تونس.. أزمة الخبز تستفحل وسط مأزق سياسي وانهيار اقتصادي

 

تعيش المخابز في تونس حالة من التوتر والفوضى، مع مشاهد لطوابير المواطنين الراغبين في الحصول على ما يكفي أسرهم من الخبز التي وصلت في بعض الحالات إلى التدافع بالأيدي.

وأغلقت بعض المخابز أبوابها، كما أن كثيراً منها لم تحصل على مستحقاتها لدى الدولة، وهو ما يهدد بانتفاضة عارمة تذكر التونسيين بما اصطلح عليه بثورة الخبز عام 1984م.

أزمة الخبز في المحافظات

ففي محافظة تطاوين، أصدرت الغرفة الجهوية للمخابز بلاغاً طالبت فيه بالتعجيل في صرف مستحقاتها المالية لدى الدولة طيلة 11 شهراً، وأدّى هذا التأخير إلى مشكلات مادية خانقة للمهنيين، مؤكّدة أنّها في صورة عدم تحقيق مطالب منظوريها، فإن الغرفة ستكون مجبرة على توخي كل ما من شأنه المحافظة على ديمومة مواطن رزقهم بما في ذلك التوقّف عن العمل.

وأوضحت أن اجتماعاً عقدته بحضور عدد كبير من أصحاب المهنة يظل مفتوحاً إلى حين الوصول إلى حلول، مشيرة إلى صعوبة التزود بمادة الدقيق من المطاحن ممّا جعل أصحاب المخابز في وضعية مالية صعبة، وقد حاول أصحابها عديد المرات الحصول على مستحقاتهم التي لم يتم صرفها منذ أكثر من 11 شهراً، حسب نص البلاغ.

أصحاب المخابز بسوسة طالبوا بصرف مستحقاتهم أو التوقف عن تسديد مستحقات الدولة

كما طالب أصحاب المخابز بمحافظة سوسة بالإسراع بصرف المستحقات المالية للمخابز بعد التأخير الحاصل في صرفها الذي تجاوز أكثر من 10 أشهر؛ مما أرهق كاهل أصحابها الذين وصلوا إلى مرحلة الإفلاس.

تهديد بوقف دفع الضرائب

ويشير رئيس الغرفة النقابية الجهوية للمخابز بسوسة الأسعد التاقرتي إلى أن أصحاب المخابز بولاية سوسة سيعمدون في صورة تواصل عدم صرف مستحقاتهم إلى التوقف عن تسديد مستحقات الدولة على غرار المعاليم الجبائية، والفواتير، وأقساط الضمان الاجتماعي، مستبعداً اللجوء إلى تنفيذ إضراب إقليمي.

وقد عبّر أغلب أصحاب المخابز عن رفضهم رفع سعر الخبز، مؤكدين أن قدرتهم على توفير مادة الخبز تبقى رهينة وتيرة التزويد بالدقيق الذي تتأخر المطاحن في توفيره بالقدر الكافي، في حين عمدت العديد من المخابز إلى رفع سعر الخبز بنسبة 50 مليماً للرغيف الواحد على مرأى ومسمع من الدولة بما في ذلك المخابز بمحافظة سوسة التي رفعت في سعر الخبز من 200 مليم إلى 250 مليماً.

من جهته، أوضح المدير الإقليمي للتجارة بمحافظة سوسة فوزي طالب أن المحلات التي رفعت في الأسعار هي فقط المحلات غير المصنّفة التي لا يخضع نشاطها لنظام الترخيص ولا تنتفع بحصص من الدقيق المدعم، وكثيراً ما يقع الناس في أحابيل التحيّل، حيث لا يفرقون بين المخابز التي تبيع خبزاً مدعماً وتلك التي تشتري الدقيق بسعره الأصلي.

ولا يقف الأمر عند ارتفاع الأسعار، بل أصبح من النادر أن يظفر التونسيون بالخبز بعد منتصف النهار، لذلك يعمد كثيرون لشراء حاجتهم من الخبز منذ ساعات الصباح.

عباسي: الانقلاب حرم تونس من تمويل ميزانية 2021 و2022

أما الراغبون في شراء الدقيق لإعداد وجبات منزلية فلا يمكن تزويدهم بأكثر من كيلو واحد للمشتري وتحت إشراف السلطة الإدارية للجهة، وهو ما لم يحدث إطلاقاً في تاريخ تونس بشهادة الرئيس قيس سعيّد نفسه، بل في أحلك الظروف، وفق تعبيره.

تدهور الوضع الاقتصادي

افتقاد الخبز يعكس الوضع الاقتصادي العام في البلاد، ويقول عبدالسلام عباسي، الخبير الاقتصادي مستشار رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي، لـ”المجتمع”: كنا قدمنا برنامج إصلاح اقتصادي لصندوق النقد الدولي قبل الانقلاب، ونال استحسان العديد من البلدان الصديقة مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وكندا واليابان، وحصلنا على الدعم السياسي الدولي لهذا البرنامج، وكدنا نحصل على القرض بضمانات أمريكية، لكن الانقلاب دمّر كل ما بني وأوقف كل شيء وحرم تونس من تمويل ميزانية 2021 و2022، كما حرمت تونس من تمويل أوروبي بـ300 مليون يورو، وتمويل من الولايات المتحدة بـ500 مليون دولار، وتراجعت تونس تبعاً لذلك في الترقيم الدولي إلى جانب تراجع تصنيف 4 بنوك تونسية.

وبسبب وقف البنك الدولي التمويل، امتنعت دول أخرى من إقراض تونس، وانعكس ذلك على سلوك المزودين الدوليين الذين باتوا يطالبون بدفع مستحقاتهم نقداً.

ويضيف عباسي أن ميزانية عام 2022 بنيت على افتراضات من بينها تمويلات من السعودية ومن الإمارات، ولا نعرف كيف أغلقت ميزانية عام 2021، كما بنيت على افتراضات غير واقعية ولا سيما فيما يتعلق بأسعار المحروقات التي ارتفعت بسبب الحرب في أوكرانيا، وبالتالي أسعار المحروقات سترتفع بنسبة 4 مليارات دينار، والمواد الغذائية بمليار دينار لارتفاع أسعار الحبوب، ومع حقيقة أن الدينار سيشهد تقهقراً، فإن فوائد الديون سترتفع تبعاً لذلك، بداية من أبريل المقبل.

Exit mobile version