أكاديمي مغربي: الدول العربية تتعامل مع أزمة روسيا وأوكرانيا ببراغماتية حذرة

 

رأى الأكاديمي المغربي المختص بالعلاقات الدولية سعيد الصديقي أن الدول العربية تحاول الوقوف على مسافة واحدة من روسيا وأوكرانيا، مشيراً إلى أنه من الصعب توقع مآلات الحرب بينهما التي ستبقى مفتوحة على كل السيناريوهات.

وقال الصديقي، وهو أستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبدالله (حكومية) في فاس لـ”الأناضول”: إن الحرب الروسية الأوكرانية باتت في مرحلة حرجة، ومن الصعب الآن توقع مآلها، خاصة أن الطرفين المباشرين لم يحققا أي اختراق ميداني، كما لم يحقق أي منهما أي إنجاز منتظر.

وأطلقت روسيا، فجر 24 فبراير الماضي، عملية عسكرية في أوكرانيا، تبعتها ردود فعل دولية غاضبة وفرض عقوبات اقتصادية ومالية مشددة على موسكو.

الأزمة مفتوحة

واعتبر الصديقي أن الأزمة ستبقى مفتوحة على كل السيناريوهات، ولا سيما من الجانب الروسي الذي ظن أنه سيحسم المعركة خلال أيام قليلة.

وتابع: مآلات هذه الحرب تبقى غامضة من الناحية الميدانية والعسكرية، وكبار المحللين العسكريين والإستراتيجيين لم يتوقعوا هذه الورطة التي وضع فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه.

وأردف: على المستوى المرحلي، لا يمكن توقع شيء، وحتى المفاوضات التي انطلقت خلال الأيام الماضية لا يتوقع منها الشيء الكثير لأن الميدان لا يساعد على تحقيق اختراق دبلوماسي، لكن الوساطات التي تقوم بها بعض الدول مهمة في هذه المرحلة لإبقاء خطوط التواصل بين الأطراف.

وفي 28 فبراير، انطلقت المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا من خلال اجتماع وفدي البلدين التفاوضي في مدينة غوميل البيلاروسية، لكن لم تثمر عن شيء.

مستويات تأثير الأزمة

وحول انعكاسات الحرب على الدول العربية والمغرب، قال الصديقي: ينبغي التمييز بين مستويات التأثيرات، حيث يتوقع أن يتأثر المغرب والكثير من الدول العربية، خاصة المستوردة للقمح والغاز والنفط الذي سيشهد ارتفاعاً كبيراً خلال الأيام القليلة المقبلة.

وأضاف أن الارتفاعات المتوقعة في أسعار القمح والنفط والغاز في السوق الدولية ستزيد من وطأة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا في المنطقة، وأيضاً الجفاف غير المسبوق الذي تشهده بلدان شمال أفريقيا.

وأكمل: من الناحية السياسية، فالدول العربية عموماً ومن بينها المغرب حتى الآن تحاول أن تحافظ على نفس المسافة بين مختلف الأطراف، وتترقب تطورات الأزمة ولا تريد أن تصطف إلى هذه الجهة أو تلك.

وأردف: هذه الدول تتعامل مع الأزمة من الناحية السياسية ببراغماتية حذرة، لكن إذا تطورت وحصل استقطاب دولي حاد فإن المغرب ودول عربية لا بد أن تختار بناء على مصالحها الاقتصادية والسياسية؛ إما الوقوف مع هذا الجانب أو ذاك، حتى إذا لم يكن دعماً واضحاً لأحد الطرفين.

واستدرك: ستقوم الدول العربية ومن بينها المغرب بحسابات دقيقة، ويمكن أن تختار الحياد الإيجابي وتعبر عن مواقف معينة يستفاد منها ضمنياً أنها تساند هذا الطرف أو ذاك.

تداعيات اقتصادية ومالية

وبخصوص التأثيرات الاقتصادية للحرب، قال الصديقي: لا شك أن الحرب سيكون لها تداعيات اقتصادية ومالية على مختلف الدول العربية، وضمنها المغرب.

وأضاف: على المستوى السياسي، المغرب تعامل بحذر شديد، كما يظهر من الموقف الذي عبر عنه فيما يتعلق بعدم المساس بالوحدة الترابية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة ودعوته إلى اعتماد وسائل السلم في تسوية النزاعات، وأيضاً غيابه عن جلسة التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وتابع: المغرب لا يريد أن يتخذ موقفاً والأزمة ما زالت في مرحلة حرجة ويكتنف مستقبلها الغموض.

وفي 26 فبراير الماضي، أعلنت “الخارجية” المغربية أن بلادها تتابع بقلق تطورات الوضع بين فيدرالية روسيا وأوكرانيا، وتجدد دعمها للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

وأضافت، في بيان، أن المغرب يتشبث بمبدأ عدم اللجوء إلى القوة لتسوية النزاعات بين الدول، ويشجع جميع المبادرات والإجراءات التي تسهم في تعزيز التسوية السلمية للنزاعات.

وفي 2 مارس الجاري، قرر المغرب عدم المشاركة في التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الوضع بين أوكرانيا وروسيا، بحسب “الخارجية” المغربية.

وأوضح أن المغرب له شراكة سياسية مهمة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما بعد اعترافها في آخر أيام إدارة دونالد ترمب بمغربية الصحراء، لكن ينبغي أن نستحضر أن روسيا لم تكن تزعج المغرب في مجلس الأمن فيما يتعلق بمغربية الصحراء.

وتابع: بالعكس ففي أوقات معينة وقفت روسيا إلى جانب المغرب عكس الولايات المتحدة، مثل ما حصل حين أرادت واشنطن توسيع مهمة المينورسو (قوات الأمم المتحدة في الصحراء) لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.

وفي 10 ديسمبر 2020، أعلنت واشنطن اعترافها بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، وفتح قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة في الإقليم المتنازع عليه بين الرباط وجبهة “البوليساريو”.

وتقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها، بينما تدعو “البوليساريو” إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

وشدد الصديقي على أن بلده حذر في هذه المرحلة، وله مصالح وحسابات مع كل من روسيا والولايات المتحدة، وإن كان على المستوى الإستراتيجي يظل أكثر قرباً من الدول الغربية اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.

وخلص: إذا استمرت الأزمة وأدت إلى تدهور الوضع وربما إلى ضعف روسيا، ربما يغير المغرب نسبياً من موقفه ويصطف إلى جانب الغرب ولو بشكل نسبي.

تغيير النظام الدولي

وفيما يتعلق بانعكاس الحرب على تشكل نظام دولي جديد، اعتبر الأكاديمي أنه من الصعب القول: إن هذه الحرب ستؤدي إلى تغيير مهم في بنية النظام الدولي، اللهم إذا ذهبت الأزمة في اتجاه خطير جداً وأثرت على توازن القوى في أوروبا.

وأضاف: هذا الأمر غير منتظر ولا سيما أن الغرب اتخذ عقوبات كبيرة جداً ستسبب إرهاقاً اقتصادياً ومالياً وعزلة سياسية كبيرة لروسيا.

وتابع: من كان يعتقد أن روسيا يمكن أن تعزز موقعها من خلال اجتياح أوكرانيا فإنه مخطئ، لأن هذه الحرب ستؤدي إلى إضعاف موقعها في النظام الدولي، خاصة أن العقوبات بهذا الشكل لم تتوقعها.

واستطرد: بالتالي النظام الدولي لن يتأثر وستظل بنيته كما هي، والصراع مستقبلاً سيكون بين قطبين كبيرين هما أمريكا والصين، وروسيا كانت في السنوات الماضية فاعلاً متوسطاً ولم تكن فاعلاً كبيراً، كما أنها لا تتوفر على مقومات الدولة العظمى، لذلك غيابها وضعفها لن يؤثر على بنية النظام الدولي.

Exit mobile version