دروس من الهجوم الروسي الوحشي على أوكرانيا

 

“تركونا وحدنا! –  لا أحد يقاتل معنا!”، هذا ما قاله الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، بعد الهجوم الروسي الوحشي على بلاده، تذكرت ما قاله هذا الرئيس قبل أقل من عام (21/5/2021م)، عندما كانت غزة تتعرض لهجوم وحشي من قبل قوات الغزو النازي اليهودي في فلسطين المحتلة، حيث راحت طائرات الفانتوم تضرب المدنيين العزل في القطاع، وتدمر العمائر الشامخة فتهوي على الأرض، ولم تترك بيوتاً أو مساجد أو مدارس أو مشافي إلا وقصفتها بالقنابل الثقيلة! لم يهز الإجرام اليهودي الرئيس الأوكراني، وتخلى عن إنسانيته لحساب يهوديته، فأخذ يتباكى على اليهود المساكين الغزاة الذين تملأ سماءهم صواريخ حماس البدائية، وبكل ما أوتي من بلاغة أدان الضحايا الفلسطينيين، ولم يقل للغزاة اليهود القتلة اتركوا شعب فلسطين وأرضه، وعودوا إلى البلاد التي أتيتم منها لتعيشوا في أمان.

لسنا شامتين في رئيس أوكرانيا (اليهودي)، ولا نتمنى لشعب أوكرانيا الأذى، نشير فقط إلى أن القيم الإنسانية لا تتجزأ، وأن الإيمان بالقانون الدولي يجب أن يحترم، وكان ينبغي على زيلنسكي أن يرفض العدوان النازي اليهودي على الشعب الفلسطيني في غزة، كما يرفض الآن العدوان النازي الروسي على شعبه الأوكراني، ولكن بعض الناس يعشقون الكيل بمكيالين!

 كل إنسان يملك ضميراً حراً يدين العدوان الروسي الوحشي على أوكرانيا، ويرفض المنطق النازي الذي يحرك هذا العدوان الغشيم الذي تدخل بقوة نارية ثقيلة، فدمر 118موقعاً عسكرياً ومطارات وقواعد عسكرية أوكرانية، بالإضافة إلى تدمير البنية الأساسية لمعظم المدن الأوكرانية، ولم يكتف بذلك بل أطلق الدبابات في شوارع المدن لتضرب وتسحق، وقد رأى العالم كيف سحقت دبابة روسية عن عمد سيارة خاصة بمن فيها وسوّتها بالأرض. إنه يذكّر العالم أيضا بما فعلته القوات الروسية في سورية حين لم تبق على هدف مدني سليماً، فقصفت المنازل والأسواق والمدارس والمساجد والمشافي، وتفاخر وزير الدفاع الروسي أن جيشه في سورية جرب 325 نوعاً من الأسلحة ضد من يسميهم الإرهابيين (الشعب السوري في منظومة الوحشية الروسية كله إرهابي!).

الجديد في حرب أوكرانيا أنها عبرت صراحة لأول مرة عن منطلق ديني مسيحي، فقد زار القيصر الحاكم بوتين الكنيسة الأرثوذكسية ونزل عارياً إلى المغطس ليتم تعميده من جديد قبل أن يبدأ الحرب، وعبر في خطابيه يومي 21، 24من فبراير  الماضيين عن معانقة الدين للسياسة حين استدعى التاريخ القيصري منذ قرون طويلة مضت، كانت فيها الكلمة الأولى للكنيسة التي دشنت الحروب الروسية وصناعة الإمبراطورية، ولم يكن القيصر بوتين بعيداً عن الدين وهو يشاهد الأنبا كيريل رئيس الكنيسة الأرثوذكسية يبارك القوات الذاهبة إلى سورية، ويعلن أنها في مهمة مقدسة لحماية المسيحيين السوريين، وباسم هذه المهمة صنع عصابات فاجنر المأجورة التي تحارب في ليبيا والساحل الإفريقي المسلم وإفريقية الوسطى، وتحول بين هذه الشعوب وإسلامها واستقرارها، ولا ريب أن القيصر الجديد النابت من تاريخ الكنيسة القديم لم يتورع عن سحق المسلمين في الشيشان، وسورية، ومساعدة الطغاة الذين يحاربون شعوبهم في شتى أنحاء العالم، لن يجد غضاضة في الزحف متجاوزاً أوكرانيا إلى بقية الشعوب السلافية ليعيد أمجاد البيزنطيين في القسطنطينية!

هل نفهم على ضوء ذلك البيان المائع للأنبا كيريل رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الذي لم يدن الحرب صراحة ولم يطالب بوقفها، واكتفى بالحديث عن استيائه من الاجتياح، وتعاطفه بشدة مع الذين مستهم المتاعب!

لم تنتبه النخب العربية المعادية للإسلام أن بوتين أصدر قراراً عام 2016م بمعاقبة كل من يهين مشاعر المؤمنين داخل الكنيسة أو خارجها، وطبقه على بعض المواطنين، الذين كانوا يظنون أن مقولة ماركس “الدين أفيون الشعوب” مازالت سارية، وأن الإساءة إلى الدين ليست لها عقوبة بالسجن سنوات، وهو ما يتجاهله مثقفونا المستنيرون الذين يكرهون الإسلام!  

ومن أطرف التهم التي وجهها القيصر بوتين إلى الحكومة الأوكرانية قبل الاجتياح أنها هضمت حقوق المسيحيين الأرثوذكس، وأهملت اللغة الروسية التي يتحدثون بها! قارن ذلك بموقف نخبنا العربية المتصدرة للمشهد الثقافي وهم يحتقرون اللغة العربية، ويزدرون الدين الإسلامي، ويرفعون شعار الفصل بين الدين والسياسة!

لقد أثار الاجتياح الروسي لأوكرانيا قضايا كثيرة تتعلق بالعلاقات بين دول العالم الكبرى والصغرى، ومعظمها يتعلق بنا نحن العرب والمسلمين، وخاصة ما يرتبط بتطبيق القانون الدولي، وفي مقدمتها أن القانون لا ينفذ إلا على الضعفاء وأن الفصل السابع لا يطبق إلا على الدول التي لا تملك إرادتها.

هناك من يعتمد على دول كبرى ظناً أنها تحميه وتدافع عنه، ولكن أيا من هذه الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة لا تحمي أحداً، وفقاً للمثل الشعبي (المتغطي بأمريكا عريان!)، فهي ليست على استعداد للتضحية بقطرة دم واحدة من أحد جنودها من أجل دولة أخرى، ولو كانت هذه تمنحها ثروات وأموالا ومواقع استراتيجية. وها هو رئيس أوكرانيا، يعلنها صريحة نقف وحدنا، لا أحد يقاتل معنا أو يدافع عنا. لقد كان سقف توقعاته عالياً قبل الاجتياح، ويبدو أن تصريحات المسؤولين في أمريكا والغرب قد أسكرته، ولكنه أفاق على جنازير الدبابات ودوي القذائف، ووجد نفسه وحيدا، إلا من نقيق الضفادع التي تتحدث عن عقوبات اقتصادية يمكن تحملها، ومساعدات جاءت أو تأتي بعد فوات الأوان، وسقوط كييف أمسى قريباً، وإقامة حكومة تأتمر بأمر بوتين بات وشيكاً.

وكان من المضحكات المبكيات ما جرى في مجلس الأمن الدولي، حيث منع حق النقض إدانة روسيا المعتدية، وحق النقض هذا هو الذي تستخدمه الولايات مراراً وتكراراً لحماية دولة الاحتلال الصهيوني من الإدانة، فترتع وتلعب وتقتل وتقصف دون أن يؤاخذها أحد، وها هي الولايات المتحدة تفكر في استصدار قرار غير ملزم من أعضاء الأمم المتحدة بإدانة روسيا، وهو ما يلجأ إليه العرب المهزومون الضعفاء أحياناً! 

لقد سمعنا لأول مرة الرئيس الألماني يخاطب بوتين: أتوسل إليك أوقف الحرب، ولكن بوتين بقوته الباطشة لا يصغي للرئيس الألماني، ويسيطر على المطارات والمواقع الاستراتيجية، ويسيطر على محطة تشيرنوبل النووية، ويؤمنها، ويعلن الرئيس الأوكراني استعداده لمناقشة الوضع المحايد لبلاده، ولكن بوتين يصر على الاستسلام أولاً، ثم نزع سلاح أوكرانيا، وتشكيل حكومة عسكرية موالية له!

بوتين الطالع من عمق الكنيسة يقدم لنا دروساً في بناء القوة وفهم المصالح القومية والتخطيط المحكم (طويل المدى) لتحقيق الأهداف ولو كانت غير مشروعة، ولا عزاء للضعفاء والقاعدين عن العمل!

 

Exit mobile version