وسط تباين المواقف.. ما تداعيات قرار قيس سعيد حل البرلمان التونسي؟

 
أثار إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، حل البرلمان جدلا واسعا لدى الرأي العام السياسي في البلاد، بين تأييد ومعارضة للقرار، وسط تساؤلات حول التداعيات التي قد تنجم عنه.
 
والأربعاء أعلن سعيّد في كلمة متلفزة حل مجلس نواب الشعب، “استنادا إلى الفصل 72 من الدستور، حفاظا على الدولة ومؤسساتها” معتبراً أن القرارات التي اتخذتها الجلسة العامة للبرلمان “محاولة انقلابية فاشلة”.
 
وجاء هذا الإعلان بعد ساعات من عقد البرلمان جلسة عامة افتراضية، أقر فيها قانونا يلغي الإجراءات الاستثنائية التي بدأها سعيد في 25 يوليو/ تموز الماضي، ومنها تجميد اختصاصات البرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وحل المجلس الأعلى للقضاء.
 
وصوّت على القانون في البرلمان، 116 نائبا من إجمالي 121 شاركوا في الجلسة، من أصل 217 عدد أعضاء البرلمان.
 
وترفض قوى سياسية واجتماعية إجراءات سعيد الاستثنائية وتعتبرها “انقلابًا على الدستور”، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها “تصحيحًا لمسار ثورة 2011” التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.
 
ويقول سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، إن إجراءاته هي “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم”، وشدد على عدم المساس بالحريات والحقوق.
 
** نهاية أزمة وبداية أخرى
 
وفي قراءته للمشهد، يرى المحلل السياسي شهاب دغيم، أنّ “حل البرلمان يعتبر نهاية أزمة سياسية وبداية أخرى أكثر تعقيدا (..) نهاية صراع انطلق منذ 25 يوليو بين قطبين في البلاد هما حركة النهضة وحلفاؤها من جهة وقيس سعيد وأنصاره من جهة أخرى”.
 
ويقول: إن “حل سعيد لمجلس النواب لم يفاجئ أحدا، فعند إعلانه تجميد صلاحياته (في يوليو الماضي) أشار آنذاك لعدم وجود مسوغات دستورية لحلّه”.
 
ويضيف دغيم، “لعل سعيد وجد اليوم تلك الآليات الدستورية مثلما عبر عنه في خطابه استنادا إلى الفصل 72 باعتبار أن الخطر هو التآمر على أمن الدولة العام واعتباره قرارات مجلس النواب محاولة انقلابية”.
 
وينص الفصل 72، على أنّ “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور”.
 
وبحسب المحلل، فإن المهم في هذا أن سعيد أنهى أزمة حكم تواصلت منذ 2011.
 
وتتلخص أزمة الحكم الحاصلة منذ 2011، وفق دغيم في عدم الاستقرار الحكومي (تعاقب الحكومات) وعدم انسجام السلطتين التنفيذية و التشريعية و كذلك ازدياد حجم التداين الأجنبي.
 
واستدرك قائلا: “لكن سعيد فتح أزمة جديدة وعميقة وهي أن كل المؤسسات الدستورية والديمقراطية بالبلاد معطّلة فليس لنا محكمة دستورية ولا مجلس نواب، والهيئات الدستورية تم تعطيل أغلبها، والحكم بيد شخص واحد يحكم بالتدابير والاستثناءات وهو الرئيس سعيد”.
 
** حاجة إلى خارطة طريق مكشوفة
 
ويعتبر دغيم أن ما تريده تونس اليوم هو “خارطة طريق مكشوفة، فالاستشارة (الإلكترونية) لم تكن واضحة لأنها فشلت مهما تكن التبريرات بدليل العزوف عن المشاركة حسب الإحصائيات الرسمية المنشورة”.
 
وفي 20 مارس/ آذار المنصرم، أعلن سعيد انتهاء الاستشارة الشعبية التي أطلقها منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي؛ قائلا إن “أكثر من نصف مليون (إجمالي الناخبين المسجلين يبلغ 7 ملايين) شاركوا فيها، في وقت اعتبرت فيه قوى وهيئات عديدة بالبلاد أن الاستشارة “فشلت”، لكن سعيد يرى أنها نجحت بتحقيق هدفها.
 
وتهدف هذه الاستشارة لمعرفة التوجهات العامة للمواطنين حول مجموعة من الملفات المتعلقة بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وستفضي إلى استفتاء على تعديل للدستور (في يوليو).
 
ويلفت دغيم الانتباه إلى “أن هذا الصراع لن يفيد التونسيين، وعلى الرئيس الشروع في الإعداد لاستفتاء لمعرفة آراء التونسيين حول النظام السياسي والنظم الانتخابية ودور الأحزاب بصفة عامة لا على قاعدة استشارة فاشلة، وليس في ظل حكم الاستثناء”.
 
ويتابع أن “المسار الديمقراطي الذي انطلق منذ 2011 لا بد أن يتواصل في كنف احترام القوانين والدستور والتفكير بجدية في حلول اقتصادية واجتماعية خاصة بعد الصعوبات الكبيرة التي تعاني منها البلاد”.
 
ويعتقد المحلل السياسي أنه “كان يمكن حل البرلمان منذ 6 أشهر، وأن نفكر في إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، حتى تتجنب البلاد خسارة سياسية واقتصادية، ولكن تونس أهدرت الكثير من الوقت”.
 
** “معارضة مستفزة”
 
من جانبه، يلوم المحلل السياسي محمد بريك، المعارضة لعقدها جلسة برلمانية بالرغم من تجميد اختصاصات مجلس النواب.
 
ويقول:” الرئيس سعيد كان قد أعلن عن خارطة طريق منذ مدة وذلك باستفتاء في 25 يوليو وانتخابات تشريعية في 17 ديسمبر، لكن المعارضة التونسية صارت مستفزة له وذهبت إلى عقد جلسة برلمانية”.
 
ويرى بريك أن المعارضة “ضربت بذلك قرارات سعيد عرض الحائط ودفعته إلى تفعيل الفصل 72 للإبقاء على خطته قائمة الذات”.
 
ويستبعد المحلل السياسي “أن يذهب سعيد إلى حملة اعتقالات كما هو متداول في وسائل الاعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي”، معتبرا أن “خطته واضحة وهي دعوة الناخبين يوم 4 مايو (أيار) للتحضير لعملية الاستفتاء في يوليو المقبل”.
 
ويوضح أن “المواطن التونسي لا يهتم بالشأن السياسي عادة في شهر رمضان، ولا أظن أن الأيام القادمة ستشهد تصعيدا، وبعد العملية الانتخابية ستنتهي هذه الفترة السابقة وندخل في حقبة جديدة”.
 
ويتابع بريك “لن يذهب الرئيس سعيد – على الأقل في الوقت الراهن – إلى سياسة الإقصاء التي عانينا منها عقودا من الزمن”.
 
ويؤكد أن ما نريده هو “الدستور الذي يحمي الدولة والشعب، ولكن رسالة رئيس الجمهورية (خطابه الأخير) كانت واضحة من خلال تهديد مبطن لحركة النهضة”.
 
ولم يوضح بريك مقصده من التهديد المبطن، لكن سعيد حذر في كلمته الأربعاء، من أن “أي لجوء للعنف سيواجه بالقانون” متوعداً بالملاحقة القضائية للمشاركين في “المحاولة الانقلابية”.
 
Exit mobile version