بالاستبعاد من نظام “سويفت”.. هل ينجح “سلاح المال النووي” ضد روسيا؟

 

اتخذ الاتحاد الأوروبي، بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، قرارات عقابية بحق روسيا، الأربعاء الماضي، منها استبعاد الأخيرة من نظام التحويلات المالية العالمي “سويفت” كرد فعل على العملية العسكرية التي أطلقتها ضد أوكرانيا.

ويُستهدف بهذه العقوبات إعاقة الصادرات والواردات الروسية عن طريق تصعيب قيامها بأي معاملات مالية في أي مكان بالعالم.

وكانت روسيا قد تعرضت لتهديد مشابه عام 2014، وأعلن وزير المالية الروسي آنذاك ألكسي كودرين أن قرار استبعاد بلاده من نظام “سويفت” يمكن أن يؤدي إلى انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 5%.

ومع أن وضع الاقتصاد الروسي في عام 2022 أفضل منه عام 2014، إلا أن من المتوقع أن يؤدي قرار الاستبعاد من نظام “سويفت” إلى خسائر كبيرة للاقتصاد الروسي.

لا إجماع بالاتحاد الأوروبي بخصوص القرار

ووفقاً لتعبير وزير المالية الفرنسي، فإن قرار الاستبعاد من “سويفت” يعد بمثابة “سلاح نووي مالي”، ويمكن للدول الغربية بواسطته أن تسبب مشكلات كبيرة لروسيا في المدفوعات الدولية والصادرات والواردات.

لكن القرار سيؤثر بالسلب أيضاً على الدول التي اتخذت القرار، لذلك نرى أن هذا القرار غير مدعوم بالإجماع في الاتحاد الأوروبي.

مثلاً ترى برلين أن سلاحاً مؤثراً كهذا سيؤثر على رجال الأعمال والصناعة في ألمانيا، لذلك فإن الاستبعاد من نظام “سويفت” يجب أن يكون ضد أهداف معينة، وأن هذا -السلاح النووي المالي- يجب ألا يستخدم إلا في محله وألا يُسمح بأن يضر هذا القرار الاقتصادات الأوروبية.

وستضر هذه العقوبات بالدول المعتمدة على روسيا في الحصول على أي سلعة، وسيضطر رجال الأعمال في الدول التي اتخذت القرار للبحث عن وسائل بديلة وأنظمة أكثر تعقيداً لمواصلة التجارة مع روسيا.

أما الحل الآخر فسيكون البحث عن بديل لروسيا، إلا أن كل الدول وفي مقدمتها الدول التي تدعم القرار، تعلم جيداً أنه لا يمكن العثور على بديل لروسيا على المدى القريب، وخصوصاً في مجال الطاقة.

دول تدعم القرار على استحياء

تأسست جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT) في بلجيكا عام 1973 بهدف إجراء معاملات تحويل النقد الأجنبي بين البنوك، وهو نظام تواصل يربط 11 ألف بنك ومؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة ومنطقة.

وكان قد تم استبعاد إيران من النظام، ما سبب ذلك أضراراً بالغة لتجارتها، وأُدرجت روسيا بنظام “سويفت” عام 1989، وتشكل معاملاتها اليومية 1.5% من إجمالي المعاملات بالنظام.

تتصرف بعض الدول بالاتحاد الأوروبي بحذر فيما يخص بالعقوبات على روسيا بسبب كون الأخيرة هي المورد الأول للبترول والغاز الطبيعي لدول الاتحاد الأوروبي؛ لأن المعاناة مجدداً من ارتفاع أسعار الطاقة سيكون نزيفاً جديداً للاقتصادات التي بدأت في التعافي مؤخراً من تداعيات “كوفيد-19”.

الحكومات لا ترغب في توقف إمدادات الطاقة أو زيادة جديدة في الأسعار، وكانت ألمانيا من بين الدول التي وقعت على قرار استبعاد روسيا من نظام “سويفت” على استحياء، وذلك بسبب ارتباطها بروسيا في الحصول على الطاقة ومخاوفها من قيام روسيا بالرد على هذه الخطوة.

هل تمتلك روسيا بديلاً لنظام “سويفت”؟

هُددت روسيا في السابق بالاستبعاد من نظام “سويفت” بسبب أزمة شبه جزيرة القرم، وفي عام 2014 طورت روسيا نظام الدفع الخاص بها “SPFS”، وبدأت اختبار هذا النظام واستخدامه مع بعض الدول، ومع استبعادها من نظامي “فيزا”، و”ماستركارد” عام 2016، بدأت روسيا استخدام نظام بطاقات الدفع الخاص بها “MIR”، إلا أن هذين النظامين لم يُستخدما إلا على نطاق ضيق.

تأثير القرار على تركيا

ضمت القائمة غير النهائية التي أعلنتها الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية عدة بنوك روسية، هي: “بنك أوتكريتي”، و”نوفيكومبنك”، و”روسيا بنك”، و”برومسفيازبنك”، و”في تي بي”، و”في إي بي”، وسوفكومبنك”، وتم التخطيط لتقليل الضرر الواقع على الدول المتعاملة مع روسيا في قطاع الطاقة ولذلك اُستثنيَ “سبيربنك” الذي يعد أكبر بنك في روسيا و”غازبروم بنك” لأهميته بالنسبة لقطاع الطاقة.

ومن المتوقع أن تتأثر تركيا من الأزمة بين روسيا وأكرانيا في قطاعات الطاقة والسياحة والتجارة، إلا أنه ليس من المتوقع توقف التجارة معها تماماً لأنه من الممكن مواصلة عمليات الدفع بواسطة البنوك الروسية المستثناة من القرار.

شكل السياح الروس والأوكرانيون نحو 27% من إجمالي السياح الذين زاروا تركيا عام 2021، ومن المحتمل أن يتأثر عدد السياح كثيراً في صيف العام الجاري بسبب تأثر اقتصادي البلدين من الحرب.

كما سيؤدي ارتفاع أسعار النفط والحبوب إلى تأثر تركيا التي تعاني من نسب تضخم مرتفعة.

الوضع النهائي

سيسبب الاستبعاد من نظام “سويفت” مشكلات كثيرة لروسيا فيما يخص بمدفوعات الصادرات والواردات، وسيزيد من تكلفة البحث عن طرق بديلة، إلا أن استثناء بعض البنوك الروسية من القرار سيخفف من التأثيرات السلبية.

ومن ناحية أخرى، سيضر بالاقتصاد الروسي بسبب تراجع الصادرات وفرض قيود على احتياطات البنك المركزي الروسي على الساحة الدولية، ما سيؤدي ذلك إلى تراجع العملة الروسية وارتفاع التضخم.

ولن يقتصر تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي فقط، بل سيؤثر أيضاً بطريقة غير مباشرة على الدول التي لديها تجارة مع روسيا، مثلاً سيؤدي ارتفاع التضخم في روسيا وتراجع قيمة الروبل إلى انخفاض في عدد السياح الروس القادمين إلى تركيا، كما سيؤدي ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب إلى زيادة تكلفة استيرادها على الاتحاد الأوروبي وبالتالي زيادة التضخم.

وإذا ما قابلت روسيا قرار الاستبعاد من نظام “سويفت” بتقليص صادراتها، سيؤثر ذلك على الإنتاج والصناعة وسيرفع التكلفة ويسبب مشكلات في أمن الطاقة بالدول التي تتعامل مع روسيا وفي مقدمتها تركيا ودول الاتحاد الأوروبي.

سيوضح إعلان القائمة الرسمية للبنوك الروسية المستبعدة من نظام “سويفت”، مدى الضرر الذي سيلحق بروسيا ودول أخرى من هذا القرار.

وبالنظر إلى العقوبات الإضافية، نجد أن روسيا وكل النظام العالمي الذي يتاجر معها سيتأثر من قرار الاستبعاد من نظام “سويفت”.

وعلى الاتحاد الأوروبي أن ينتبه جيداً حتى لا تؤثر هذه العقوبات بصورة مباشرة على صادرات البترول والغاز الطبيعي الروسية؛ لأنه لن يرغب أحد في أن تقوم روسيا بقطع إمدادات الغاز والنفط التي تصدره الذي لا يمكنها الحصول على ثمنه بسبب قرار “سويفت”؛ ولذلك من الصعب وصف قرار استبعاد روسيا من نظام “سويفت” بشكل حذر بأنه “سلاح نووي مالي”.

 

 

 

 

 

_______________________

 (*) وكالة “الأناضول”.

Exit mobile version