حكومة «مودي» تفسد الجذور الحقيقية للديمقراطية بالهند

 

أكد محمد عبدالسلام أوفونغل، رئيس الحركة الشعبية الهندية، أن حكومة حزب «بهاراتيا جاناتا» التي يقودها «ناريندرا مودي»، منذ وصوله للحكم عام 2014م، تفسد الجذور الحقيقية للديمقراطية في الهند

وأشار، في حواره مع «المجتمع»، إلى أن المسلمين في الهند يعانون من أزمة كبيرة تحت حكم السلطة الهندوسية المتطرفة؛ حيث يتم تنفيذ تهديدات الإبادة الجماعية، وإنكار الحريات المدنية من خلال استغلال أجهزة الدولة، وتطرق الحوار لعدد من مظاهر تلك المشكلات والتحديات التي تواجه مسلمي الهند، وطرق مواجهتها.

نسبة مسلمي الهند 15% من إجمالي السكان يتركز نحو 60% منهم في 3 ولايات رئيسة

ما عدد المسلمين في الهند؟ وما أماكن تركزهم؟

– جمهورية الهند تعرف بالتنوع الديني والعرقي واللغوي، وعدد المسلمين فيها يتجاوز نسبة 15% من إجمالي السكان البالغ عددهم نحو 1300 مليون نسمة.

ينتشر المسلمون في جميع أنحاء البلاد؛ حيث يتركز نحو 60% منهم في 3 ولايات رئيسة، هي ولاية أوتار براديش (40 مليوناً)، وولاية البنغال الغربي (25 مليوناً)، وولاية بيهار (20 مليوناً)، ثم تليها ولاية ماهاراشترا (13 مليوناً)، وولاية آسام (11 مليوناً)، وولاية كيرالا (880 ألفاً)، وولاية جامو كشمير (850 ألفاً)، وولاية كارناتاكا (780 ألفاً)، وولاية راجاستان (620 ألفاً)، وولاية غوجارات (600 ألف).

ومن حيث نسبة المسلمين من عدد السكان تتقدم جزر لاكشادويب (96%)، ثم ولاية جامو كشمير (68%)، وولاية آسام (34%)، والبنغال الغربي (27%)، وولاية كيرالا (26%).

هل للمسلمين تمثيل في الدولة الهندية؟ وما حجم تمثيلهم في الحكومة المركزية، وحكومات الولايات؟

– يوجد في الجمهورية برلمان على المستوى المركزي، ومجالس تشريعية في الولايات، وفي انتخابات عام 1952م كان تمثيل المسلمين 25 مقعداً في البرلمان؛ ما يعادل نسبة 4%، وقد تراجع هذا التمثيل في الانتخابات اللاحقة، وكانت الاستثناءات 6% في انتخابات عام 1977م، و8% في عام 1980م، و9% عام 1984م، منذ ذلك الحين انخفض التمثيل إلى أقل من 4% مرة أخرى في الانتخابات اللاحقة، وفي الانتخابات الأخيرة التي أجريت في عام 2019م دخل 27 مسلماً البرلمان.

وعلى مستوى الولايات يوجد حالياً 233 عضواً في المجالس التشريعية في الولايات المختلفة، وهم ينتمون إلى أحزاب مختلفة في أنحاء البلاد، باستثناء ولاية جامو كشمير.

كان زعيم الوزراء الأول والوحيد من المسلمين في الهند خلال هذه الفترة هو “عبدالرحمن أندولي” في ولاية ماهاراشترا، بالإضافة إلى “محمد كويا” الذي حكم لمدة قصيرة فقط (40 يوماً) في ولاية كيرالا.

وعموماً تتضاءل الفرص الممنوحة للمرشحين المسلمين من قبل الأحزاب الرئيسة في الانتخابات سواء على المستوى المركزي أم الولايات، ومع ظهور حزب “بهاراتيا جاناتا” الهندوسية اليمينية، اكتسبت هذه الظاهرة زخماً بسبب خوف الأحزاب من الاتهام الكاذب من “تفضيل المسلمين”؛ حيث تتجاهل الأحزاب المسلمين بشكل متزايد.

باختصار، لم يكن تمثيل المسلمين في المجالس التشريعية والبرلمان تمثيلاً نسبياً أبداً.

ما المناطق التي يعاني المسلمون فيها أكثر من غيرها؟ ولماذا؟

– بعد استقلال البلاد في عام 1947م من الاستعمار البريطاني، تعرض المسلمون بالهند للتمييز في جميع مجالات التنمية، بما فيها العمل والتعليم والإسكان والحكم، وفي العديد من المناطق تأخر وضعهم الاجتماعي خلف الطبقات المنبوذة (الداليت)، يتضح هذا من خلال التقرير الرسمي المنشور خلال ولاية حكومة «د. مانموهان سينغ»، حيث عين لجنة في عام 2006م لدراسة تخلف المسلمين في البلاد، وقد سجلت هذه الدراسة التمييز القاسي الذي يواجهه المسلمون مقارنة بالمجتمعات الأخرى في البلاد.

المسلمون في الولايات الجنوبية مكتفون ذاتياً بصورة نسبية، ومتقدمون بعض الشيء في التعليم والعمل، أما أوضاعهم فضعيفة جداً في الولايات الأخرى التي يقطن بها أكثر من 75% من المسلمين في البلاد.

العديد من النشطاء استشهدوا بالسنوات السبع الماضية بعد تولي «مودي» السلطة

ما أهم التحديات التي يواجهها المسلمون في الهند؟

– مسلمو الهند في حالة أزمة كبيرة تحت حكم السلطة الهندوسية المتطرفة؛ حيث يتم تنفيذ تهديدات الإبادة الجماعية ورمزية الإرهاب وإنكار الحريات المدنية من خلال استغلال أجهزة الدولة.

وحكومة حزب “بهاراتيا جاناتا” التي يقودها “ناريندرا مودي”، منذ وصوله للحكم عام 2014م، تفسد الجذور الحقيقية للديمقراطية في الهند، على سبيل المثال؛ قانون تعديل المواطنة (CAA) الذي قدمته حكومة “مودي” في عام 2019م، مخطط لمنح الجنسية لغير المسلمين فقط من الدول الإسلامية المحيطة، تليها خطة لإعداد قائمة المواطنة لجميع مواطني الدولة، وبموجب قانون التعديل الجديد يمكن لغير المسلمين الاحتفاظ بجنسيتهم ويصعب على المسلمين إثبات الجنسية.

كما تتمثل خطورة أخرى في إزالة الوضع الخاص لولاية جامو كشمير ذات الأغلبية المسلمة؛ حيث تم تقسيم المنطقة إلى قسمين، وتحويلها إلى أقاليم اتحاد، كما تم وضع القيادة السياسية بكشمير بأكملها في السجون، ووضع قيود جديدة على الشعب لقمع الاحتجاجات الديمقراطية ضد هذه الخطوات الخطيرة.

ويجدر القول: في عام 1992م تم هدم مسجد البابري الذي كان يتعبد به المسلمون لمدة 450 عاماً، وأخيراً تم الاستيلاء على أراضي المسجد لبناء هيكل هندوسي بها بأمر من المحكمة العليا.

وقد احتلوا جميع أنحاء البلاد ويذهبون إلى أبعد الحدود لإسكات الأصوات المعارضة، كما استشهد العديد من نشطاء الحقوق المدنية في السنوات السبع الماضية بعد وصول “مودي” إلى السلطة.

وقد مارس متطرفو “الهندوتفا” مذابح ممنهجة باسم الأبقار ولحوم البقر؛ ما أودى بحياة العديد من المسلمين، بمن فيهم “محمد أخلاق”، و”تبريز أنصاري”، و”بهلو خان”، و”جنيد خان”، كما حاولت الحكومة إغراق النضالات الديمقراطية ضد قانون تعديل المواطنة بالدم، فقُتل 53 شخصاً في عام 2020م بالعاصمة دلهي، وأصيب أكثر من 250 شخصاً ودمرت عدة منازل، ومن ثم تم مطاردة المسلمين الضحايا قانونياً بمسؤولية هذه الحوادث.

وفي الآونة الأخيرة، ظهر بعض الرهبان الهندوس في اجتماعهم الخاص داعين للإبادة الجماعية بحق المسلمين، كما تتم محاولات رسمية لمنع المسلمات من ارتداء الحجاب في المؤسسات التعليمية.

من جانب آخر، يتم إصدار القوانين لمنع أعمال الدعوة، والهجوم على المعتنقين للإسلام ومحاكمتهم، واتهام الشباب المسلم بالزواج من هندوسيات بغية تحويلهم إلى الإسلام، كما ظهرت مؤخراً محاولات لمحو سمات وآثار المسلمين والإسلام من خلال هدم المباني وإعادة تسمية الأماكن والمراكز الثقافية بأسماء هندوسية وغيرها.

الحكومة البريطانية روجت للتطرف الهندوسي على مبدأ «فرِّق تسُد» وحولت المسلمين إلى أعداء

من الذي مهَّد الأرض للمتطرفين الهندوس للسيطرة على الهند، وزرع الكراهية بينهم وبين المسلمين؟

– القومية الهندوسية التي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر واكتسبت قوتها في عشرينيات القرن الماضي هي التي سممت الجو الاجتماعي في الهند بفكرة التطرف الهندوسي، وقد روجت الحكومة البريطانية للتطرف الهندوسي على أساس مبدأ الاستعمار «فرِّق تسُد» وحولت المسلمين إلى أعداء، حيث كان المسلمون في مقدمة الكفاح ضد الاستعمار.

ومن ثم أشربت القومية الهندوسية فكرة الطائفية لتحقيق مصالحهم السياسية، وتم تشجيع العداوة مع المسلمين بشكل منهجي من جانب منظمة “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” (RSS) التي أسست في عام 1925م، وتقوم بتدبير الحكومة الحالية.

أما ثقافة بلاد الهند الأصلية فهي خلاف ذلك؛ حيث تحترم الاختلافات الدينية والعرقية واللغوية، وكان الشعب يعيش بتبادل إحساس الود والصداقة بين مكوناته، كما كان عهد السلطنة الإسلامية لمدة 8 قرون (حتى بداية الاستعمار البريطاني) عصراً ذهبياً للتناغم المجتمعي.

الانقسام بين المسلمين والهندوسية حيلة شريرة تم غرسها من جانب الطبقة العليا (البراهمة) في الهندوسية، التي سيطرت على موارد الهند وسلطتها، مع أنهم أقلية صغيرة نسبياً ولا تحظى بشعبية؛ بهدف تواصل احتكار الطبقة العليا على السلطة، ويتم تشجيع القومية والثقافة الهندوسية على المجتمع من خلال منظمات مثل “RSS” ومنصات عدة، بعدما وصلوا إلى السلطة المركزية من خلال الانتخابات المزورة في عام 1998م، يتم تكثيف العداوة والشرارة بين المجتمع الهندي باستخدام أجهزة النظام المختلفة.

هل هناك جهود لحل المشكلات الخاصة بمسلمي الهند؟ ومن يقوم بها؟

– هناك جهود متفرقة في أجزاء كثيرة من البلاد لإنهاء التخلف والإهمال في التعليم والعمل والحكم، وتمارس منظمات عديدة دورها في ذلك، لكن يجب أن تبذل المزيد من الجهود الصادقة لتمكين المسلمين بشكل أساسي، والتحدي الرئيس هو بناء الثقة بالنفس وضمان الأمن والبقاء، وهذا هو المحور الأساس الذي تركز عليه الحركة الشعبية الهندية مع الاهتمام بتنفيذ خطط التمكين بشكل منظم، كما يتم تنظيم المقاومات قانونياً وشعبياً.

ما المعوقات التي تحول دون حل مشكلات المسلمين؟

– يتم مطاردة المسلمين من قبل الفاشية الهندوسية باستخدام دعم وموارد النظام، في حين أن المسلمين عاجزون ومواردهم محدودة جداً، والحل هو جعل الأمة المسلمة مكتفية ذاتياً، ومن ناحية أخرى هناك قسم كبير من غير المسلمين اتخذوا موقفاً واضحاً ضد الفاشية الهندوسية، وبالتالي يجب الاتحاد معهم في الدفاع عن ظلم الفاشية.

لو انتقلنا للحديث عن الواقع الديني لمسلمي الهند، إلى أي مدى يتمسكون بدينهم؟

– مسلمو الهند قوة كبيرة في العالم الإسلامي، وهم ثاني أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم بعد إندونيسيا، وهو أكبر بكثير من عدد المسلمين في العالم العربي، كما أن تراثهم الديني يمتد إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد حكم المسلمون بلاد الهند لمدة تتجاوز عن 800 سنة، كما أنهم ليسوا مستعدين للاستسلام ولا يمكن إخضاعهم لأي نظام مستبد، والكفاح ضد محاولة حرمان الجنسية هو أحدث شهادة على حقيقة أن المسلمين الهنود أعزاء وباقون في النضالات السلمية لتحقيق حقوقهم الاجتماعية.

كيف يتفاعل العالم مع قضية اضطهاد المسلمين بالهند؟

– تفاعل المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان في مراحل مختلفة مع الاضطهاد الديني في الهند، ولعل من أسباب ذلك أن المسيحيين هم الضحايا اللاحقون للهجمات الفاشية بعد المسلمين، لكن هذا التفاعل الدولي لا يكفي، يجب على المجتمع الدولي الوقوف بجانب المضطهدين بقوة.

ما الدور المنتظر من العالم العربي والإسلامي لنصرة المسلمين في الهند ووقف اضطهادهم؟

– الدور المطلوب ليس من العالم العربي والإسلامي أو المنظمات الإسلامية فحسب، بل يجب على شعوب العالم بأسره المشاركة بنشاط في قضايا حقوق الإنسان، وقد أشار العديد من الخبراء إلى أن البلاد على وشك الإبادة الجماعية للمسلمين، وسيؤدي هذا بشكل كبير إلى انهيار، ليس المسلمين فحسب، بل الشعب الهندي بأكمله؛ فلا تزال آثار الحرب الأهلية ظاهرة في العديد من البلدان، ولا ينبغي أن يحدث ذلك في أي بلد.

نحن لا نعتقد أن المشكلة بين المجتمعات الدينية في الهند، التي لها أهمية كبيرة على خريطة العالم نفسها؛ بل تتمثل المشكلة في الفكرة الفاشية للسيطرة على البلاد سياسياً واجتماعياً وثقافياً، كما تجدر الإشارة إلى أن مؤيدي الفاشية ليسوا الأغلبية في الهند، وليس لهم تأثير كبير في المجتمع الهندوسي، ويمكن إفشال مخططاتهم بالثبات والاتحاد في ميدان الكفاح، كما يجب على شعوب العالم الوقوف إلى جانب الشعب الهندي.

Exit mobile version