الكيان الصهيوني يترقَّب انتفاضة جديدة بالأراضي المحتلة

تداعى “الأمن الداخلي” والهدوء الذي ساد داخل إسرائيل لوقت طويل، بفعل عمليات فدائية نفّذها فلسطينيون مؤخراً، يحمل ثلاثة منهم الجنسية الإسرائيلية، وأوقعت 11 قتيلاً ونحو 14 جريحاً. وبحسب خبراء، فإن انخراط “فلسطينيي الداخل”، وهم العرب الحاصلون على الجنسية الإسرائيلية، في الهجمات، يثير قلقاً إسرائيلياً كبيراً لم يكن يحسب حسابه، في حين يحذر خبراء من انفجار كبير في الداخل المحتل.
 
العمليات المسلحة في الداخل المحتل تمثل كابوساً لإسرائيل
لم تتبنَّ أي فصائل فلسطينية، الهجمات الأخيرة، ما يشير إلى أنها عمليات فردية غير منظّمة ويصعب السيطرة عليها، ضمن ما يعرف بعمليات “الذئاب المنفردة”. ويمثل هذا النوع من العمليات، بحسب المحللين تحدياً صعباً لأجهزة الأمن الإسرائيلية، التي كانت تضع في تقديراتها إمكانية تزايد مستوى التوتر مع اقتراب شهر رمضان الذي يبدأ السبت فلكياً.
 
والثلاثاء، التقى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في عمّان، وبحثا التوترات الأمنية بالمنطقة قبل رمضان، وفق إعلام إسرائيلي. كما زار الملك عبد الله الضفة الغربية الإثنين، وأجرى مباحثات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في محاولة بحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” للحد من التوتر المتوقع في رمضان بعد مقتل 6 إسرائيليين حتى 28 مارس/آذار الماضي.
 
وفي الفترة الأخيرة، أعرب مسؤولون إسرائيليون عن خشيتهم من اندلاع توترات واحتجاجات في الداخل والأراضي الفلسطينية المحتلة، كالتي حدثت في مايو/أيار 2021.
 
لكن إسرائيل، وفق المحللين، تفاجأت بأربع عمليات منذ 15 مارس/آذار الماضي أوقعت 11 قتيلاً، وأخذت على غير العادة طابعاً مسلحاً، بما يفيد حدوث فشل على مستوى التقديرات الأمنية.
 
وفي مايو/أيار 2021، شهدت المدن العربية في الداخل الفلسطيني مواجهات عنيفة بين مواطنين من جهة والشرطة ويمينيين إسرائيليين، بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على حي الشيخ جراح، وسط القدس المحتلة والمسجد الأقصى وقطاع غزة.
 
وبالرغم من تراجع حدّتها، إلا أن هذه الاحتجاجات ما زالت قائمة رفضاً لتهجير قسري للفلسطينيين من منازلهم أو هدمها أو مصادرة أراضيهم أو إعدامهم ميدانياً أو إصدار قوانين جائرة بحقّهم.
 
ووفق أحدث إحصاء رسمي، يبلغ عدد فلسطيني الداخل نحو مليون و982 ألفاً، ويشكلون 21% من عدد سكان “إسرائيل” البالغ حوالي 9 ملايين و391 ألفاً.
 
يقول الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي لوكالة الأناضول إن “العمليات التي تم تنفيذها (داخل إسرائيل) مؤخراً، باستخدام السلاح الناري، أثارت حالة جادة من القلق لدى إسرائيل”.
 
مشيراً إلى أن أخطر هذه العمليات، بحسب وجهة النظر الإسرائيلية، هي عملية الثلاثاء التي نفّذها الفلسطيني من جنين ضياء حمارشة في مدينة بني براك قرب تل أبيب (وسط)، وقتل فيها 5 أشخاص.
 
وأوضح البرغوثي أن “إسرائيل اعتبرت أن سياق هذه العملية يختلف عن سياق العمليتين السابقتين، إذ ادّعت أن المنفّذين ينتمون لتنظيم داعش الإرهابي”. إلا أن العملية الأخيرة، “جاءت في سياق وطني فلسطيني، في حدث لم تشهد الساحة شبيهاً له منذ سنوات”.
 
واعتبر أن دخول الفلسطينيين في الداخل على خط تنفيذ هذه العمليات كان “مؤلماً لإسرائيل”، الأمر الذي ألقى بظلال على السياق الفلسطيني ككل. مضيفاً أن “أكثر ما أثار قلق إسرائيل في بداية هذه العمليات هو إمكانية تنفيذ عمليات مماثلة لها”.
 
إسرائيل تترقب الانفجار في الأراضي المحتلة وتستعد له بشكل جدي
تغيرت نظرة إسرائيل لإمكانية التصعيد في الضفة والداخل بشكل جدي، حيث رفعت حالة الاستنفار إلى أعلى درجات التأهب، وهو ما لم يحدث إلا في التصعيد الأخير في مايو/أيار 2021.
 
حيث إن استخدام السلاح الناري في تنفيذ العمليات، والذي حدث أول مرة خلال أحداث مايو/أيار الماضي، شكّل مفاجأة لدى إسرائيل، كما يقول الباحث البرغوثي.
 
ويبدو أن أول عملية إطلاق نار من سلاح فلسطيني لفتت نظر إسرائيل إلى السلاح المنتشر لدى فلسطينيي الداخل وأهملته على مدار سنوات. ومنذ انتهاء أحداث مايو/أيار الماضي، ساور إسرائيل قلق من إمكانية توجيه السلاح ضدها، وذهبت باتجاه مكافحة انتشاره، وفق البرغوثي.
 
بحسب التقديرات التي تتحدث عنها الأناضول، فإن لدى فلسطينيي الداخل نحو 200 ألف قطعة سلاح على الأقل، ما يعني أن داخل إسرائيل يوجد جيش صغير. حيث يسهل على فلسطينيي الداخل اقتناء الأسلحة بشكل أكبر من فلسطينيي الضفة، وذلك لامتلاكهم هوية إسرائيلية تمنحهم حرية حركة.
 
يرى الباحث الفلسطيني أن منفّذي العمليات، سواء كانوا من الضفة الغربية أو الداخل الفلسطيني، يشكّلون تهديداً يقضّ مضاجع إسرائيل.
 
وأعرب عن اعتقاده بأن “حجم الرد الإسرائيلي على تلك العمليات قد يدفع بالأحداث سواء في الداخل أو الضفة أو غزة، إلى التطور خاصة في ظل تخوفات من عودة التوتر مع اقتراب رمضان”. وزاد بأن “المناورة العسكرية الإسرائيلية السنوية وضعت ضمن اعتبارات تدريبها لهذا العام، ولأول مرة، وجود مواجهات في الداخل”.
 
واعتبر البرغوثي أن “الخطة الإسرائيلية التي تسمح بمشاركة حرس الحدود والجيش في قمع فلسطينيي الداخل، تشير إلى وجود تغيّر استراتيجي في موقف فلسطينيي الداخل حول مواجهة اعتداءات إسرائيل بحقهم”.
 
إحباط فلسطيني متزايد يوشك على الانفجار
أما المختص في الشأن الإسرائيلي وديع أبو نصار فقال للأناضول إن “الطابع الفردي لهذه العمليات يشير إلى إحباط لدى الشبان الفلسطينيين داخل إسرائيل بسبب السياسات والقوانين العنصرية بحقّهم”. وتابع: “أفراد محبطون يتخذون قرارات فردية بالقيام بهذه العمليات لتفريغ إحباطهم، وهنا تكمن الخطورة بالنسبة لإسرائيل ويزيد تعقيد المشهد”.
 
واعتبر أبو نصار أن “عدم وجود تأثير حقيقي للقائمة العربية الموحدة في الحكومة بما يعود على الفلسطينيين بشكل إيجابي، بالتزامن مع مصادرة وهدم المنازل والقوانين العنصرية بحق الفلسطينيين، زاد من حالة الإحباط لدى الشبان”.
 
حيث أصبح هناك حالة من “القلق داخل إسرائيل من إمكانية تكرار العمليات التي سببت خسائر بالأرواح، كما أن العمليات أضرت بصورة (التفوق الإسرائيلي)، خاصة أن منفّذيها من الأفراد واستطاعوا إيقاع خسائر ودب الرعب والهلع في قلوب الكثير من الإسرائيليين”.
 
وعدّ أبو نصار بروز الطابع العسكري لهذه العمليات بالتحول المهم جداً، خاصة أن بعض الفلسطينيين ينظرون له على أنه تطور بالفعل للعمل المسلّح الفلسطيني.
 
لكن يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي، أن “إسرائيل دولة لديها قدرات عسكرية كبيرة، وستتخذ إجراءات عقابية مختلفة، وبدأت فعلياً بعمليات الاعتقال لفلسطينيين سواء بالضفة أو الداخل، وقد تتخذ إجراءات “صارمة على شكل عقوبات جماعية لعائلات المنفّذين ومحيطهم، لردع الآخرين من تنفيذ عمليات مشابهة”.
 
وتحدث أبو نصار عن وجود تخبّط داخل الأروقة الرسمية الإسرائيلية “حول الخطوات الأنجع لمواجهة العمليات، هل ستكون برفع وتيرة سياسات العصا أم الجزرة”.
 
دعم أوثق من الضفة وغزة لفلسطينيي الداخل
وفي إطار حالة الدعم لفلسطينيي الداخل في مواجهتهم للانتهاكات الإسرائيلية، أعلنت فصائل ومنظمات فلسطينية غير حكومية، في 12 مارس/آذار الماضي، عن تشكيل هيئة وطنية. وتعد هذه الهيئة الأولى من نوعها التي يتم تشكيلها بغزة في إطار خدمة أهداف فلسطينيي الداخل.
 
وقال رئيس الهيئة محسن أبو رمضان إن هدفها هو “إسناد نضال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، ضد سياسة التمييز العنصري، والقوانين كالمواطنة والقومية، والتهجير القسري وهدم المنازل والإجراءات الصهيونية لإحلال مهاجرين جدد من المستوطنين”. وأوضح أبو رمضان للأناضول أن الأنشطة الداعمة التي ستطلقها الهيئة تأخذ طابعاً “سلمياً وشعبياً ومدنياً عبر عدة لجان”. 
 
نظّمت الهيئة فعاليات متزامنة بين غزة والداخل، إحياءً لذكرى “يوم الأرض”، الموافق 30 مارس/آذار. وأحداث “يوم الأرض” تعود لعام 1976، حين صادرت إسرائيل مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين، ما أدى لاندلاع مظاهرات أسفرت عن قتلى وجرحى.
 
وأكد أبو رمضان أن “الأرض تبقى محور الصراع، وأي محاولات لتهجير الفلسطينيين والإجراءات الإسرائيلية بحقّهم مرفوضة”. معتبراً أن الهيئة من شأنها أن “تشكّل رسالة للرأي العام العالمي أن الشعب الفلسطيني موحّد، وفي الوقت ذاته تؤكد رفض الفلسطينيين للانقسام والتجزئة الجغرافية والميدانية”.
 
Exit mobile version