أحكام الصيام.. سؤال وجواب* (5)

 

 

الصبي دون الحلم وقضاء ما أفطر من رمضان

أنا الآن في السادسة عشرة، وعندما كنت في الرابعة عشرة كان لي رفقة سيئة، وكنت أقضي معهم معظم الوقت، من ذلك أني كنت أخرج معهم في نهار رمضان، فكنت أفطر وأتناول الطعام وأشرب السجائر.. إلخ، لا أتذكر كم عدد تلك الأيام التي أفطرتها، كما أنه لم يخطر ببالي أنه سيجب عليَّ القضاء، فماذا أفعل الآن؟  

– الواجبات الشرعية لا تجب على الصبي إلا بعد بلوغه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم”(1)، وعلامات البلوغ بالنسبة للذكر حصول واحد من ثلاثة أشياء: خروج المني، أو نبات شعر خشن حول القبل، أو بتمام خمس عشرة سنة، والأنثى يحصل بلوغها بهذه العلامات الثلاثة، وتزید علامة رابعة وهي الحيض، ولا يشترط ظهور كل هذه العلامات، بل تحقق علامة واحدة منها كافية للحكم على الشخص بأنه قد بلغ.

وينبغي أن تنتبه إلى أن الأعوام المعتبرة في البلوغ: هي الأعوام الهجرية؛ فإذا كانت سنك في الوقت الذي ذكرته: أربع عشرة سنة ميلادية، فإن عمرك بالحساب الهجري سوف يزيد على ذلك قرابة نصف سنة، والغالب في مثل ذلك أن تكون قد بلغت سن التكليف، وهذا كله فيما لو لم تكن العلامات الأخرى قد ظهر عليك منها شيء.

فعلى هذا، إذا وقع منك الفطر في نهار رمضان وأنت لم تبلغ بعد، فإنه ليس عليك شيء؛ لأن الصوم لم يكن واجباً عليك، وأما إذا وقع الفطر في نهار رمضان، وكنت قد بلغت في ذلك الوقت بإحدى علامات البلوغ التي سبق ذكرها، فالواجب عليك التوبة والندم، والعزم على عدم العودة إلى ذلك الذنب العظيم، وأما القضاء، فإن كان إفطارك في أثناء اليوم بعد أن شرعت في صيامه، فعليك القضاء، وإن كنت لم تصم من الأصل فلا قضاء عليك، وتكفيك التوبة النصوح إن شاء الله تعالى، وعليك الإكثار من صيام التطوع، فإن ذلك يسدد النقص الحاصل في الفريضة، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟

فأجاب: “الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه کالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ”(2)، ولأنه من تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: 229)؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها -أي: فعلها قبل دخول الوقت- لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً”(3).

وفي حال وجوب القضاء، إذا نسي الشخص عدد الأيام التي أفطرها من رمضان، فإنه يعمل بغالب الظن؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: 16)، فإذا غلب على ظنه أنه أفطر عشرة أيام، فإنه يقضي تلك العشرة. والله أعلم.

تمني انتهاء شهر رمضان

نصوم رمضان، ولكن نتمنى أن تنتهي أيامه؛ لِما نجد من مشقة الصيام؛ فهل يعتبر هذا ذنباً تلزم منه التوبة؟ وما إرشاداتكم لنا؟

– الصوم من أجلّ العبادات، وأفضل القربات إلى الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ”(4)، وفي هذا دليل واضح على مكانة الصوم في شريعة الله وعظم منزلته، وعلى فضيلة الصائمين و حسن جزائهم.

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: “هذان ثوابان: عاجل، وآجل، فالعاجل: مشاهد إذا أفطر الصائم فرح بنعمة الله عليه بتكميل الصيام، وفرح بنيل شهواته التي منع منها في النهار، والآجل: فرحه عند لقاء ربه برضوانه وكرامته، وهذا الفرح المعجل نموذج ذلك الفرح المؤجل، وأن الله تعالى سيجمعهما للصائم.

وفيه: الإشارة إلى أن الصائم إذا قارب فطره، وحصلت له هذه الفرحة، فإنها تقابل ما مر عليه في نهاره من مشقة ترك الشهوات، فهي من باب التنشيط، وإنهاض الهمم على الخير”(5).

ولذلك تجد المسلم الذي يشق عليه الصوم مشقة محتملة يفرح ساعة فطره لا بزوال المشقة ولكن لأن الله تعالى أعانه على تحملها وإكمال طاعته سبحانه، فَعَيْنُه لا على المشقة كي تزول، ولكن على الطاعة كي تتم، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أَتُحِبُّونَ أنْ تَجْتَهِدُوا في الدعاءِ قولوا اللهمَّ أَعِنَّا على شُكْرِكَ، وذكرِكَ، وحُسْنِ عِبادَتِكَ”(6).

ولا تكاد تجد من يضيق صدره بهذا الشهر المبارك، إلا من رغب في الدنيا فانغمس في شهواتها وملذاتها، فهو يكره البعد عنها، والذي تصيبه المشقة والتعب بسبب الصيام أحد رجلين: إما رجل صاحب عذر من مرض أو سفر ونحوه، فهو يترخص برخصة الله في الفطر، وإما رجل تصيبه المشقة المحتملة، فهو يتم صومه، ويصبر على تحمل هذه المشقة ابتغاء وجه الله.

أما رجل تصيبه المشقة فيكره الصوم ويتمنى انتهاء الشهر وودّ لو لم يعاود المجيء، فهذا حال لا شك غير مرضي، وهذه نفس تكره العبادة، ولا تصبر لأمر الله.

 

 

 

 

 

 

__________________________________

(*) بتصرف من فتاوى موقع “الإسلام سؤال وجواب”.

(1) رواه أبو داود (4399)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

(2) أخرجه: البخاري (2697)، ومسلم (1718)، واللفظ له

(3) مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (19/89)

(4) رواه البخاري 2/ 673 (1805)، ومسلم 2/ 806 (1151)

(5) بهجة قلوب الأبرار (ص96)، وينظر أيضاً: فتح الباري لابن حجر (4/118).

(6) رواه أحمد (7922)، وصححه الألباني في الصحيحة (844).

Exit mobile version