الحرب الروسية على أوكرانيا تهدد إمدادات الغذاء العالمية.. تعرف على الدول العربية الأكثر تضرراً

 

رغم البعد الجغرافي لأوكرانيا عن العالم العربي، لكن تأثير الهجوم الروسي على هذا البلد الأوروبي سيكون قاسياً معيشياً على عدة بلدان عربية خاصة إذا امتدت هذه الحرب فترة طويلة.

فعدة دول عربية تستورد القمح سواء من روسيا، أول مصدر عالمي لهذه المادة الحيوية، أو من أوكرانيا التي تحتل المرتبة الرابعة دولياً، والنزاع بين البلدين يؤدي تلقائياً لوقف الحركة التجارية مع الخارج، أولاً بسبب الحرب على الأراضي الأوكرانية، وثانياً لفرض عقوبات على الصادرات الروسية.

وتستورد الدول العربية مجتمعة 60% من احتياجاتها للحبوب من روسيا وأوكرانيا، إضافة إلى فرنسا ورومانيا، لكنَّ لروسيا وأوكرانيا ثقلاً دولياً خاصاً في توريد العالم العربي بالحبوب، نظراً لسعرها المنخفض في البلدين.

وتفيد الأرقام أن أوكرانيا رابع أكبر مصدر للقمح وللذرة الصفراء على مستوى العالم، وصدرت وحدها 17% من كمية الذرة والشعير التي سوقت للتجارة العالمية في عام 2020، 40% منها إلى دول عربية، فيما تعتبر روسيا مصدراً رئيساً للقمح إلى مصر.

الدول العربية المهددة في أمنها الغذائي؟

ستعقد هذه الحرب، ولا سيما إذا طال أمدها، مهمة الكثير من الأسر في مصر ولبنان واليمن وتونس ولربما دول عربية أخرى في توفير الرغيف على مائدة الطعام، وقد حذر معهد الشرق الأوسط للأبحاث من أنه إذا عطّلت الحرب إمدادات القمح للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، قد تؤدي الأزمة إلى مظاهرات جديدة وعدم استقرار في دول عدة.

واليمن، أول بلد عربي مهدد بتأزيم وضعه الغذائي أكثر مما هو عليه، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي الموجود في اليمن ديفيد بيسلي يشرح لـ”وكالة الأنباء الفرنسية” صعوبة الظرف الحالي: كنا نظن أننا وصلنا إلى القاع، لكن لا، الحال أسوأ (…) نحن نحصل على نصف طلباتنا من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، سيكون لهذه الحرب تأثير مأساوي.

أما في لبنان الذي يتخبط في أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات قد تتأزم الحياة المعيشية لمواطنيه أكثر، ممثل مستوردي القمح في لبنان أحمد حطيط كشف لـ”وكالة الأنباء الفرنسية” أن لدينا خمس بواخر في البحر حالياً محملة بالقمح، جميعها من أوكرانيا، المخزون الحالي بالإضافة إلى البواخر الخمس يكفي لشهر ونصف شهر، فقط، وأضاف أن لبنان يستورد بين 600 و650 ألف طن سنوياً، 80% منها من أوكرانيا.

على غرار اليمن ولبنان، قد تواجه البلدان المغاربية أزمة غذائية أيضاً بسبب الحرب في أوكرانيا، ويبدو أن حكومات المنطقة واعية بالخطر المحدق بها، وتحاول أن تسابق الزمن لاتخاذ خطوات استباقية تحميها من هزات اجتماعية.

فالمغرب مثلاً، الذي التهبت فيه الأسعار قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، قام بزيادة مخصصات دعم الطحين إلى 350 مليون يورو، وعلقت الرسوم الجمركية على استيراد القمح.

لكن تونس لم يكن بوسعها القيام ذلك، ففي ديسمبر، رفضت البواخر تفريغ حمولتها من القمح لعدم دفع ثمنها، حسب ما نقلته “وكالة الأنباء الفرنسية” عن الإعلام المحلي، حيث يتزايد الدين مع ذوبان احتياطيات العملات الأجنبية، وتستورد تونس 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا، ولديها مخزون يكفي حتى يونيو، كما أكد عبدالحليم قاسمي من وزارة الزراعة.

وفي الجزائر، ثاني مستهلك للقمح في أفريقيا وخامس مستورد للحبوب في العالم، يكفي المخزون 6 أشهر على الأقل.

أما مصر، فتعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم وثاني أكبر مستورد من روسيا، واشترت 3.5 مليون طن من القمح حتى منتصف يناير، وفقاً لشركة “إس آند إس غلوبال”.

وحتى بعد أن بدأت القاهرة في السنوات الأخيرة بشراء القمح من موردين آخرين، ولا سيما من رومانيا، فقد استوردت في عام 2021 نحو 50% من القمح من روسيا و30% من أوكرانيا، وأكدت الحكومة أن لديها مخزوناً إستراتيجياً يكفي الدولة فترة تقرب من 9 أشهر لتغذية 103 ملايين نسمة يتلقى 70% منهم 5 أرغفة من الخبز المدعم.

لكنها أضافت: لن نستطيع شراء القمح بالسعر الذي كنا نحصل عليه قبل الأزمة الروسية الأوكرانية، خصوصاً أن أسعار القمح بلغت أعلى مستوى في شيكاغو منذ 14 عاماً، إذ وصلت إلى 344 يورو للطن، وبعد خفض وزن الرغيف المدعوم، تفكر الحكومة الآن في زيادة سعره.

آثار الغزو الروسي في السودان

ويبدو أن السودان الذي يعاني من تراجع في احتياطياته النقدية منذ توقف المساعدات الدولية رداً على الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021، سيكون أول المتضررين.

فعندما اندلعت الحرب، زار وفد سوداني رفيع المستوى يضم عدداً من وزراء الحكومة برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو العاصمة الروسية موسكو بهدف تطوير وتعزيز أوجه التعاون بين السودان وروسيا في مختلف المجالات، وبحث سبل التعاون في المبادلات التجارية مع روسيا، أكبر مصدّر للقمح في العالم.

ولم ينسَ الجنرالات الذين يسيطرون على الحكم في السودان أن واحداً منهم، الرئيس السابق عمر البشير، الذي أطاحت به عام 2019 احتجاجات عمّت أنحاء البلد، أشعلها ارتفاع سعر الخبز 3 أضعاف.

توزيع مخزونات القمح في سورية

ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، تتسبّب حرب أخرى في سورية في تجويع 12.4 مليون سوري، بينما كان هذا البلد مكتفياً ذاتياً من القمح حتى عام 2011، تاريخ اندلاع النزاع فيه، اضطر بعد سنوات من الحرب التي ساعدت فيها روسيا النظام عسكريًا، إلى شراء 1.5 مليون طن من القمح في عام 2021، معظمها من موسكو، وتقول دمشق: إنها تعمل الآن على توزيع المخزونات لاستخدامها على مدى شهرين.

لماذا تختار الدول العربية استيراد القمح الأوكراني والروسي؟

تختار العديد من الدول العربية استيراد القمح الروسي والأوكراني نظراً لـ”سعره المنخفض”، يقول المحلل المالي التونسي نادر حداد في حديث لـ”فرانس24″، إلا أن هذا السعر سيرتفع كثيراً في حال التوجه إلى الولايات المتحدة أو كندا وأيضاً بلدان أمريكا اللاتينية لشرائه بسبب بُعد المسافة، ولا سيما أن سعر النفط مرتفع؛ ما ينعكس على تكلفة نقل البضائع بين الدول.

وليس هناك أي حل آخر أمام حكومات الدول العربية المتضررة، إلا إيجاد بدائل عن أوكرانيا وروسيا، والبدء في مفاوضات مع دول أخرى على عقود جديدة لتوريد القمح، بحسب حداد، مضيفاً أن هذا الوضع ستتضرر منه حتى الدول الغنية حيث سترتفع فيها الأسعار، ما يمس بالسياسات المالية لحكوماتها المتعثرة أصلاً منذ بدء الأزمة الصحية.

دول الخليج بدورها مهددة بأزمة في مواردها الغذائية المستوردة من البلدين، وتحديداً اللحوم والحبوب، بدون أن يكون لذلك أي تأثير على أمنها الغذائي، حسب أيهم كامل، رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “Eurasia Group”، وهي مؤسسة بحثية مقرها الرئيس في نيويورك، الذي اعتبر في حديث لوكالة “رويترز” أن هذه الدول لديها قدرة على استيعاب كلفة أعلى للواردات في حالة ارتفاعها بفضل إمكانياتها المالية.

في كل الأحوال، ارتفاع الأسعار لا تتقبله الشعوب حتى لو كانت في البلدان الغنية، فكيف تستسيغه في دول عربية نامية كتونس والمغرب والجزائر ومصر والسودان ولبنان واليمن، التي يكدّ مواطنوها لتوفير الرغيف اليومي لهم ولأسرهم، وهذا ما يدفع المحلل المالي نادر حداد للقول: إن وضعاً من هذا القبيل فيه تهديد للأمن الغذائي وقد يؤدي إلى تحركات اجتماعية رافضة لغلاء المعيشة.

وفيما لم يطرأ اضطراب عالمي بشأن إمدادات القمح حتى الآن، فإن الأسعار سجلت ارتفاعاً قياسياً وسط حالة من القلق بشأن ما قد يحدث، فالحرب إذا استمرت فإن البلدان التي تعتمد على صادرات القمح الأوكراني المقدور عليه، يمكن أن تواجه نقصاً في الإمدادات ابتداء من يوليو المقبل، وفق ما ذكر موقع “يورو نيوز” الأوروبي.

Exit mobile version