ما سر ظهور بوتين وهو يؤدي طقوساً أرثذوكسية وما علاقة الدين بالصراع مع الغرب؟

يستغرب البعض ظهور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يؤدي طقوسا أرثذوكسية مع بداية غزوه لأوكرانيا، وما علاقة ذلك بالصراع بينه وبين الغرب، بينما يتساءل العالمون عمّا إذا كانت الحروب الدينية في أوروبا لا تزال مستمرة حيث لم يزر بابا الفاتيكان روسيا حتى اليوم، وعندما عزم على ذلك رد عليه بطريارك روسيا أنه لا يضمن سلامته في تهديد مبطن دفع بابا الفاتيكان للتراجع عن الزيارة وعوضها بزيارات لكل من السودان والأردن.

هل هناك علاقة بين السياسي والديني؟ وهل يمكن للخلافات السياسية أن تكون لها جذور دينية والعكس صحيح؟ أي أن الخلافات الدينية لها جذور سياسية وهو ما عرف في تاريخ جميع الحضارات تقريبا.

وهل الصراع بين بيزنطا وروما لا يزال مستمرا رغم تغيّر عواصم الديانتين الارثذوكسية والكاثوليكية (التي لا تعترف بها الاولى ولا تعترف الثانية بالبروتستانتية ) تغيّرت، ولماذا حدة الخلافات بينهما شديدة؟

الطوائف النصرانية

تنقسم المسيحية إلى ثلاثة طوائف رئيسية كبرى، مع ما لا يحصى من الطوائف الصغيرة الفرعية، خصوصا في داخل الكنائس البروتستانتية طبعا ثمة خلافات تاريخية وعقائدية وسياسية كثيرة، ولكن يظل الفرق العقائدي الاساسي الاول يتمحور حول (ماهية السيد المسيح عليه السلام)، هل هو إله أم ابن الله أم روح الله، مع تنظيرات تفصيلية معقدة جدا ومملة وحتى مضحكة أحيانا، وهذه القضية لا يفهمها حتى المؤمنين بها، وهي خلافات دينية وتاريخية وسياسية ووطنية عميقة حيث تنفصل الكنائس عن بعضها وتنقسم بمجرد حصول إقليم على استقلاله كما حصل بين مقدونيا وصربيا في حروب يوغسلافيا السابقة

(1990 / 1995 م).

الأرثوذكس

وهم أتباع الكنائس الشرقية (اليونانية)، وكلمة “أرثوذكس” كلمة لاتينية معناها: “صحيح العقيدة” أو “مذهب الحق”. وقد انقسمت الكنيسة الأرثوذكسية في أعقاب مجمع القسطنطينية الخامس 879 م إلى قسمين كبيرين (الكنيسة المصرية أو القبطية أو المرقسية وكنيسة القسطنطينية، المسماة بالرومية أو اليونانية).

وينتشر أتباع الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا وعموم آسيا وصربيا ومصر والحبشة، ويتبعون أربع كنائس رئيسة لكل منها بطريك (القسطنطينية ثم الإسكندرية وأنطاكيا والقدس).  

الكاثوليك

وهم أتباع الكنائس الغربية التي يرأسها بابا الفاتيكان في روما وكلمة: ” الكاثوليك” كلمة لاتينية، تعريبها: “الجامع الحر للفكر” أو “العام أو العالمي” وينتشر أتباع هذه الكنيسة في بقاع كثيرة من العالم ويشكلون عدداً كبيراً من سكان أوروبا مثل ايطاليا، وفرنسا، وألمانيا.

وقد وجدت هذه الكنيسة بعد أن انشقت عن الكنيسة الأم بعد صراع  ديني طويل يمتد إلى القرن الخامس الميلادي، فحين قسم الإمبراطور تيودواسيوس امبراطوريته عام 395 م بين ابنيه، فتولى أكاديوسيوس الشطر الشرقي وعاصمته القسطنطينية، فيما تولى نوريوس الشطر الغربي وعاصمته روما‏.

البروتستانت

وهم في الأصل من أتباع الكنيسة الكاثولوكية، وكلمة “بروتستانت” معناها: المحتجون وقد انشق البروتستانت عن الكنسية الكاثوليكية في منتصف القرن السادس عشر وبعد عدة احتجاجات على ممارسات بابوات الكنيسة، ومنها قضية صكوك الغفران التي كانت تباع فيها الجنة للعوام بمقابل مالي.

 بدأ التمرد  على يد جيرارد في كنيسة لورين في عام 914 م وعاصرتها دعوة أخرى تسمى حركة كلوين. ثم ظهرت في جنوب فرنسا حركتا الكاتاريين و الوالدنيين، وتمكنت البابوية من القضاء عليهما.

وفي القرن الثالث عشر ظهرت حركة الرهبان، ودعت للبساطة وحماية الكنيسة مما وصفتها بالهراطقة، وتدعيم البابوية عن طريق الأتباع المخلصين، لكن مع نهاية هذا القرن وقع رواد الحركة فيما حذروا منه، فأصبحوا من الأثرياء، وجر الثراء إلى الفحش.

وفي عام 1383م توفي داعي الإصلاح حنا بعد أن طرد وأتباعه، ثم بعده نادى حنّا هس بإيقاف صكوك الغفران التي استعان بها البابا حنا الثالث والعشرون في حربه ضد مملكة نابلي، وقد أحرق حنّا هس حياً عام 1415م.

وفي أوائل القرن السادس عشر نادى آزرم بالإصلاح، واحتفظ بعلاقات طيبة مع الكنيسة والبابا ليو العاشر، ومثله فعل معاصره توماس مور.

وفي بداية هذا القرن أيضاً ظهر مارتن لوثر، وهو قس ألماني ذهب إلى الحج في روما طالباً بركات البابا فيها، وفي ذهنه صورة من النقاء والطهر والخشوع. لكنه فوجىء في روما بواقع آخر، فجعل يصيح بأن ليس هذا دين عيسى، وعاد لألمانيا يدعو للإصلاح، وهاجم صكوك الغفران واعتبرها دجلاً، وانضم إليه أتباع سموا بالمحتجين (البروتستانت). ثم تأثر بلوثر الفرنسي كالفن المولود عام 1509 م، ثم السويسري زونجلي، وأسس كلفن التنظيم الكنسي البروتستانتي. وقد انتشرت أراء هذه المدرسة الإصلاحية في ألمانيا وأمريكا واسكتلندا والنرويج وهولندا.

تاريخ الصراعات الطائفية

عاشت الطوائف المسيحية في أوروبا صراعات طويلة فيما بينها، منذ أن أصبحت المسيحية دين الدولة الرومانية في القرن الرابع الميلادي.

ومن أول وأبرز هذه الخلافات: الانقسام الذي حدث بين الارثوذكسية والكاثوليكية، حسب الانقسام الذي حدث في الامبراطورية الرومانية، بين القسم الشرقي البيزنطي وعاصمته القسطنطينية (اسطنبول الحالية)، والقسم الغربي وعاصمته روما. وقد بلغ الصراع بين الطرفين، بحيث أن الحملات الصليبية الكاثوليكية قد هاجمت ونهبت وحرقت عاصمة الارثوذكس، القسطنطينية، إلى درجة أنها ساعدت  حسب  بعض السرديات الارثذكسية التي حصلنا عليها في البحث، على انتصار الاتراك المسلمين واسقاطها في القرن الخامس عشر.

ثم تلى ذلك في القرن السادس عشر الانقسام بين البروتستانت والكاثوليك، حسب الانقسام بين اوروبا الشمالية الاسكندنافية الجرمانية الانكليزية( بروتستانية )، وأوروبا الجنوبية اللاتينية (كاثوليكية).

وكان هذا الانقسام هو الأعنف والأكثر وحشية في تاريخ الانقسام الديني في العالم أجمع. وقد تخللته حروب وعمليات إبادة لملايين الناس الأبرياء بصورة تفوق الوصف، وكان ذلك سبباً في تشكيل الصليب الأحمر بعد أن تعفنت الجثث وانتشرت الكوليرا. ومن بين تلك الحروب حرب ما أُطلق عليه (حرب الثلاثين عاما، وحرب الخمسين عاما وحرب المائة عام).

كل ما سبق إجابة على سؤال ظل بدون إجابة لدى البعض وهو إذا كانت روسيا دولة أوروبية لماذا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي؟، ولماذا يظهر بوتين الآن وهو يؤدي طقوساً أرثذوكسية؟

Exit mobile version