تونس.. أسباب وخلفيات رفع الإقامة الإجبارية عن البحيري

 

يأتي قرار وزارة الداخلية التونسية رفع الإقامة الإجبارية عن القيادي البارز في حركة النهضة نائب رئيسها رئيس كتلتها بالبرلمان نور الدين البحيري بعد تدهور حالته الصحية إلى درجة ذكر فيها طبيبه الخاص أنه لا يستطيع الوقوف، وأن وظائف عضوية شارفت على درجة الخطر.

كما يأتي القرار بعد مواصلة البحيري لإضراب الجوع دون توقف احتجاجاً على عدم قانونية احتجازه ودون توجيه أي تهم، علاوة على تحرك المجتمع المدني الذي أدان احتجاز البحيري على غير الصيغ القانونية، ووصلت الاحتجاجات إلى أروقة المنظمات الدولية وبالأخص الأمم المتحدة، حيث انتقدت مفوضية حقوق الإنسان التابعة لها عملية احتجاز البحيري بطرق بدائية وفي خرق واضح لحقوق الإنسان ومبادئ العدالة.

وقد كان لاحتجاز البحيري دور في تقارب المعارضة، ثم دعوة حركة النهضة للاحتجاج في المحافظات.

اختطاف البحيري واحتجازه كان انتقاماً منه لدوره في تجميع المعارضة

كما أن الرئيس قيس سعيّد تنصّل من الجريمة وقال: إنه لم يأمر بها، ولم يسع وراءها، ولا علاقة له بها، وهي القطرة التي يقال: إنها أفاضت كأس وزارة الداخلية ووزارة الصحة التي تؤكد النهضة أن وزيريهما يشتركان في جريمة احتجاز البحيري.  

وزارة الداخلية، في بيانها الذي سبق رفع الإقامة الإجبارية على البحيري، ذكرت بأن الاحتجاز كان لأسباب أمنية، ولكنها لم توضحها، تبيّن فيما بعد أنها تتعلق بمنح جوازي سفر لسوريين، عندما كان على رأس وزارة العدل، وهي تهمة لا يمكن توجيهها للبحيري، حيث إن منح جوازات السفر من صلاحيات جهات أخرى.

وذكرت وزارة الداخلية بأن تشكيل مجلس قضائي رئاسي بدل المجلس الأعلى للقضاء الذي تمت الإطاحة به على غرار البرلمان سيتمكن من محاكمة البحيري، رغم أن المجلس لا علاقة له بالقضايا المرفوعة ضد الخصوم.

بقيت فرضية أخرى، وهي أن اختطاف البحيري واحتجازه بتلك الطريقة الوحشية كان انتقاماً منه لدوره في تجميع المعارضة، وما يقال: إنه يملك وثيقة تؤكد مرض سعيّد بثلاثة أمراض ثقيلة من بينها “الأعصاب”، وأن الوثيقة جلبتها زوجة سعيّد القاضية للمجلس الأعلى للقضاء عندما قرر نقلها للسماح لها بالبقاء في العاصمة، ولذلك كان الانتقام من الجميع وهو حل المجلس واختطاف البحيري.  

هكذا اختطف البحيري

في 31 ديسمبر الماضي، والعالم يستعد لاستقبال عام جديد، تم اختطاف نور الدين البحيري بشكل عنيف وتعرض للضرب بشهادة زوجته، التي لم تسلم نفسها من البطش، وتم أخذ هاتفها الذي لم يعد إليها إلا بعد رفع الإقامة الجبرية عن زوجها، يوم 7 مارس الجاري.

الأوضاع الاقتصادية المتأزمة قد تكون لها دور في قرار رفع الإقامة الجبرية عن البحيري

كما روت زوجته وهيئة الدفاع ما جرى بعد ذلك من نقله إلى مكان مهجور، حيث سمع أصوات الذئاب في محاولة ربما لزرع الرعب في نفسه أو تركه في ذلك المكان الموحش، على طريقة لا يمكن للقارئ أن يخطئها أبداً.

وقد اعتبرت هيئات حقوقية وأحزاب تونسية وغير تونسية أن طريقة تنفيذ وزارة الداخلية لـ”قرار الإقامة الجبرية” بحق نائب رئيس حركة “النهضة”، رئيس كتلتها في البرلمان نور الدين البحيري، تمثل “احتجازاً خارج إطار القانون”، وجريمة ضد الإنسانية، محملةً رئيس البلاد، قيس سعيد، المسؤولية عن تداعيات عملية الاختطاف.

قراءة في الحدث

لا يستبعد كثيرون من أن يكون للأوضاع الاقتصادية المتأزمة التي تزيد تأزماً يوماً بعد يوم دور في قرار رفع الإقامة الإجبارية عن البحيري، حيث بات من المسلَّم به أن سعيّداً ساهم بشكل أو بآخر في الأزمة، وأصبح الجميع يحمله المسؤولية الشخصية بحكم أنه الحاكم المتفرد في البلاد، وأصبحت تصريحاته تتناقض مع ما تقوله الوزارات المختلفة، فعندما توعد المضاربين والمحتكرين واتهمهم برفع الأسعار، أصدرت وزارة التجارة بياناً أكدت فيه أن ارتفاع الأسعار سببه غلاء المواد في السوق العالمية.

وذكر خبراء اقتصاديون أن ندرة المواد، ولا سيما الدقيق، وإغلاق آلاف المخابز في البلاد جراء ذلك نتيجة لانعدام السيولة الناتجة بدورها عن عجز الحكومة في إقناع البنك الدولي وبقية الدائنين بتقديم القروض المطلوبة، ومنها 4 مليارات دولار بصفة مستعجلة.

ليس أمام سعيّد سوى الحوار مع الجميع أو المواجهة

الوضع السياسي والتوتر المزمن الذي عرفته البلاد بعد 25 يوليو الماضي ساهم بدوره في زحزحة السلطة القائمة أو سلطة الانقلاب كما يسميها كثيرون عن كثير من الشعارات والسياسات، وقد يكون رفع الإقامة الإجبارية عن البحيري حجر الزاوية في ذلك، ولا سيما بعد فشل الاستشارة الإلكترونية التي أرادها سعيّد استفتاء شعبياً لتمرير مشروعه الذي يفرغ الديمقراطية من محتواها، ويجعلها أشبه بالنظام الذي كان سائداً في ليبيا في عهد القذافي، وتصبح المراسيم التي تعبر عن هواه باسم الشعب كما يفعل الآن.

أيام عصيبة قادمة

يؤكد الخبراء أنه رغم قتامة الأوضاع في تونس، فإن الأسوأ لم يأت بعد في ظل ارتفاع سعر برميل النفط، وتواصل الحرب في أكرانيا حتى باتت مقولة “الحرب في أوكرانيا والمجاعة في تونس” حديث الناس في كل المحافظات، وتحذير البعض من ثورة لا تبقي ولا تذر تكون هذه المرة فوضوية إلى أبعد الحدود، خاصة إذا عجزت الدولة عن دفع الرواتب وتوفير المواد الأساسية لمعيشة الناس، وهي مخاطر تصدقها الحالة التي يعيشها التونسيون الآن.

فيما تنتظر النقابات خطاباً منتظراً لسعيّد موجهاً للشعب التونسي سيكون حاسماً في تحديد موقفها؛ إما المواجهة أو الانخراط في حوار وطني.

وليس أمام سعيّد سوى الحوار مع الجميع، أو المواجهة مع الجميع، وقد يلجأ لحركة النهضة لتعديل أوتار البلاد، كما فعل الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي الذي لم يجد بداً من التحالف مع حركة النهضة حتى لا يسقط في المجهول.

Exit mobile version