المصريون يكتوون بنار الأسعار قبل رمضان

 

مع ارتفاع الأسعار جراء حرب أوكرانيا وغيرها من الأسباب، بات معظم المصريين يعانون من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسية ويخشون أن يؤدي رفع سعر الفائدة إلى موجات من زيادة الأسعار مع انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار.

زينب محمد، التي تعمل في إحدى مدارس القاهرة، باتت محرومة من الكثير من الرفاهية هي وأسرتها المؤلفة من ثلاثة أبناء، إذ باتت تسعى جاهدة لتقليل نفقات أسرتها حتى الضرورية منها مع موجة ارتفاع الأسعار غير المسبوقة.

وتقول في مقابلة مع “دويتشه فيله”: “الغلاء حتى قبل الحرب في أوكرانيا أثر بشكل كبير على كل الجوانب، سواء التعليم فقد قمت بنقل أبنائي من المدارس الخاصة إلى الحكومية، وقمنا بإلغاء الأنشطة الرياضية، لا نادي ولا ترفيه”، وتضيف: “قمت بتقليص شراء الطعام، كنت أشتري خزين البيت بالشهر الآن نشتري حسب الحاجة وبكميات أقل كثيراً”.

وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية في مصر حتى قبل غزو روسيا لأوكرانيا، فيما أفاد جهاز الإحصاء المصري بارتفاع معدل التضخم السنوي ليبلغ 10% لشهر فبراير، مسجلا النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2019 حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 20.1%.

وخفضت مصر قيمة عملتها المحلية أمام الدولار الأمريكي بنسبة 14% تقريباً في محاولة للحد من تبعات أزمة الحرب الروسية-الأوكرانية ليسجل عند منتصف ليل الاثنين الثلاثاء 18.7 جنيهاً مقابل الدولار مقارنة بـ 15.6 جنيهاً مصرياً حتى ليل الأحد الماضي.

وأعلن البنك المركزي المصري أنه تقرر زيادة سعر العائد على الإقراض والودائع بنسبة 1%، مضيفاً أن الصراع الروسي-الأوكراني أدى إلى “ضغوط تضخمية محلية وزيادة الضغط على الميزان الخارجي”.

تخفيض النفقات أكثر

ومع توقعه بزيادة الأسعار جراء انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، بات على محمد مهدي، الذي يعمل في مجال التسويق الرقمي، تخفيض نفقات أسرته أكثر وأكثر رغم قدوم شهر رمضان؛ حيث كان من المفترض أن ينفق أكثر كما أعتاد في الأعوام السابقة.

ويقول لـ”دويتشه فيله”: إن ذلك انعكس سلباً على كافة أمور البيت من حيث شراء المتطلبات والاحتياجات الأساسية للمنزل كالخبز واللحوم ومتطلبات الطعام والخضروات والفاكهة؛ مما اضطرني إلى تقليل بعض الكميات خاصة اللحوم والفاكهة وإلغاء البعض الآخر من المتطلبات الأقل أهمية.

ويضيف: دفعني ذلك إلى إيقاف عمليات الشراء لبعض المتطلبات الأخرى التي لا علاقة لها ببند المأكل والمشرب ومتطلبات المعيشة.

حرب أوكرانيا.. أحد الأسباب

بدوره، أرجع الخبير الاقتصادي مدحت نافع، مستشار وزير التموين، ارتفاع الأسعار في مصر بشكل كبير إلى الحرب في أوكرانيا وتداعيات جائحة كورونا.

وصرح لـ”DW عربية” بأن “ارتفاع الأسعار يعد أحد أعراض الموجات التضخمية التي أصابت العالم كله بما في ذلك مصر، خاصة ما يتعلق بسلاسل الإمداد، أولاً بسبب جائحة كورونا، وثانياً الصدمة الآنية جراء الحرب بين روسيا وأوكرانيا ولا سيما العقوبات والعقوبات المضادة فضلاً عن الزيادة في أسعار النفط ومشتقاته”.

ويتفق في هذا الرأي، حمدي الجمل، رئيس القسم الاقتصادي بمجلة “الأهرام العربي” والخبير الاقتصادي الذي يقول: “الحرب الروسية-الأوكرانية غيرت الأوضاع الاقتصادية في العالم كافة، فأوروبا كلها تعاني من ارتفاع أسعار النفط وما نجم عنه من ارتفاع أسعار النقل والشحن البحري والجوي في ظل ضبابية المشهد”.

بيد أن الخبير الاقتصادي يشير إلى أسباب أخرى قد لا تكون مرتبطة بالصراع في أوكرانيا بل تعود إلى سياسات الحكومة الاقتصادية.

وفي هذا السياق، يرى أن “غياب الرقابة الحكومية وإيمان الحكومة بالرأسمالية المتوحشة أكثر من صانعي هذه السياسة في أوروبا وأمريكا، حيث الرأسمالية لها ضوابط، لكن في مصر الرأسمالية تأخذ فقط من جيوب الفقراء لصالح الأغنياء، فضلاً عن هشاشة الصادرات المصرية، بمعنى ارتفاع فاتورة الاستيراد بمعدل ضعفي الواردات”.

تدخل حكومي أكثر

أما الحكومة المصرية فتولي اهتماماً بالغاً لأزمة ارتفاع أسعار الغذاء إذ قرر رئيس الحكومة مصطفى مدبولي تسعير الخبز الحرّ غير المدعوم للحد من ارتفاع ثمنه وفرض غرامات مالية على المخالفين، كذلك، أعلن مدبولي عن زيادة المعاشات بنسبة 13% والعلاوات الممنوحة لموظفي القطاع العام بنسبة تتراوح ما بين 8 إلى 15% بداية من أبريل المقبل.

ورغم ذلك، يشدد الخبير الاقتصادي حمدي الجمل على ضرورة اتخاذ المزيد من القرارات والإجراءات من جانب الحكومة.

وحسب رأيه “بداية يجب أن تقوم الحكومة بتطبيق ما تقوم به الحكومات في أوروبا وأمريكا فيما يتعلق بالرأسمالية في سياق ضبط الأسعار، يجب أن تصدر الحكومة قوانين ضبط الأسعار كما حدث في تحديد سعر الخبز وتسن القوانين الخاصة بمحاربة الاحتكار”.

ويضيف بأنه “يتعين على الدولة أيضا أن تتدخل عبر شركاتها في وزارة التموين والوزارات الأخرى المتمثلة تقريبا في 48 شركة لتقوم باستيراد السلع الأساسية جنبا إلى جنب مع القطاع الخاص، يتعين أن تنافس الدولة القطاع الخاص بل تقهره حتى تعود الأسعار إلى ما كانت عليه”.

كما يتوقع عدد من الخبراء أن يكون خفض قيمة الجنيه ورفع سعر الفائدة بمثابة تمهيد لحصول مصر على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، ما يمكن أن يقود إلى رفع أسعار المحروقات على المدى المنظور، وعادة ما يضيف رفع سعر الفائدة أعباء إلى موازنة الحكومة، لأنها ترفع كلفة الاقتراض، كما يزيد خفض العملة من كلفة الاستيراد، لكنه على الجانب الآخر يجذب المستثمرين لأدوات الدين الحكومية فيما يعرف بـ “الأموال الساخنة”.

وتشير أرقام “فوربس الشرق الأوسط” إلى أن حجم استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية قد وصل إلى 334.1 مليار جنيه مصري حتى يناير 2022، أي أكثر من 18 مليار دولار وفقاً لسعر الصرف الحالي.

وكانت مصر قد قامت بخطوة مشابهة منذ أقل من ست سنوات، حيث حررت سعر صرف الجنيه أمام الدولار في نوفمبر 2016، ورفعت أسعار الوقود في إطار حزمة إجراءات للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.

غضب وسخرية

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، أثار قرار البنك المركزي رفع سعر الفائدة موجة من الغضب خاصة وأنه تزامن مع ارتفاع الأسعار ما أدى إلى توجيه رواد التواصل الاجتماعي انتقادات لاذعة للحكومة.

ولم يقتصر الأمر على انتقاد الحكومة بل امتد إلى اتهامها بانتهاج سياسات تضر بالمجتمع المصري في بلد يبلغ معدل الفقر فيه نحو 30%، بحسب البيانات الرسمية.

ورغم حالة الغضب جراء ارتفاع الأسعار، فلم تغب الفكاهة وخفة دم المصريين، عن تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي حيث قام الكثيرون بنشر صور وتعليقات تتسم بالسخرية.

لا بيع ولا شراء

ويبدو أن تأثير ارتفاع الأسعار بهذه المعدلات غير المسبوقة تساوى فيه المواطن العادي والتاجر على حد سواء، فمع اقتراب شهر رمضان، كان المتجر الذي يعمل فيه سامح علي في منطقة السيدة عائشة الشعبية في القاهرة، يشهد ازدحاماً وإقبالاً كبيراً على شراء المنتجات والسلع الرمضانية.

بيد أن المتجر يبدو وكأنه يشهد عزوفاً من المستهلكين، يقول سامح ويضيف لـ”DW” عربية “شخصياً: لا أفهم كيف يمكن للمواطن العادي شراء هذه السلع مع ارتفاع أسعارها بهذا الشكل.

أما أبو ربيع ذو الستين عاماً فلم يجد أمامه سوى الجلوس على كرسي وهو ينظر إلى متجره البسيط لبيع الفاكهة في محافظة الجيزة وقد خلا من الزبائن رغم أن التوقيت كان ساعة الذروة.

ويقول لـ”DW” غربية “الفاكهة هنا على الأرفف كما هي، كان المحل يزدحم بالناس لأننا في منتصف النهار، لكن للأسف مع ارتفاع الأسعار، أصبح الحال لا بيع ولا شراء”.

Exit mobile version