حلّ البرلمان في تونس.. “قرار مضطرب” أم “حالة ضرورية”؟

 
أثار حل البرلمان من قبل الرئيس التونسي قيس سعيد وما سبق ذلك من عقد جلسة لمجلس النواب المجمد تقرر خلالها إلغاء إجراءات سعيد الاستثنائية جدلا سياسيا واختلافات قانونية.
 
والأربعاء، أقر البرلمان، في جلسة عامة افتراضية، قانونا يلغي الإجراءات الاستثنائية التي بدأها سعيد في 25 يوليو/ تموز الماضي، ومنها تجميد اختصاصات البرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وحل المجلس الأعلى للقضاء.
 
وبعد ساعات أعلن سعيد حل البرلمان “حفاظا على الدولة ومؤسساتها”، معتبرا أن اجتماع البرلمان وما صدر عنه “محاولة انقلابية فاشلة”، بحسب كلمة متلفزة.
 
* حل البرلمان
 
أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية عبد الرزاق مختار قال للأناضول، إن “الأساس الدستوري لحل البرلمان يبدو مضطربا في أكثر من جهة”.
 
وأضاف مختار: “إزاء حالة حل غير منصوص عليها دستوريا على اعتبار أن الفصل (المادة) 72 لا يتعرض لحالة الحل، فحالات الحل معدودة دستوريا في الفصلين 89 و99”.
 
وينص الفصل 72 من الدستور أنّ “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور”.
 
وبين مختار، أن “الفصل 72 لا يضبط صلاحيات تنفيذية مدققة، بل هو ما نسميه بالدستور الوظيفي لرئيس الجمهورية، باعتباره يطرح أبعاد الأداء الوظيفي للرئيس بوصفه رمز الدولة”.
 
ويضيف: ” اضطراب الأساس القانوني يأتي من جهة أخرى من الفصل 72 في حد ذاته وارتباطه بالأمر 117 المؤرخ في 22 سبتمبر (أيلول) 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية”.
 
واعتبر مختار، أن “هذا إجراء مؤسساتي خطير جدا (حل البرلمان) وذو آثار كبيرة”، متسائلا عن “ما إذا كان اعتماد الفصل 72 يعني إعادة الدستور للحياة بعد الإماتة” .
 
وتحدث مختار عن علاقة الفصل 80 بالفصل 72 قائلا، “هل أصبح الفصل 80 اليوم غير ذي جدوى وغير ذي معنى بعد انتفاء وجود الخطر الداهم (البرلمان) في تقدير رئيس الجمهورية”.
 
وينص الفصل 80 على أنه لـ”رئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب”.
 
و”يجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة”، وفق الفصل نفسه.
 
** تأويل الفصل 72
 
بدوره قال أستاذ القانون العام رابح الخرايفي للأناضول، إن “القراءة الحرفية للفصل 72 لا تمكن من حل البرلمان”.
 
وأضاف الخرايفي: “ما حدث هو تأويل رئيس الجمهورية وتفسيره الرسمي للفصل 72، مما خول له حل البرلمان ، على اعتبار أنه المعني بالحفاظ على وحدة الدولة”.
 
وأردف: “اجتماعات مجلس نواب الشعب مثلت تهديدا للدولة واستقرارها في تقدير رئيس الجمهورية”.
 
وتابع الخرايفي: “مجلس نواب الشعب خول لنفسه إصدار القوانين رغم أنه منزوع الصلاحيات منذ يوليو الماضي وما قام به يؤدي لخلق نظامين قانونيين، قوانين غير نافذة وقوانين نافذة ، لا يعرف الناس أيهما قانوني”.
 
ونبّه الخرايفي ، إلى أن مجلس النواب “كان بإمكانه أيضا اتخاذ قرار بسحب الثقة من الحكومة وإعلان أخرى فيصبح لنا حكومتان وهذا تهديد لوحدة الدولة واستقرارها واستمرارها ودعوة للتونسيين للتقاتل والانقسام” وفق قوله .
 
** الرئيس مضطر لحلّ البرلمان
 
ويعتبر الخرايفي، أن “حالة الضرورة اقتضت أن يتخذ الرئيس قرار حل البرلمان في إطار الدفاع الشرعي الذي مارسته الدولة للحفاظ على أمنها ومؤسساتها”.
 
ويضيف الخرايفي: “دخلنا في تأويل واسع جدا للحالة الاستثنائية، هذه التأويلات كان يمكن الحد منها عن طريق المحكمة الدستورية، وطالما أنها غير موجودة يصبح الرئيس الجهة الوحيدة القارئة والمؤوّلة للدستور حتى وإن كانت غير صائبة”.
 
** انتخابات تشريعية سابقة لأوانها !؟
 
ويوضح مختار، أن “حلّ البرلمان يرتبط بإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، والتي لم ترد كعبارة في خطاب الرئيس الأربعاء، ما يعني أنه أقر الحل دون الإعلان عن الآجال الدستورية المفترضة للانتخابات والتي لا تتجاوز 90 يوما”.
 
ويستطرد مختار “بعد قرار حل البرلمان لا يجوز قانونيا تغيير قواعد اللعبة أي لا يمكن تغيير القانون الانتخابي، فهل سيحترم رئيس الجمهورية ذلك، أم بإمكانه عدم احترام آجال وقواعد الانتخابات .
 
ويفسر في ذات السياق ، “حل البرلمان لا ينهي وجوده القانوني فالبرلمان يبقى قائما بمهام تصريف الأعمال حتى انتخاب برلمان جديد “.
 
* تبعات سياسية وتهديد
 
ويكشف مختار، أن “لقرار حل البرلمان أيضاً تبعات سياسية فهو يجعل الأولوية السياسية تنظيم الانتخابات وليس الاستفتاء ولا الإصلاحات، فهل سيغير رئيس الجمهورية خارطة طريقه؟”.
 
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن سعيّد عن إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في 17 ديسمبر 2022، سبقها استفتاء إلكتروني (بدأ منتصف يناير وانتهى في 20 مارس/ آذار الجاري)، ويليه استفتاء على النظام السّياسي ومنظومة الانتخابات في يوليو/ تموز المقبل.
 
ويتساءل مختار: “هل سيكون حل البرلمان أداة لحلّ سياسي شامل وواسع أو مجرد تعلة (حجة) لتخلص الرئيس من خصومه السياسيين”.
 
ويلفت إلى أن “الرئيس أشار في خطابه الأربعاء، للمتابعة القضائية للنواب والأحزاب التي شاركت في جلسة البرلمان، كما أنها لن تشارك في الانتخابات القادمة وهو بهذا يهدد بالحل القضائي للأحزاب والمتابعة القضائية لأعضاء مجلس النواب حسب تصريحه”.
 
* ضغط خارجي
 
ويرجّح مختار، أن “يزداد الضغط الخارجي على الرئيس سعيد، لأن الخارج لن يلتزم مع دولة ليس فيها برلمان منتخب”.
 
ويقول: “إقرار الالتزامات المالية عادة ما يكون مع دولة لها برلمان قائم بإمكانه التوقيع على الاتفاقيات وحكومة تحظى بالثقة”.
 
ويعتبر مختار، أن “الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية غير مطمئن للخارج، وسيؤثر على قبول تونس والتعاطي معها دوليا لذلك سيكون عاملا الضغط والوقت مطروحان بقوة على الرئيس”.
 
ويؤكد أن “التعاطي الأمني والقضائي مع ما قام به النواب الأربعاء، يمكن أن يكون مؤشرا على الخروج من الحل السياسي إلى تأزيم المأزوم وتكريس تخوفات جدية في التعاطي مع ملفات حقوق الإنسان”.
 
وأضاف مختار: “هذا لا يخدم الوضع الداخلي ولا يمهد لأي اتفاق نحتاجه في هذه الفترة لتجاوز الأزمات المتراكمة”.
 
وفي تعليقه على ما قام به مجلس نواب الشعب يوم أمس من إقرار بإبطال الاجراءات الاستثنائية وما ترتب عنها قال مختار: “نعلم جميعا أن هذه خطوة سياسية معنوية لن يكون لها أثر، لأن رئيس الجمهورية يمتلك النواة الصلبة لقوة الدولة (الأمن والجيش والإدارة)”.
 
** نزاع شرعيات
 
ويرى مختار، أن “ما نشهده تونس اليوم هو نزاع شرعيات وموازين قوى يتخذ تأويلات دستورية”.
 
ويضيف: “من سيفرض ميزان القوى السياسي هو من سيفرض تأويله، هم لا يبحثون عن حلول، بل يبحثون عن غطاء دستوري وقانوني يتلاءم مع رؤيتهم”.
 
ويختم مختار حديثه بالقول، إن “المسألة الدستورية اشتبكت فقد كان 25 يوليو ضروريا كحدث سياسي، لكن إطاره غير مقبول وغير مؤسس”.
 
وتعيش تونس أزمة سياسية حادة منذ إقرار رئيس الجمهورية الاجراءات الاستثنائية في 25 يوليو الماضي.
 
وترفض قوى سياسية واجتماعية إجراءات سعيد الاستثنائية وتعتبرها “انقلابًا على الدستور”، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها “تصحيحًا لمسار ثورة 2011” التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.
 
Exit mobile version