الاستشارة الالكترونية التونسية.. مشاركة ضئيلة وسط دعوات للمقاطعة

رافق الاستشارة التونسية “الإلكترونية” جدل واسع في الأوساط الشعبية والسياسية بين من يعتبرها سبيلا لوضع استراتيجية واضحة للمرحلة المقبلة، ومن يدعو إلى مقاطعتها ويرى أنها شكلية وأهدافها محددة مسبقا.
 
والاستشارة الالكترونية، أعلن عنها الرئيس قيس سعيد، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وانطلقت رسميا منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، على أن تنتهي في 20 مارس/آذار الجاري.
 
وتهدف هذه الاستشارة لمعرفة التوجهات العامة للمواطنين حول مجموعة من الملفات المتعلقة بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وستفضي إلى استفتاء على تعديل للدستور.
 
وتأتي هذه الاستشارة ضمن حزمة من الخطوات التي رسمها الرئيس لخارطة طريق تبدأ بها، ثم باستفتاء على تعديل الدستور في 25 يوليو/ تموز القادم، وتنتهي بانتخابات برلمانية مبكرة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل (عيد الثورة).
 
وقبل أيام، اتهمت الرئاسة، أطرافا (لم تسمها) بمحاولة إجهاض “الاستشارة الإلكترونية، سيما وأن عدد المشاركين فيها لم يتجاوز (حينها) 244 ألف مشارك”.
 
ويبلغ عدد سكان تونس أقل من 12 مليون نسمة، بينهم أكثر من 7 مليون ناخب مسجل.
 
** خطوة أولى
 
اعتبر المحلل السياسي صغير الحيدري، أنّ “الاستشارة تمثل خطوة أولى في خارطة الطريق التي أطلقها سعيد، في ديسمبر، وفي نجاحها نجاح للخارطة ككل”.
 
وأضاف الحيدري، أن “فشل الاستشارة أمر أصبح متداولا حتى من قِبل عدة مسؤولين”.
 
واستدرك أن “ذلك لن يكون فشلا لخارطة الطريق، لأن الاستشارة مرتبطة مباشرة بإمكانيات التونسيين المتواضعة، ومن أهم ذلك الولوج لشبكة الانترنت، التي يعد مستواها ضعيفا ورديئا جدّا”.
 
وفي تصريحات سابقة له، لفت وزير الشباب والرياضة كمال دقيش، أن “غياب التغطية بالانترنت في عدة مناطق سبب ضعف الإقبال على الاستشارة الالكترونية”.
 
واعتبر الحيدري، أن “هناك تفاؤل مبالغ فيه من الأصوات المعارضة لقيس سعيد، التي تعتبر أن فشل الاستشارة فشل لخارطة الطريق ككل، ولكن لا تزال هناك خطوات أخرى أهم منها”.
 
وأشار إلى أن “الاستفتاء أحد أهم خطوات الخارطة التي طرحها قيس سعيد، والذّي سيعرف برأيي نسب حضور ومشاركة أقوى”.
 
** إقبال ضعيف
 
من جانبه يرى الباحث في الشؤون السياسية حمزة المؤدب، أن “الإقبال على الاستشارة ضعيف وبعيد عن كل انتظارات (توقعات) الحكومة”.
 
وقال المؤدب، “الاستشارة خطوة لم تحظ بقبول واسع لدى الرأي العام، من خلال العدد المخجل للمشاركين”.
 
وأردف “عدم الإقبال من شأنه أن يضرب شرعية العملية السياسية ككل، خاصة وأن هدف الاستشارة تحديد الخطوط العريضة للاستراتيجية السياسية التي وضعها قيس سعيد”.
 
وخلص المؤدب، إلى أنه “يصعب اليوم تحديد وصياغة الخطوط العريضة لاستراتيجية سعيد، عبر عدد ضئيل من المشاركين، فآراؤهم لا يمكن أن تعكس مقترحات شعب بأكمله”.
 
** تيسير التفاوض مع الخارج
 
يحذر الحيدري، من أن فشل الاستشارة قد يؤثر على مصداقية العملية السياسية في الخارج.
 
وأوضح أن “الخوف اليوم كله من الخارج، الذي يشترط عملية سياسية تحقق الإجماع والشفافية المطلوبة، خاصة ونحن في مفاوضات صعبة ومعقدة مع المانحين الدُوليين”.
 
وأضاف أن “نجاح الاستشارة سيحفز الخارج على سهولة (تيسير) التفاوض مع تونس، كما سيحفز الداخل على المشاركة فيما بعد في الاستفتاء”.
 
واعتبر الحيدري، أن “فشلها لن يكون له تأثير كبير (..) خاصة أنها خطوة أولى غير ملزمة قانونيا، وليس لها أثر سياسي”.
 
وشدد على “ضرورة بذل جهد لخلق مصداقية للعمليّة السياسية لدى الخارج، فلدينا مفاوضات شاقة وصعبة مع صندوق النقد الدولي، حتى نحصل على الدعم اللازم”.
 
** غير ملزمة
 
ويرى الحيدري، أنّ “الاستشارة خطوة ليست حاسمة، هي فقط عنصر ممهد للخارطة ككل، فهناك أيضا حوار مرتقب طرحه الرئيس ليس كبقية الحوارات، سيحدد لاحقا الأطراف التي ستشارك فيه”.
 
وتابع أن “الاستشارة في النهاية ليست ملزمة، بل جُعلت فقط لأخذ الآراء بخصوص مسائل متعددة، على غرار التنمية، والصحة، والتعليم، والسياسة…”
 
في الوقت نفسه، لا يعتبر الحيدري، الاستشارة “شكلية”، بل تتضمن أسئلة “تتعلق بمسائل يومية، وبقضايا سياسية، على غرار نظام الحكم، حتى يتمكن المشاركون من حق الاختيار”.
 
** مشروعية مسار
 
في المقابل يعتبر المؤدب، أنّ “فشل الاستشارة ينبئ بضرب مشروعية المسار السياسي الذّي أطلقه سعيد ككل”.
 
وأرجع هذا الفشل إلى عدة أسباب بينها “عدم القيام بعمل توعوي خاص بهذه الاستشارة لحث الناس على المشاركة فيها”.
 
واعتبر المؤدب، ذلك خطأ فادحا، خاصة وأن “حملات التوعية بدأت هذه الأيام، أي قبل وقت قصير من انتهاء آجال الاستشارة”.
 
وأضاف أن “اهتمامات الناس في وادٍ آخر، بعيدا عن المقترحات السياسية، فكل همهم هذه الأيام القدرة الشرائية المتداعية، وغلاء المعيشة، والأسعار المتزايدة يوما بعد آخر، والوضع الاقتصادي الصعب عموما، ما يفسر عدم إقبالهم على الاستشارة”.
 
وأشار المؤدب، إلى أن “البلاد تعيش اليوم نفورا عاما من السياسة والمشاركة فيها، سيما وأن فئات من الشعب لم تشعر بأنها حققت مطالبها طيلة سنوات”.
 
وتساءل “هل سعيّد، سيأخذ بعين الاعتبار فعلا ما سيأتي في مقترحات وأجوبة المشاركين في الاستشارة؟”
 
وقال “وكأن الرئيس يعرف جيدا أين ستصل الاستشارة، وما نتائجها، وأن خطوطها العريضة معلنة مسبقة، وما أمر الاستشارات إلا مسائل شكلية لإضفاء طابع ديمقراطي تشاركي عليها”.
 
وتابع “في ظل حقيقة عدم الإقبال على الاستشارة، بات من الواضح أن العملية السياسية ككل في محل استفهام كبير”.
 
** سلاح بيد المعارضة
 
لم ينف الحيدري، وجود أخطاء وقعت فيها السلطة، خاصة في التعامل مع بعض الوجوه السياسية عبر بعض التوقيفات، والإقامات الجبريّة، التي تعود بنتائج سلبية، وتعطي صورة سلبية عن البلاد”.
 
واعتبر أن هذه الأخطاء “تدعم المقاربات والأطروحات التي تتقدم بها أطراف سياسية معينة، كحركة النهضة التي تلعب على وتر المظلومية”.
 
وبرر ذلك بالقول إن الطريقة التي تمت بها التوقيفات تحولت لسلاح في يد المعارضين”.
 
كما يرى الحيدري، أن “الإجابات ستكشف عن جزء مهم من آراء التونسيين حول الخيارات الكبرى، وبالتالي فإن الاستشارة عبارة عن استطلاع تعكس في جزء منها البعض من آراء المواطنين”.
 
واستطرد “في انتظار بلورة المقترحات وأخذها بعين الاعتبار، فإنه يجب تثمين الاستشارة”.
 
وشدد على أن الاستشارة “لن تعوض أي حوار وطني، لكنها جُعلت لوضع ملامح المرحلة القادمة، كتغيير نظام الحكم، والقوانين الانتخابية، أما الحوار فيتطلب مشاركة كل الأطراف على اختلافها”.
 
**دعوات للمقاطعة
 
وانتقدت عدة أطراف استشارة سعيّد الالكترونية، ودعت إلى مقاطعتها، على غرار رئيسة الحزب “الدستوري الحر” عبير موسي، التي اتهمت الرئيس سعيد، بتوظيف الاستشارة الإلكترونية “لأغراض ذاتية”، ووصفتها بـ”عملية تزوير تاريخية”.
 
من جانبه أعلن الحزب الجمهوري، رفضه تسخير مقدرات الدولة لتنفيذ المشروع السياسي للرئيس سعيّد.
 
كما دعت مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” الشعب إلى مقاطعة الاستشارة، التي دعا إليها الرئيس سعيد، واتهمته بتوظيف مؤسسات الدولة في مواجهة معارضيه.
 
حزب التيار الديمقراطي، أيضا دعا بدوره إلى المقاطعة، معتبرا أنها “عبث سياسي” .
 
من جانبه أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية بالبلاد)، رفضه للاستشارة الإلكترونية، معتبرا أنها “ربما تكون أداة لفرض أمر واقع والوصول إلى هدف مُحدد سلفا، دون تحديده”.
 
Exit mobile version