هل تؤدي الحرب الروسية الأوكرانية لـ”ربيع عربي” جديد بسبب جنون الأسعار؟

 

مع تصاعد الحرب الروسية الأوكرانية وتدفق المتطوعين الأجانب على طرفي النزاع، وتعطل سلاسل توريد السلع وارتفاع أسعار الشحن، وجنون أسعار النفط والغذاء، بدأ خبراء وسياسيون يحذرون مجدداً من ربيع عربي جديد بنكهة غضب شعبي.

وبدأت احتجاجات “الربيع العربي” عام 2011م في تونس، ثم امتدت إلى بلدان أخرى، هي مصر واليمن وليبيا وسورية والبحرين والسودان.

ورغم عودة الثورات المضادة، لا تزال مراكز الأبحاث العالمية تحذر من بقاء النار تحت الرماد، وأنها تنتظر ما يشعلها مجدداً، وهو ما يتمثل في حريق الأسعار والغلاء الذي تكتوي به الشعوب العربية، مع تداعيات الحرب.

فقد حذر البنك الدولي، الخميس الماضي، من احتجاجات وأعمال شغب، مشابهة لأحداث “الربيع العربي” التي انتشرت بعدة دول عربية منذ عام 2011م، بسبب التضخم الناتج عن الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقالت كارمن راينهارت، رئيسة الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي: إن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا قد يفاقم مخاوف الأمن الغذائي القائمة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وقد يؤدي لاضطرابات اجتماعية.

وأوضحت راينهارت في مقابلة مع “رويترز “: ستكون هناك تداعيات مهمة على دول بالشرق الأوسط وأفريقيا، لأنها تعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي.

وأضافت: من المعروف أن انعدام الأمن الغذائي وأحداث الشغب كانا جزءاً من “الربيع العربي”، مشيرة إلى زيادة الانقلابات في بعض الدول خلال العامين الماضيين.

البنك الدولي: ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء قد يفاقم مخاوف الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وأفريقيا

ومن الممكن أن تؤدي “الزيادات المفاجئة” في أسعار الغذاء إلى اضطرابات اجتماعية مثلما حدث في عام 2007-2008 (خلال الأزمة الاقتصادية العالمية)، ثم مجدداً في عام 2011، عندما ارتبطت أحداث شغب في أكثر من 40 دولة بارتفاع أسعار الغذاء العالمية.

وحذر البنك من أن التداعيات قد تكون قاسية، خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تستورد بلدان مثل مصر نحو 80% من القمح الذي تحتاجه، من أوكرانيا وروسيا، وموزامبيق أيضاً على سبيل المثال تعتبر مستورداً كبيراً للقمح والزيت.

ويقول خبراء: إن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء قد يساهم بزيادة ديون العديد من البلدان منخفضة الدخل، وهناك نحو 60 دولة تعاني من “ضائقة الديون”.

غضب شعبي قادم

وتحدثت صحيفة “ديلي تليجراف” البريطانية، أول مارس الجاري، عن تأثير الحرب في أوكرانيا على إمدادات الطعام إلى الشرق الأوسط، وإن كانت ستقود إلى ربيع عربي جديد.

أكدت أن تعطل وصول القمح والمحاصيل زاد أسعار القمح بنسبة 25% منذ الغزو الروسي، في 24 فبراير الماضي، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر مع السيطرة على الموانئ الأوكرانية أو تعرضها للقصف الروسي، ما يؤثر بشكل مباشر على شعوب المنطقة ويدفعهم للغضب.

وقالت “ديلي تليجراف”: إن زيادة أسعار القمح يؤثر على مصر ودول عربية منها لبنان وسورية واليمن والسودان ويؤدي للغلاء الذي يدفع للثورة الشعبية.

ونقلت عن شركة “بي سي إي للأبحاث”: إن عدم تدفق المواد الغذائية من منطقة البحر الأسود يهدد الصادرات إلى الشرق الأوسط الذي يعد سوقاً رئيسة، ويزيد من الضغوط على وضع احتياطي الحبوب في المنطقة؛ ما قد يقود إلى أعمال الثورة التي حدثت أثناء “الربيع العربي” عام 2011.

شركة “كابيتال إيكونوميكس” قالت أيضاً: إن مصر، تحديداً، تعد عرضة للمخاطر؛ لأن نسبة 90% من واردات القمح تأتي من روسيا وأوكرانيا.

وقال جيمس سوانتون من “كابيتال إيكونوميكس”: عامل خطر رئيس يأتي من تخفيض الدعم وزيادة معدلات التضخم في الطعام ما يهدد باضطرابات.

وأضاف: كلا العاملين ساهم في الاحتجاجات أثناء انتفاضة “الربيع العربي” عام 2011، وقال: إن زيادة الأسعار، إلى جانب الاقتصاد الذي ضرب بسبب أزمة “كوفيد” قد يقود إلى إحباط ينفجر على شكل اضطرابات جديدة.

مصر على صفيح ساخن

مظاهر الغضب الشعبي بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار مع اقتراب شهر رمضان وبسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي واكبها انهيار في عوائد السياحة وارتفاع أسعار النفط وانهيار الموازنة، بدأت تظهر بوضوح في مصر.

“إيكونوميكس”: مصر تعد عرضة للمخاطر لأن نسبة 90% من واردات القمح تأتي من روسيا وأوكرانيا

تمثل هذا في تصاعد ظهور فيديوهات الغضب لمصريين على مواقع التواصل من صعوبة المعيشة والغلاء والارتفاع الجنوني في الأسعار بفعل حرب روسيا.

دفع هذا الرئيس عبدالفتاح السيسي لزيارة المملكة العربية السعودية بشكل مفاجئ، في 8 مارس 2022، ومن قبلها الكويت، في محاولة للحصول على دعم خليجي عاجل، كما يؤكد مراقبون.

يراها مراقبون أشبه بـ”زيارة استغاثة” لإنقاذ السلطة في مصر من مواجهة تداعيات ثورة شعبية قد تصبح دموية مع تصاعد الغضب الشعبي لغلاء المعيشة الذي أججته حرب أوكرانيا.

وهو ما وصفه مصدر خاص لصحيفة “العربي الجديد” بقوله: إن السيسي “ذاهب برسالة للسعوديين، مفادها بأن الوضع في مصر بات على شفا انفجار، وقد يصعب على الجميع وفي المقدمة دول الخليج، السيطرة على تداعياته”.

وتزايدت شكاوى المصريين في الأيام الأخيرة من ارتفاعات حادة في أسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية، وارتفع سعر القمح بالسوق المحلية بنحو ألف جنيه للطن، ليتراوح بين ستة آلاف إلى 6500 جنيه مصري (نحو 420 دولاراً).

وزاد سعر الخبز غير المدعم بمقدار النصف وينتظر المدعم ارتفاعاً مماثلاً بنسبة 100 أو 200%، كما ارتفعت أسعار الوجبات الشعبية العادية خصوصاً الفول والطعمية.

وحتى اللحوم المستوردة التي يلجأ لها غالبية المصريين لارتفاع المحلية ارتفعت الأسعار ما بين 20 إلى 50% في أيام معدودة بحسب ما تم رصده، في ظل تقارير تحذر من ارتفاعات جديدة خلال الأيام المقبلة.

حيث أعلنت شعبة القصابين بالغرفة التجارية في القاهرة رفع سعر اللحم البرازيلي المستورد بنحو 50 جنيهاً للكيلو الواحد، فيما زادت اللحوم المستوردة السودانية 40 جنيهاً للكيلو، وهذه اللحوم تلجأ إليها الطبقات محدودة الحال في مصر.

كما صعد سعر طن الزيوت، حيث تستورد مصر الزيوت من الأرجنتين، ودول البحر الأسود وإندونيسيا وماليزيا وزاد سعر طن الزيت إلى 28 ألف جنيه مقابل 25 ألف جنيه.

كما صعدت أسعار الذرة الصفراء خلال الأسبوعين الماضيين في الأسواق ألفي جنيه للطن، التي تذهب منها نسبة 60 إلى 70%، كعلف للحيوانات.

كما ارتفعت أسعار الحديد التي تدخل في صناعة البناء، مما يهدد بعض المشاريع التي يتم العمل عليها حالياً.

وأعلن عدد من شركات الطيران الروسية عن إلغاء كافة الرحلات الدولية بدءًا من اليوم، وذلك على خلفية العقوبات الواقعة على روسيا جراء الحرب مع أوكرانيا، حيث منع الاتحاد الأوروبي أي طائرة روسية من استخدام مجاله الجوي، وكذلك أنهت شركات الطائرات عقود تأجير شركات الطيران الروسي للطائرات.

كما توقفت رحلات السياح الأوكرانيين لمصر تماماً واضطرت مصر لتحمل تكاليف 4 آلاف سائح منهم مجاناً.

Exit mobile version