هل هناك أدلة على جرائم حرب محتملة في أوكرانيا؟

تعهد زعماء الغرب بتحميل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسؤولية ارتكاب جرائم الحرب مع “تزايد الأدلة” على أن القوات الروسية قتلت مدنيين في أوكرانيا. ونفى الكرملين هذه المزاعم قائلاً إن الصور الأخيرة من مدينة بوتشا بالقرب العاصمة الأوكرانية كييف، والتي تمت استعادة السيطرة عليها من قبل القوات الأوكرانية، التقطت “بأوامر أمريكية”. فيما وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الروسي بأنه مجرم حرب، كما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أيضاً إن بوتين مسؤول عن الإبادة الجماعية التي وقعت في أوكرانيا.

فما هي جرائم الحرب، وكيف يتم التحقيق فيها؟ ولماذا تستغرق العملية سنوات من التحقيقات والتقاضي التي لا يتم البت فيها إلا بعد عقود من انتهاء النزاع؟

ما هي جرائم الحرب؟
بحسب تعريف مكتب الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية ومسؤولية الحماية (UNOGPRP)، فإن جرائم الحرب هي فعل يُرتكب أثناء نزاع مسلح ينتهك القوانين الإنسانية الدولية المصممة لحماية المدنيين، بما في ذلك اتفاقية جنيف لعام 1949 واتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907.

وعلى الرغم من أن حظر سلوك معين في إدارة النزاعات المسلحة يمكن إرجاعه إلى قرون عديدة، فإن مفهوم جرائم الحرب تطور بشكل خاص في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وتركز اتفاقيات لاهاي التي تم تبنيها في عامي 1899 و1907 على حظر استخدام الأطراف المتحاربة لوسائل وأساليب معينة في الحرب، وقد تم اعتماد العديد من المعاهدات الأخرى ذات الصلة منذ ذلك الحين.

في المقابل، تركز اتفاقية جنيف لعام 1864 واتفاقيات جنيف اللاحقة، ولا سيما اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977، على حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية. ويحدد كل من قانون لاهاي وقانون جنيف العديد من انتهاكات قواعده، ولكن ليس كلها، كجرائم حرب. ومع ذلك، لا توجد وثيقة واحدة في القانون الدولي تقنن جميع جرائم الحرب. ويمكن العثور على قوائم جرائم الحرب في كل من القانون الإنساني الدولي ومعاهدات القانون الجنائي الدولي، وكذلك في القانون الدولي العرفي.

وقد صادقت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على اتفاقيات جنيف لعام 1949، وعلى هذا النحو، فهي ملزمة لجميع الدول (والأطراف الأخرى في النزاع)، سواء صدقت الدول أو لم تصدق على المعاهدات نفسها. بالإضافة إلى ذلك، تنطبق العديد من قواعد القانون الدولي العرفي في كل من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، مما يوسع بهذه الطريقة الحماية الممنوحة في النزاعات المسلحة غير الدولية، والتي تنظمها المادة المشتركة 3 من اتفاقيات جنيف الأربع.

ويعتبر الكيان الأساسي الذي يمكنه محاسبة الأفراد على جرائم الحرب هو المحكمة الجنائية الدولية، التي تم تأسيسها في عام 1988 من خلال معاهدة تعرف باسم نظام روما الأساسي الذي يسرد الأعمال التي يمكن مقاضاة مرتكبيها كجرائم حرب، بما في ذلك القتل العمد والتعذيب والهجمات المتعمدة على المدنيين، وقد عُرضت بعض القضايا على محاكم خاصة أنشأتها الأمم المتحدة.

كيف يتم التحقيق في جرائم الحرب؟
يتم التحقيق في جرائم الحرب من خلال مقابلة الشهود ومراجعة الصور أو مقاطع الفيديو وجمع أدلة الطب الشرعي، بما في ذلك تحليل المقذوفات وتشريح الجثث أو اختبار الحمض النووي. ويجب على المدعين أن يثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك أن الأفراد المتهمين ارتكبوا الجرائم عن عمد. وفي العادة يكون من الصعب إثبات مدى معرفة رئيس الدولة أو مدى مسؤوليته المباشرة عما حدث تحت إمرته.

هل هناك أدلة على جرائم حرب محتملة في أوكرانيا؟
بدأت المحكمة الجنائية الدولية بالفعل التحقيق فيما إذا الصراع في أوكرانيا قد شهد ارتكاب جرائم حرب، كما شكلت الحكومة الأوكرانية فريقا لجمع الأدلة. وتقول المدعية العامة الأوكرانية، إيرينا فينيديكتوفا، إن جثث 410 أشخاص، جميعهم على ما يبدو مدنيون، تم انتشالها من محيط كييف بعد انسحاب القوات الروسية منها في مطلع أبريل/نيسان 2022، وقالت هيومن رايتس ووتش إنها وثقت حالات اغتصاب وإعدام ونهب ممتلكات مدنية من قِبَل القوات الروسية.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز روايات عن عمليات قتل عشوائية وتعذيب وأنواع أخرى من العنف ضد المدنيين الأوكرانيين. كانت المحكمة الجنائية الدولية قد بدأت بالفعل تحقيقاً جنائياً في جرائم حرب محتملة في أوكرانيا، أوائل مارس/آذار الماضي.

وكشف مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، الثلاثاء 5 أبريل/نيسان 2022، أن الولايات المتحدة الأمريكية “ستتشاور مع الحلفاء لضمان أن تدفع روسيا والرئيس فلاديمير بوتين ثمن جرائم الحرب التي تُرتكب في أوكرانيا”، وذلك بعد أن أثارت صور القتلى الملقاة على الطرقات في مدينة بوتشا صدمة لدى الغرب.

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت عمليات القتل في بوتشا يمكن أن تكون بناء على أوامر بوتين أو ارتكبتها قوات روسية تصرفت من تلقاء نفسها، قال سوليفان إن واشنطن حذرت حتى قبل الغزو من أن روسيا كانت تنوي “قتل المعارضين كسياسة في هذه الحرب”، و”فرض عهد من الإرهاب في أنحاء الأراضي المحتلة في أوكرانيا؛ لذا لا تعتقد الولايات المتحدة أن هذا حادث عشوائي بل تعتقد أنه كان جزءاً من الخطة”، مضيفاً أن الولايات المتحدة تسعى للحصول على معلومات من أربعة مصادر لبناء قضية تتعلق بجرائم الحرب وهي معلومات الولايات المتحدة وحلفائها بما في ذلك من أجهزة المخابرات، وما شاهده الأوكرانيون أنفسهم على الأرض، والمنظمات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة، والمقابلات من وسائل الإعلام العالمية المستقلة”.

ومن ناحيته، قال فاسيلي نيبينزيا مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة في مؤتمر صحفي إن بلاده ستقدم “أدلة عملية” لمجلس الأمن التابع للمنظمة على أن قواتها “لم تقتل مدنيين في أوكرانيا ولم تشارك في أحداث بوتشا، وذلك حتى لا ينخدع المجتمع الدولي بما وصفه مؤامرة كييف الكاذبة ورعاتها الغربيين”، بحسب تعبيره.

ما هي فرص محاسبة فلاديمير بوتين؟
ليس للمحكمة الجنائية الدولية قوة شرطة أو جيش خاص بها. وتعتمد المحكمة على الدول في تسليم مواطنيها للمحكمة لمحاكمتهم. من غير المرجح أن يحدث هذا مع كبار المسؤولين في روسيا، ناهيك عن الرئيس بوتين نفسه.

ويشير خبراء القانون الدولي لصحيفة نيويورك تايمز إلى عدم وجود قوانين تقادم لجرائم الحرب. قد تظهر أدلة أو معلومات من الداخل بعد سنوات، ويمكن تسليم بوتين أو غيره إلى المحكمة ليحاسب في نهاية المطاف.

ويقول كوون أوغون، الخبير في القانون الدولي الذي عمل قاضياً في المحكمة الجنائية الدولية في يوغوسلافيا السابقة: “حتى لو استغرق الأمر 10 سنوات أو 20 عاماً، حتى لو تم عزل بوتين من السلطة، فيمكن إحضاره إلى قفص الاتهام”، بحسب وصفه.

من هم رؤساء الدول الذين حوكموا بتهمة ارتكاب جرائم حرب؟
يعتبر سلوبودان ميلوسيفيتش، المعروف باسم “جزار البلقان”، أول رئيس دولة سابق يُحاكم على مثل هذه الجرائم في عام 2002. وتوفي في زنزانته في لاهاي مع اقتراب محاكمته التي استمرت أربع سنوات من نهايتها، قبل تم التوصل إلى الحكم.

كما حُكم على تشارلز جي تيلور، الرئيس السابق ليبيريا الإفريقية، بالسجن 50 عاماً في عام 2012 لارتكاب فظائع في سيراليون خلال الحرب الأهلية في التسعينيات. فيما تمت تبرئة لوران جباجبو، الرئيس السابق لساحل العاج، من جرائم ضد الإنسانية وتهم أخرى تتعلق بالعنف الذي أعقب الانتخابات الرئاسية في البلاد في عام 2010.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرة توقيف بحق الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي في عام 2011 بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لكنه قُتل في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، قبل أن يواجه المحاكمة.

ويعتبر الرئيس السوداني السابق عمر البشير مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم إبادة جماعية وجرائم حرب في إقليم دارفور، لكن الحكومة الانتقالية السودانية لم تسلمه بعد.

 

Exit mobile version