى محلية في بعض الأقاليم، كما أنه يمكن تقييم هذه الأحزاب ما بين الأحزاب الدينية والأحزاب القومية المحلية، فهناك ثلاثة أحزاب رئيسة تتمتع بتأييد شعبي واسع مثل حزب عمران خان يسمى حزب الإنصاف، وحزب الرابطة الإسلامية الذي يتبع لرئيس الوزراء الأسبق نواز شريف، وحزب الشعب الباكستاني الذي حكم البلاد عدة مرات منذ السبعينيات من القرن الماضي، وهذا الحزب أسسه رئيس الوزراء الراحل ذوالفقار علي بوتو.

أما الأحزاب الدينية والقومية فهي تعتبر أحزاباً ذات توجهات أيديولوجية، فمن الأحزاب السياسية الدينية: الجماعة الإسلامية، وجمعية علماء الإسلام، وحركة لبيك باكستان التي لها تواجد في البرلمان الاتحادي والبرلمانات الإقليمية، بينما يلاحظ نشاط ملموس لبعض الأحزاب القومية الصغيرة في إقليمي بلوشستان وخيبر بختونخواه الشمالي الغربي وكراتشي.

العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة توترت منذ وصول إدارة بايدن إلى السلطة

ماذا عن انتماءات تلك القوى الأيديولوجية؟

– يمكن الإشارة إلى أنه لا يوجد فرق كبير لأيديولوجية وبرامج سياسية للأحزاب الرئيسة الثلاثة، فإنها تدعو إلى التنمية الشاملة والالتزام بمبادئ الديمقراطية ومراعاة السياسة الخارجية المستقلة، كما أنه يوجد شبه إجماع بين هذه الأحزاب تجاه التنسيق الإستراتيجي مع الصين والمشروع التنموي العملاق “الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني”، وتبدي هذه الأحزاب أيضاً التزاماً شاملاً بما يتعلق بحق تقرير المصير للشعب الكشميري الذي يعاني أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان تحت الاحتلال الهندي، إلا أنه توجد إستراتيجيات مختلفة لهذه الأحزاب في التعامل مع القضية الكشميرية والعلاقات مع الهند، فالبعض منها وخاصة حزب الشعب وحزب الرابطة (نواز) يسعيان لمواصلة النضال السياسي والدبلوماسي لأجل حقوق الشعب الكشميري المشروعة، لكن لا يمنع ذلك من إقامة علاقات تجارية مع الهند، بينما يرفض حزب خان أي نوع من التعامل التجاري والاقتصادي مع الهند حتى تبدي الدولة الجارة استعدادها لسحب قراراتها الأخيرة بشأن إلغاء الوضع الدستوري الخاص للشطر المحتل لولاية كشمير.

أما الجماعة الإسلامية، فهي تدعو كافة الدول الإسلامية إلى الوقوف بجانب الشعب الكشميري في مواجهة الاحتلال الغاشم للدولة الجارة، وتطالب من تلك الدول وخاصة باكستان بوقف التعاملات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية معها، وتبدي الجماعة الإسلامية قلقها وأسفها مما يجري من قبل بعض الدول الإسلامية من التطبيع وتعزيز التعامل مع الدول مثل الهند و”إسرائيل” التي ترفض رفضاً تاماً للاعتراف بالحقوق المشروعة للمسلمين منهم؛ الفلسطينيين والكشميريين، كما أن الجماعة الإسلامية في باكستان ترفض رفضاً تاماً التطبيع مع “إسرائيل” أو تعزيز العلاقة مع الهند.

إن الجماعة الإسلامية في باكستان تدعو إلى انتهاج سياسة خارجية مستقلة، وسياسة اقتصادية تقوم على الاعتماد على الذات، كما نريد من جميع مؤسسات البلد أن تعمل في إطار ولايتها الدستورية.

إذا نظرت إلى نواب الأحزاب السياسية الثلاثة التي تعتبر كبيرة ووطنية، فلن تجد أي فرق في أسلوب حياتهم، وهؤلاء الناس على استعداد لتقديم أي تنازل بشأن أفكارهم ورؤيتهم السياسية عند الحاجة.

نعتقد أن الحكومة يجب أن تؤدي دوراً في تشكيل نمط الحياة الإسلامية.

الجماعة الإسلامية تدعو الدول الإسلامية إلى الوقوف بجانب الشعب الكشميري في مواجهة الاحتلال

هل لهذه القوى أو لبعضها علاقات بالقوى الكبرى مثل روسيا وأمريكا، أو أطراف إقليمية مثل الصين والهند؟

– لا توجد لهذه القوى أي علاقات سياسية ودبلوماسية مباشرة بالقوى الكبرى، إلا أنه يوجد تعامل هذه الأحزاب بنظرائها داخل تلك البلاد، لكن لا توجد مثل هذه العلاقة ما بين الأحزاب الباكستانية ونظيرتها الهندية.

هل يمارس المال السياسي دوراً في تحريك قوى سياسية باكستانية؟

– تحتاج الأحزاب السياسية إلى أموال للمشاركة في السياسة الانتخابية، وعادة تمنح هذه الأموال من قبل أعضاء الحزب ومؤيديه والمرشحين الأثرياء، ولا يمكن القول على وجه اليقين: إن الأموال تقدم إلى أي طرف من الخارج، الأحزاب السياسية تواصل إلقاء اللوم على بعضها بعضاً في هذا الصدد.

هناك قضية مماثلة ضد حزب الإنصاف في لجنة الانتخابات الباكستانية على مدى السنوات الأربع الماضية، وفي هذه القضية يدَّعَى أن الحزب الحاكم قد حصل على أموال من الخارج ولم يقدم أي حساب إلى لجنة الانتخابات.

ما أسباب هذه الهجمة المفاجئة من قبل المعارضة على خان؟ هل هي داخلية أم بتحريض خارجي كما يقول؟

هناك انطباع عام أن عمران خان ادعى وجود تآمر قوة خارجية لأجل إضعاف موقف المعارضة

– يوجد خلاف بين خان وقوى المعارضة في باكستان منذ انتخابات عام 2018 التشريعية، بحجة أن تلك الانتخابات لم تكن شفافة ونزيهة، بل كانت هناك تدخلات من قبل المؤسسة العسكرية، وهذا الخلاف هو الذي كان أساساً للتوتر القائم بين الجانبين منذ تولي خان زمام الحكم في أغسطس 2018، وبعض هذه القوى المعارضة كانت تدعو إلى إسقاط الحكومة بشن حملات احتجاجية واسعة، مثل مسيرات طويلة واعتصامات ضخمة، والبعض الآخر يدعو إلى تقديم مذكرة حجب الثقة عن الحكومة داخل البرلمان.

أما ما يتعلق بتحريض خارجي، فهذه الظاهرة برزت على السطح منذ أسبوعين حينما أعلن خان، في خطابه أمام جمع شعبي في العاصمة إسلام آباد، في 27 مارس الماضي، أن هناك قوة خارجية وراء حملة حجب الثقة عن حكومته، وهي تنسق مع أحزاب المعارضة أيضاً، وبعد أيام أشار خان إلى أن القوة الخارجية هي الولايات المتحدة، لكن ما يتعلق بالحملات السياسية المناهضة لحكومة خان فهي جارية منذ بداية حكومته، فيوجد انطباع عام أن عمران خان استغل هذه الورقة لأجل إضعاف موقف المعارضة وإحباط محاولة حجب الثقة عن حكومته.

ما طبيعة العلاقات التي تربط أمريكا وباكستان؟

– لم تكن العلاقات ما بين الولايات المتحدة وباكستان حميمة في يوم من الأيام، رغم كون باكستان جزءاً من الكتلة الإستراتيجية الأمريكية عالمياً لعدة عقود، والدولتان دخلتا في اتفاقيات إستراتيجية إقليمية، لكن لم تقم الولايات المتحدة بجانب باكستان خلال فترات المحن والحروب ضد الجارة الهند التي كانت حليفة إستراتيجية للاتحاد السوفييتي سابقاً، أما ما يتعلق بطبيعة العلاقة والترابط ما بين البلدين، فيمكن أن تفسر ما أشار إليه رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية السابق مايك مولن قائلاً: إن الولايات المتحدة قد نأت نفسها بوضوح عن باكستان.

وقال هذا القائد العسكري الأمريكي السابق، في مقابلة مع إذاعة “صوت أمريكا” قبل أيام: إن الولايات المتحدة قد ابتعدت عن باكستان بشكل واضح على مدى العقد الماضي، وإن باكستان أصبحت أكثر فأكثر تحت مظلة الصين، رغم أنها كانت حليفة وثيقة للولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب وأثناء الحرب الباردة، لكن ينبغي الإشارة إلى أن تعامل باكستان مع الولايات المتحدة كان بصورة أفضل خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، فالولايات المتحدة تسعى للخناق حول باكستان في المحافل الدولية، وإدراج باكستان ضمن القوائم الدولية تؤثر سلباً على اقتصاد باكستان واستقرارها السياسي، منها مجموعة العمل المالي الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، وإبعاد باكستان عن مجموعة موردي المواد النووية، رغم أنها تؤيد عضوية الهند في هذه المجموعة الإستراتيجية، كما أن الولايات المتحدة فرضت حظراً على استيراد باكستان أسلحة أمريكية أو حلفائها الغربيين، فهذا الوضع أجبر باكستان على فتح قنوات الاتصال والتعاون مع روسيا لتحقيق التوازن وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.

لماذا تتدخل أمريكا بشكل سافر وفج في السياسة الباكستانية؟

– لقد كانت الولايات المتحدة مؤثرة في الشؤون الداخلية لباكستان، سواء بصورة مباشرة أو من خلال المنظمات الدولية، وقد استمرت هذه السلسلة من التدخلات الخارجية على مدى السنوات الـ75 الماضية، وما فتئت الجماعة الإسلامية ترفع صوتها ضد هذا التدخل، وما زلنا ندعو جميع الزعماء السياسيين إلى التكلم بصوت واحد ضدہ ونؤكد تعاوننا لمنع التدخل الخارجي.

وفيما يتعلق بالبيان الأخير لخان، فإنه أساساً جزء من حملته الانتخابية، وبدلاً من مجرد إصدار البيانات، عليه أن يتخذ خطوات عملية.

ماذا تريد أمريكا لباكستان؟ هل تريد تقسيمها كما يقول خان؟

– لا شك أن الولايات المتحدة كانت متورطة تاريخياً في شؤون باكستان الداخلية لممارسة الضغط على باكستان لاتباع سياساتها دولياً وإقليمياً، لكن ادعاء خان بشأن خطة أمريكية لخلق انقسامات داخل باكستان يفقد أي إثباتات، كما لا يوجد دليل على أي مؤامرة خارجية وراء اقتراح سحب الثقة الأخير.

هل هناك علاقة خفية بين أمريكا وبعض الأحزاب والقوى السياسية الباكستانية؟

– لا تتوفر أي معلومات دقيقة لدى الجهات الباكستانية المعنية بشأن العلاقة والتعامل الخفي بين الولايات المتحدة والقوى السياسية الباكستانية.

Exit mobile version