ذي أتلانتك عن غزو بوتين لأوكرانيا: لا أحد يعرف ما سيخرج من رماد الحرب

تحت عنوان “الأسبوع الذي حدث فيه عقد” نشرت مجلة “ذي أتلانتك” مقالا لريتشارد فونتين، قال فيه: “شكرا لغزو فلاديمير بوتين، فمرحلة ما بعد الحرب الباردة قد انتهت”.

واستوحى الكاتب عنوان مقاله من مقولة شهيرة للزعيم الشيوعي فلاديمير لينين: “هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وأسابيع تحدث فيها عقود”. وعلق الكاتب أن غزو فلاديمير بوتين غير المبرر لم يؤد ببساطة إلى مقاومة بين الأوكرانيين التي ألهمت العالم، ولكنه حفّز تحولات جيوسياسية مثيرة للدهشة في حجمها وسرعتها. ولم يعد العالم اليوم مثل ما كان عليه في الأسبوع الماضي، ومع أنه لا يعرف بعد مسار بوتين ولا سياسة روسيا، إلا أنه لا رجعة للوضع الراهن قبل الغزو. فمرحلة ما بعد الحرب الباردة التي بدأت عام 1991 قد انتهت.

قبل أيام كان يُنظر في واشنطن والعواصم الأوروبية إلى روسيا كقوة متجهمة وتصحيحية يقودها رئيس ساخط من مكانة بلاده في العالم، ولكنه بشكل عام، فضّل البراغماتية والانتهازية على التخبط الوحشي. وقد تغيرت هذه المشاعر بين ليلة وضحاها، وبات يُنظر لروسيا اليوم كخطر حاضر وواضح.

ويعتبر عدوان بوتين ضد أوكرانيا هو المثال الأوضح، إلا أنه ليس الوحيد، فقد هددت روسيا كلا من فنلندا والسويد بتداعيات عسكرية وسياسية لو انضمتا إلى حلف الناتو، ووضع بوتين أسلحته النووية في حالة تأهب. وقبل أيام، زار قادة أوروبا موسكو لمناقشة صفقة دولية تهدف لإنهاء هجومه الحدودي الأخير على أوكرانيا عام 2014. لكن لا أحد يزور العاصمة الروسية، فلم تعد هناك أية ثقة أو تسامح مع نظام بوتين.

وأضاف الكاتب أن اقتصاديات العالم باستثناء الصين، تضافرت بسرعة مثيرة للدهشة لكي تلحق ضررا بالاقتصاد الروسي، مما سيثير أزمة اقتصادية وتحديا من الواردات الروسية التي سيطال أثرها كل المواطنين. وربما أجبرت العقوبات على البنك المركزي الروسي، البلد على التخلف عن سداد ديونه السيادية. وتم تنحية المخاوف السابقة بشأن المخاطر التي قد تصيب الدول الخارجية من الركود الناجم عن كوفيد-19 جانبا، وكذا مظاهر القلق من الاضطرابات الاقتصادية التي قد تحدث في روسيا وبتداعيات غير معروفة. وأصبحت الفكرة عن الميزانية الدفاعية الألمانية المنخفضة وتجنبها الخوض في النزاعات، أمرا من الماضي.

وأعلن أولاف شولتس، المستشار الألماني المنتخب حديثا، عن ميزانية دفاعية بقيمة 100 مليار يورو، وزيادة في النفقات الدفاعية بنسبة 2% من الناتج المحلي الألماني العام. وبعبارات أخرى، حقق عدوان بوتين في أيام، ما لم تحققه المماحكات مع الرؤساء الأمريكيين في عقود. وقال شولتز: “يجب علينا وقف مثيري الحرب مثل بوتين. هذا يقتضي قوة من جانبنا”. وبالمصطلحات الأمنية، فهذا قد يؤدي إلى ولادة ألمانيا ما بعد الحرب الباردة.

وتتلاشى الحيادية أيضا، فقد اصطفت فنلندا والسويد مع الغرب ضد موسكو، وربما حرفهما الغزو الروسي باتجاه طلب العضوية في الناتو. ويناقش صناع القرار في البلدين هذه الإمكانية لمنع تهديد بوتين. ولأول مرة، تؤيد غالبية الفنلنديين العضوية في الناتو. وحتى لو لم تصبح هلنسكي وستوكهولم أعضاء في الناتو، فقد باتتا تنسقان معه. وكلاهما يرسل السلاح إلى أوكرانيا.

وستقوم سويسرا المحايدة أيضا بتجميد الأرصدة الروسية بسبب العدوان على أوكرانيا. وقال رئيس البلد إغناسيو كاسيس: “هجوم روسيا هو هجوم على الحرية وهجوم على الديمقراطية وهجوم على المدنيين وهجوم على مؤسسات بلد حر”. وأكد: “لا يمكن قبول هذا” في وقت انطلقت تظاهرات في شوارع العاصمة بيرن، معبرة عن “قرفها” من الغزو الذي ساعد في تركيز أنظار بلد التزم الحياد منذ 1516.

ويرى الكاتب أن التحول امتد أبعد من أوروبا، فقد فرضت اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وكندا وأستراليا العقوبات على روسيا. وشجبت تركيا التي أقامت علاقة دافئة مع روسيا سابقا “الحرب الظالمة وغير القانونية” وستغلق الممرات البحرية نحو البحر الأسود أمام البوارج الحربية الروسية. ثم هناك الصين، القوة العظمى التي أعلنت قبل أسابيع أنه “لا حدود” للشراكة مع روسيا، وأصدر البلدان “مانفستو” تصحيحي تعهدا فيه بدعم بعضهما البعض، وأكد على مكانهما الصحيح في النظام الدولي.

وتشعر بكين اليوم بالانكشاف بعد “الغزو الوحشي” الذي شنه بوتين. وفي الوقت الذي اتحدت فيه الدول القوية، وقفت الصين مع روسيا المتهورة التي تصبح فقيرة ومعزولة. واجتاز الاتحاد الأوروبي الذي ظل يتحدث لعقود عن قوته العسكرية نقطة اللاعودة “نهر الروبيكون”. وأعلن نهاية الأسبوع عن خطط لتزويد أوكرانيا بالأسلحة الفتاكة بما فيها الطائرات. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسلا فون دير لاين: “لأول مرة أبدا، سيوفر الإتحاد الأوروبي التمويل لشراء وإيصال الأسلحة والمعدات الأخرى لدول تتعرض للهجوم، وهذه نقطة محورية”.

ويرى الكاتب أن معاملة العالم لروسيا ستكون أكثر التحولات العميقة. وهي أكبر بلد من ناحية المساحة وقوة في مجال النفط والغاز، وأكبر دولة لديها ترسانة نووية. ورغم ذلك، فالستار يغلق عليها ويفصلها عن منافع العولمة، مثل التجارة والسفر والتمويل والتكنولوجيا. وستكون النتيجة، بلدا فقيرا وضعيفا ومعزولا.

ولم تعد الدول تحاول تغيير سلوك روسيا، بل تريد منعها من إظهار قوتها. كل هذا حدث في نهاية أسبوع فقط. ولا نعرف أياً من التحولات الضخمة سينتصر. فالحرب والرد عليها في بداياتها، ولا أحد يعرف العالم الذي سيخرج من رماد أوكرانيا، هناك ملامح تظهر وهي مختلفة عن العهد الماضي. وكما قال لينين: “هناك عقود لا يحدث فيها شيء وأسابيع تظهر فيها عقود”، وهذا هو أسبوع من تلك الأسابيع.

Exit mobile version