المغرب وإسبانيا.. علاقات تاريخية لا تخلو من المد والجزر

 

بعد أزمة دبلوماسية استمرت عاما بين البلدين، أجرى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الخميس، زيارة رسمية إلى المغرب، بدعوة من العاهل محمد السادس.

وعادت العلاقات بين الرباط ومدريد إلى الدفء بعدما أعلنت إسبانيا، في مارس الماضي، دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية لتسوية النزاع في إقليم الصحراء.

وفي 14 مارس، اعتبر رئيس الوزراء الإسباني في رسالة وجهها إلى ملك المغرب، أن مبادرة الحكم الذاتي “الأكثر جدية” لتسوية النزاع في إقليم الصحراء.

وجاء في الرسالة، أن “إسبانيا تعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف”.

ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو جبهة “البوليساريو” إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

زيارة سانشيز إلى الرباط، تأتي بعد أزمة مرت بها علاقات البلدين، منذ أن استقبلت مدريد في أبريل الماضي، زعيم “البوليساريو” إبراهيم غالي بـ”هوية مزيفة”، ودون إخطار الرباط بذلك.

ووفق مؤرخين، اتسمت العلاقات المغربية الإسبانية، بـ”التعقيد”، ولها “امتداد تاريخي هو الأقدم مقارنة مع العلاقات المغربية الفرنسية أو المغربية الأمريكية بحكم القرب والجوار”.

مد وجزر

تميزت العلاقات الثنائية بين البلدين، بفترات من المد والجزر، فتارة تتحسن وتارة أخرى تسوء.

من أولى المحطات التاريخية التي شكلت علاقات المغرب مع إسبانيا، كانت مع مغادرة مسلمي الأندلس عام 1492 آخر المدن الأندلسية نحو الأراضي المغربية.

وفي عام 1848، عمدت إسبانيا إلى احتلال الجزر الجعفرية الواقعة على مصب نهر ملوية.

وفي 22 أكتوبر 1859، أعلنت إسبانيا الحرب على المغرب في شمالي البلاد، بسبب الصراع على حدود المستعمرة الإسبانية سبتة.

واحتل البرتغاليون سبتة عام 1415، ثم سقطت مليلية في يد الإسبان عام 1497، وظلت سبتة تحت الاحتلال البرتغالي حتى عام 1580، عندما قامت إسبانيا بضم مملكة البرتغال.

وتخضع مدينتا سبتة ومليلية، الواقعتان شمالي المغرب، لإدارة إسبانيا، حيث تعتبرهما الرباط “ثغرين محتلين”.

جزيرة “ليلى”

في عام 2002، دخل جنود مغاربة إلى جزيرة “ليلى” في المحيط الأطلسي، وهي غير مأهولة بالسكان وكانت تخضع للسيادة المغربية قبل أن تحتلها الإمبراطورية البريطانية ثم الإسبانية، قبل عشرات السنين.

بعدها دخلت قوات إسبانية إلى الجزيرة، حيث وقعت مناوشات وتصعيد سياسي بين البلدين، عندما كان “الحزب الشعبي المحافظ” يسير الحكومة الإسبانية، بقيادة خوسيه ماريا أثنار (1996 – 2004).

ومنذ تلك الأزمة، التي انتهت بوساطة أمريكية، لم تشهد العلاقة بين البلدين أزمات طويلة الأمد.

كما استدعى المغرب سفيره في مدريد للتشاور، خلال الولاية الثانية للاشتراكي خوسيه لويس ثباتيرو، على خلفية زيارة العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس، إلى سبتة ومليلية عام 2007.

ومرت العلاقات المغربية الإسبانية بفتور بعد أزمة انطلقت مع استضافة إسبانيا لزعيم “البوليساريو”، الذي دخل البلاد بـ”هوية مزيفة”، حيث بررت مدريد استقباله بتلقيه العلاج من فيروس كورونا، وهو ما أغضب الرباط التي تتهمه بارتكاب “جرائم حرب”.

وزاد من تعميق الأزمة المغربية الإسبانية، تدفق حوالي 8 آلاف مهاجر غير نظامي بين 17 و20 مايو الماضي، إلى سبتة.

في 20 يناير الجاري، قال متحدث الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، في مؤتمر صحفي، إن “إعادة العلاقات مع إسبانيا يحتاج لكثير من الوضوح”.

وأضاف: “بخصوص إسبانيا، في خطاب (ذكرى) ثورة الملك والشعب (في أغسطس الماضي)، تحدث الملك (محمد السادس) عن أهمية العلاقات الاستراتيجية بين الرباط ومدريد”.

وتابع قائلاً: “الطموح موجود وعبرت عنه إسبانيا، لكن لكي يتعزز الطموح نحتاج إلى الكثير من الوضوح”.

سبتة ومليلية

لم تكن الأزمة على خلفية استضافة غالي، الأولى من نوعها، فلطالما تضررت العلاقات بين البلدين بسبب ملف سبتة ومليلية، ففي 22 ديسمبر 2020، استدعت إسبانيا سفيرة المغرب لديها، كريمة بنيعيش، بخصوص هذا الملف.

فقبلها بثلاثة أيام، تحدث رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني، في تصريح متلفز، عن “إمكانية فتح الملف (سبتة ومليلية) في يوم ما”.

وذكرت “وكالة الأنباء الإسبانية” الرسمية، أن الخارجية الإسبانية، استدعت سفيرة الرباط، و”أخبرتها أن الحكومة تتوقع من جميع شركائها احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا”.

وطلبت الخارجية الإسبانية، من بنيعيش تقديم توضيحات بخصوص تصريحات العثماني، فيما جددت السفيرة موقف الرباط الثابت من المدينتين.

ويرفض المغرب الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني لسبتة ومليلية، ويعتبرهما جزء لا يتجزأ من أراضيه، ويطالب إسبانيا بإجراء مفاوضات مباشرة على أمل استرجاعهما.

ترسيم الحدود

في 22 يناير 2020، صادق البرلمان المغربي، على مشروع قانون لترسيم الحدود البحرية بما فيها المجاورة لجزر الكناري في المحيط الأطلسي، بما يشمل إقليم الصحراء، وهو ما رفضته مدريد، وقالت إن ذلك ينبغي إتمامه في إطار اتفاق مشترك.

وربط البعض هذا الرفض الإسباني بجبل “تروبيك” البركاني، المكتشف على بعد كيلومترات من السواحل المغربية التي شملها الترسيم، والمحتوي على حجم كبير من المعادن النفيسة.

ووفق تقارير إعلامية، فإن جبل “تروبيك” الموجود على عمق 1000 متر تحت سطح البحر، يحتوي على ثروات ضخمة، واحتياطيات هائلة من المعادن والغازات والثروات الطبيعية.

وحدد قانون ترسيم الحدود البحرية، المنطقة الاقتصادية الخالصة على مسافة 200 ميل بحري، عرض الشواطئ المغربية.

ويقول المغرب، إنه من خلال ترسيم حدوده البحرية، فإنه “يبسط سيادته الكاملة على المجال البحري، ليؤكد بشكل واقعي، بأن قضية وحدته الترابية وسيادته على المجال البحري، محسومة بالقانون”.

تطور اقتصادي وأمني

رغم الأزمات المتتالية، تتميز العلاقات المغربية الإسبانية بالتطور على أكثر من صعيد.

وتظهر الأرقام الرسمية أن إسبانيا هي الشريك التجاري الأول للمغرب منذ عام 2012، حيث تنشط أكثر من 800 شركة إسبانية في المملكة.

وعلى الصعيد الأمني، استطاع البلدان بناء جسور الثقة لمواجهة الإرهاب العابر للحدود، حيث تم تفكيك خلايا إرهابية عديدة بتعاون مشترك.

وانتقل التعاون من مستوى تبادل المعلومات إلى تنظيم ندوات علمية حول المخاطر الأمنية، وطرق التنسيق لمواجهتها.

وقال المكتب الاقتصادي والتجاري بسفارة إسبانيا في الرباط: إن المبادلات التجارية بين البلدين بلغت حوالي 180 مليار درهم (نحو 19.5 مليار دولار) خلال عام 2021.

بينما يبلغ عدد المغاربة المقيمين في إسبانيا، نحو 811 ألفاً، 44% منهم نساء، وفق إحصائيات وزارة الهجرة الإسبانية.

Exit mobile version