بالأرقام.. من يصنع الإرهاب؟

 

حاول الإعلام الغربي منذ عقود مواصلة نشر الأكاذيب التاريخية التي استند إليها المستعمر الأوروبي ودعاة التبشير الصليبي بأن الإسلام دين يحض على الإرهاب، وأن أتباعه دمويون بالفطرة.

وظلت تلك الأكاذيب تتردد في ظل غياب يد إعلامية موازية تستطيع دحضها، وتدرأ تلك الشبهات، اللهم إلا بعض الجهود الفردية حتى وإن قامت بها مؤسسات، لكنها لا تستند إلى مشاريع كبرى، تتمأسس في ظل إستراتيجية طويلة الأمد.

ولما كانت «المجتمع» معنية في جزء من مهمتها بالإسهام في تصحيح تلك الصورة، فقد ارتأت أن تجعل لغة الأرقام -باعتبارها أصدق لغة- السلاح الأهم في إظهار الحقائق، ودرء تلك الشبهات، وتوضيح ما علق ببعض الأذهان من صورة مقلوبة، لتستبين العقول من هم دعاة السلام الحقيقيون، ومن هم العنصريون الذين ولغوا في دماء وحقوق غيرهم.

عدد ضحايا الحرب العالمية الأولى نحو 20 مليوناً في 5 سنوات والثانية أكثر من 58 مليوناً في 6 سنوات

 حينما نتحدث عن ملايين الضحايا التي أفرزتها حروب بين البشر، سيقفز إلى الأذهان بكل تأكيد الحربان العالميتان الأولى والثانية، فقد وصل عدد ضحايا الأولى نحو 20 مليون ضحية، والثانية تراوح عدد ضحاياها ما بين 60 – 85 مليوناً، واستمرت 6 سنوات كاملة ما بين عامي 1939 – 1945م.

ومنها كذلك تلك الحروب التي قادها قديماً المغول، وتراوح عدد الضحايا فيها، حسب المصادر التاريخية، ما بين 40 – 70 مليوناً، وكان هذا خلال الفترة بين عامي 1206 – 1324م.

وفي الصين سقط ملايين من الضحايا في عدة حروب، منها حرب أطلق عليها اسم «تمرد تايبينغ»، تراوح عدد ضحاياها ما بين 20 – 100 مليون، وفيها كذلك، منذ أكثر من 1700 عام ما أطلق عليه «حرب الممالك الثلاث» التي تراوح عدد ضحاياها ما بين 36 – 40 مليوناً، بين عامي 184 – 280م.

أيضاً فيها غزو سلالة «تشينغ» لسلالة «مينغ» بالصين، وبلغ عدد ضحايا هذا الغزو 25 مليوناً، وكان ذلك خلال الفترة بين عامي 1616 – 1662م، ثم تمرد «أن لوشان» الذي تراوح عدد ضحاياه ما بين 13 – 36 مليوناً، وذلك خلال الفترة ما بين عامي 755 – 763م.        

ثم يأتي «غزو الأمريكتين» على يد المستعمر الأوروبي، كإحدى علامات التاريخ الأسود لوجه الحضارة الأوروبية الآخر، الذي أباد السكان الأصليين وخاصة الهنود الحمر، فكانت ضحاياه أكثر من 34 مليوناً، وذلك في الفترة ما بين عامي 1492 – 1691م.

والملاحظ أنه حسب الإحصائيات الدولية الرسمية، فإن أكبر 10 حروب في التاريخ لم يكن أحد أطرافها الفاعلين مسلمين أو عرباً، اللهم إلا من خلال مشاركة الدولة العثمانية (رجل أوروبا المريض وقتها) في الحرب العالمية الأولى ليتم بعد هزيمتها تقسيم تركتها بين الحلفاء الغربيين، أي أنها كانت ضحية للمستعمرين الطامعين.

حروب داخلية

كل هذا ولم نتحدث عن بعض الحروب الداخلية التي جعلت الحضارات المتعاقبة ومنها الأوروبية أو الروسية أو الصينية تأكل نفسها، حيث كان الضحايا بالملايين، بأيديهم هم وليس بأيدي غيرهم.

والتاريخ يحفظ لنا وقائع وحروباً استمرت سنوات، وكان ضحاياها بالملايين، وكانت بين بني البلد الواحد والأرض الواحدة والحضارة الواحدة، ومنها الحرب الأهلية الروسية التي تراوح عدد ضحاياها ما بين 5 – 9 ملايين، حسب مصادر روسية في الفترة بين عامي 1917 – 1922م.

ومنها حرب الثلاثين عاماً بين الدول الأوروبية، التي تتراوح عدد ضحاياها ما بين 3 – 11.500 مليون، وذلك بين عامي 1618 – 1648م.

ومنها أيضاً حروب «نابليون» أو ما أطلق عليها الحروب النابليونية داخل أوروبا، حيث كان عدد ضحاياها يفوق الملايين الثلاثة بكثير، خلال الفترة بين عامي 1803 – 1815م.

وعلى ذكر «نابليون»، يمكننا تذكر حروب فرنسا الدينية المعروفة باسم حروب «الهيغونوت» التي اقترب عدد ضحاياه من 3 ملايين في الفترة بين عامي 1562 – 1598م.

ومنها أيضاً الحرب الأهلية الأمريكية يبلغ عدد ضحاياها نحو 880 ألفاً خلال الفترة بين عامي 1861 – 1865م.

التاريخ لن ينسى أن الحملات الصليبية المتاجِرة بالصليب ذبحت نحو 70 ألف مسلم في يوم واحد بالقدس

ولم ولن ينسى التاريخ أن الحملات الصليبية المتاجِرة بالصليب، والساعية لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، ذبحت نحو 70 ألف مسلم في يوم واحد بالقدس، وأن بحيرات الدم أغرقت المسجد الأقصى.

تفنيد المغالطات

في كتابه «الإسلام والغرب»، قام المفكر الإسلامي الراحل د. محمد عمارة، بعمل إحصاء تاريخي لضحايا الغزوات والحروب الإسلامية التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم، ليظهر منها مدى ما يمكن أن يتصوره العقل المنصف عن مبعوث العناية الإلهية إلى البشر صلى الله عليه وسلم؛ فجاءت على النحو التالي:

غزوة بدر (70 مشركاً، 14 مسلماً)، وغزوة السويق (مسلمان)، وبعث كعب بن الأشرف (مشرك واحد)، وغزوة أُحد (22 مشركاً، 70 مسلماً)، وغزوة حمراء الأسد (مشرك واحد)، بعث الرجيع (7 مسلمين)، وبعث بئر معونة (27 مسلماً)، وغزوة الخندق (3 مشركين، 6 مسلمين)، وغزوة بني قريظة (لا يوجد)، ويوضح د. عمارة أن الـ600 الذين قتلوا من بني قريظة لم يُقتلوا في الحرب، وإنما قُتلوا قضاء بالتحكيم الذي ارتضوه جزاء على خيانتهم، فلا يُحسبون في قتلى المعارك.

كذلك فإن بعث عبدالله بن عتيك (مشرك واحد)، وغزوة ذي قرد (مشرك واحد، مسلمان)، وغزوة بني المصطلق (مسلم واحد)، وغزوة خيبر (مشركان، 20 مسلماً)، وغزوة وادي القربى (مسلم واحد)، وغزوة مؤتة (11 مسلماً)، وفتح مكة (17 مشركاً، 3 مسلمين)، وغزوة حنين (84 مشركاً، 4 مسلمين)، وغزوة الطائف (13 مسلماً).

ويخلُص د. عمارة إلى أن مجموع ضحايا كل الحروب التي خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم 203 مشركين، و183 مسلماً.

وبعدها يعقد المفكر الإسلامي مقارنة بين هذه النتيجة وضحايا حروب العهد القديم، وبعد أن يوثق بالمصادر اليهودية كل ما حدث من حروب داخلية بين اليهود، وما حدث بينهم وبين غيرهم، يخلُص إلى نتيجة مفادها أنه وخلال فترة ربما كانت قريبة من فترة النبي صلى الله عليه وسلم التي عاشها وخاض فيها كل تلك الحروب التي فرضت عليه، فإن المجموع من الضحايا غير اليهود 1635650 ضحية، وعدد ضحايا اليهود في حروبهم الداخلية أو مع غيرهم 352827 ضحية.

جهاد النبلاء

هكذا علق د. علي جمعة، مفتي مصر السابق، على ما تردد من مغالطات بشأن التاريخ الإسلامي وما شهده من حروب، خاصة في الفترة النبوية وفترة الخلفاء الراشدين.

وأكد جمعة، عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن عدد قتلى جهاد النبي صلى الله عليه وسلم أقل ممن قتلوا في حوادث سيارات في أي مدينة كبرى خلال عام واحد! وإذا تكلمنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتباره قائداً مجاهداً شجاعاً نبيلاً، نراه وهو يعلم قادة الجيوش في العالم بأسره حقيقة الحروب، وكيف تدار، ومتى تبدأ, وكيف تنتهي.

وأوضح جمعة أنه وبالاطلاع على الحقائق التاريخية يتأكد ذلك المعنى، ومن هذه الحقائق أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسعَ إلى الحروب، وإنما فُرضت عليه بسبب الاعتداء عليه، أو رغبة الظلم والعدوان عليه وعلى المسلمين، أو محاربة دين الله والآمنين، حيث فُرض على النبي صلى الله عليه وسلم طوال قيادته للدولة الإسلامية 82 تحركاً عسكرياً، لم ينشب القتال في 60 منها، و5 تحركات لم يُقتل غير المسلمين، ومجموع القتلى والشهداء من الفريقين 1004 أشخاص، بينهم 252 شهيداً مسلماً والباقي من المشركين، وهذه الأرقام ليست من الفظاعة حتى تجبر العالم بأسره أن يخشى من الإسلام ويدخل فيه خوفاً من السيف، وذلك يؤكد أن القتال لم يكن الاختيار الأول عنده صلى الله عليه وسلم في نشوب النزاعات، وأنه كان يبتعد عن القتال قدر استطاعته حتى لا يجد منه بداً؛ بأن يدافع عن نفسه وينصر المظلومين وينشر الإسلام.

وقال جمعة: إن هذه الحروب بين المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم أنتجت نحو 6500 أسير، عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن 6300 أسير، ولم يأسر ويستمر الأسر إلا على 200، فكان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وبذلك الخلق وتلك الأرقام يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نجاهد جهاد النبلاء، كيف نكون أتقياء مراقبين لله حتى في ظل احتدام المعركة، كيف نذكر الله في كل وقت بخاصة في وقت الجهاد.

 

 

 

 

 

 

________________________________________

1 – أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية، د. محمد أحمد المبيض.

2 – الغرب والإسلام، د. محمد عمارة.

3 – التجربة الصينية: الماضي والحاضر والمستقبل، تشانغ باي جيا، ترجمة وتحقيق: مريم محسن، وأسماء صالح، وآية عبدالله، وجوزيف موسى.

4 – معجم المعارك التاريخية، نجاة سليم محمود.

5 – الموسوعة السياسية والعسكرية، فراس بيطار.

Exit mobile version