مراقب إخوان سوريا لـ”المجتمع”: مجزرة حماة علامة فارقة ومؤلمة بتاريخ سوريا المعاصر

د. محمد حكمت وليد

“أكدت مجزرة حماة منذ فترة مبكرة أن هذا النظام الدكتاتوري الطائفي الفاسد محمي بشكل دولي وعنده مناعة ضد المحاسبة”.. بهذه العبارة لخص المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا الدكتور محمد حكمت وليد الموقف الدولي من المجازر التي تتعرض لها بعض الشعوب على يد حكامها السلطويين، ومنهم الشعب السوري الذي ذاق الويلات قديما وحديثا على يد النظام الأسدي الغاشم.

جاءت تصريحات مراقب إخوان سوريا في حوار خاص مع “المجتمع”؛ حيث تطرق لمذبحتي حماة (الأولى والثانية)، وما تبعهما من مجازر في بعض دول الربيع العربي، وذلك بمناسبة مرور 40 عاما على مجزرة حماة الأولى.

فإلى تفاصيل الحوار:

* مضى أربعون عاماً على مجزرة حماة.. ما أهمية استذكار هذه المجزرة الأليمة؟

** كانت هذه المجزرة علامة فارقة ومؤلمة في تاريخ سورية المعاصر، لأنها سنّت سُنة المجازر الجماعية المنفلتة من أي عقال، والإفلات من أية عقوبة محلية أو دولية.

إن عشر معشار هذه الجرائم التي قام بها نظام الأسد كانت كفيلة بالإطاحة بأكبر جزاري العصر الحديث، لكن الدولة الأسدية حصلت على رعاية تمييزية من لاعبين مؤثرين دولياً لتثبت سلطتها الغاشمة بالحديد والنار، وما زالت تمارس أساليب الإبادة الجماعية تحت سمع العالم وبصره حتى اليوم.

لقد أكدت مجزرة حماة منذ فترة مبكرة أن هذا النظام الدكتاتوري الطائفي الفاسد محمي بشكل دولي وعنده مناعة ضد المحاسبة، كما أثبتت أن الفكر السياسي في العالم في أزمة، ويعاني من فشل أخلاقي وفشل في الإحساس، لذلك لابد لتغيير هذا النظام من أن تُعدّ العدة الصحيحة على كافة المستويات.

* مجزرة حماة الأولى.. ما هي؟ ومتى حدثت؟ وكيف حدثت؟ ومن المجرم الذي ارتكبها؟

** بدأت المجزرة في 2 فبراير عام 1982 واستمرت 27 يوماً ضد مدينة حماة وشعبها، حيث قام النظام بتطويق مدينة حماة وقصفها بالمدفعية ومن ثم اجتياحها عسكرياً وارتكاب مجزرة مروعة كان ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين من أهالي المدينة..

وكان قائد تلك الحملة العقيد المجرم رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع بتوجيه وأمر من شقيقه المجرم الأكبر الرئيس حافظ الأسد..

كان عدد سكان حماة يقارب 750 ألف نسمة في ذلك الوقت، وقد عاشت حماة أصعب أيام حياتها في أكبر حملة عسكرية عليها وأكثرها شراسة؛ حيث استخدمت حكومة حافظ الأسد الجيش النظامي والقوات المدربة تدريباً قاسياً ووحدات من قوات الأمن في القضاء على المعارضة واجتثاثها.. وقد منح القوات العسكرية كامل الصلاحيات لضرب أهالي حماة وتأديب المتعاطفين معهم.

* هل كان رفعت الأسد المجرم الوحيد الذي ارتكب المجزرة؟

** كان رفعت الأسد المجرم الرئيسي وقائداً لسرايا الدفاع التي شاركت في المجزرة، لكن شارك معه آلاف من جنود الوحدات الخاصة بقيادة اللواء “علي حيدر” ومجموعات من سرايا الصراع (عدنان الأسد) وقوات التحرك السريع التابعة لسرايا الدفاع برئاسة العقيد (علي ديب)، بالإضافة لقوات الجيش النظامي المتمثلة في الفرقة الثالثة واللواء 47 المدرع واللواء 21 ميكانيكي بقيادة العقيد (فؤاد إسماعيل)..

عمدت تلك القوات إلى إغلاق كل مخارج المدينة وعزلها عن العالم الخارجي، ورافق ذلك انقطاع الكهرباء ومعظم أجهزة الهاتف، وغرقت المدينة بعدها في ظلام طويل..

كان من الواضح في هذه الحشد العسكري الضخم أن حافظ الأسد يريد أن يسدد لمدينة حماة ضربة قاضية لا تقوم لها من بعدها قائمة.

* ما مدى التغطية الإعلامية في حينها للمجزرة؟

** مضت عدة أيام قبل أن يصحو العالم على هول المجزرة التي ارتكبها النظام، وحينها لم تكن الفضائيات ولا وسائل الاتصال الحديثة بشكلها المتطور الذي هي عليه اليوم.. وقد مر شهران قبل أن تسمح الحكومة السورية للصحفيين بزيارة خرائب المدينة، التي استمرت تحت قصف الدبابات والمدفعية والطيران ثلاثة أسابيع كاملة.

المجزرة الأسدية سنّت سُنة المجازر الجماعية بالمنطقة وإفلات الأنظمة من العقاب دوليا

وقال روبرت فيسك -الصحفي الإنجليزي الذي كان في حماة بعد المجزرة بفترة قصيرة- إن عدد الضحايا وصل إلى 20000، ووفقاً لتوماس فريدمان فإن رفعت الأسد تباهى بأنه قتل 38000 في حماة، وقالت اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن عدد القتلى تراوح بين 30 إلى 40 ألفاً غالبيتهم العظمى من المدنيين وقضى معظمهم رمياً بالرصاص بشكل جماعي ثم تم دفن الضحايا في مقابر جماعية..

وتشير بعض التقارير إلى صعوبة التعرف على جميع الضحايا لأن هناك ما بين 10 و15 ألف مدني اختفوا منذ وقوع المجزرة، ولم يعرف ما إذا كانوا أحياء في السجون العسكرية أم أمواتا.

* هل هناك شهادات شهود عيان موثقة؟

** بسبب القمع الشديد والخوف الذي زرعه النظام في قلوب الناس لم يجرؤ الكثيرون من شهود العيان على إعطاء شهاداتهم حتى بعد سنوات من المجزرة تحسباً للانتقام من أقاربهم وأصدقائهم في الداخل السوري..

ولكن صحفياً فرنسياً اسمه شارل بوبت -وهو محرر في جريدة ليبراسيون الفرنسية- استطاع دون بقية الصحفيين العرب والأجانب أن يدخل إلى قلب مدينة حماة أثناء الأحداث، وبعدما عاد إلى فرنسا نشر تحقيقاً مطولاً يعتبر شهادة حيّة تحكي لنا ما شاهده بنفسه من مآسٍ وأهوال، يقول في تقريره الذي نشرته الصحيفة يوم الإثنين الأول من مارس عام 1982: “الساعة السابعة صباحاً.. تبدو حماة مدينة غريبة، الأبنية الحديثة تبدو كأنها حيوانات ضخمة جريحة واقفة على ظهرها، الطوابق الأرضية ظاهرة، والأعمدة التي تستخدم عادة لحمل الطوابق الأخرى كانت عارية ومتجهة نحو السماء بشكل مستقيم، وعلى قمتها قضبان حديدية ملتوية وصدئة..

إنني أمشي الآن وسط بيوت متهدمة وأشجار مكسرة وأعمدة ملوية أو منزوعة من مكانها..

هناك قليل من السكان، ومثلهم فإنني أتنقل بحذر أثناء المسير.. ننتقل من بيت إلى بيت.. ومن فوقنا تمر طائرة هليكوبتر، وأمامنا عائلات بأكملها تبكي.. جثث تجرّ من أرجلها أو محمولة على الأكتاف، أجساد تتفسخ وتنبعث منها رائحة قاتلة، وأطفال تسيل منهم الدماء وهم يركضون لاجتياز الشارع.. امرأة ترفض أن تفتح لنا منزلها، إنها ليست زيارة متفق عليها، إنني غير مرغوب في مثل هذه الساعات.. ونهيم على وجوهنا أنا ومرافقي -أحد أبناء المدينة الذي تطوع بهذا العمل- ولكن كنا محتاجين لأن نبقى ضمن الأحياء التي ما تزال في أيدي الثوار التي تضيق رقعتها شيئاً فشيئاً.. وأخيراً تستجيب المرأة لتوسلات مرافقي وتفتح لنا.. إنها تخبئ زوجها.. ها هو ذا أمامنا مسجّى على الأرض دونما رأس، ميتاً منذ 5 فبراير!! وهكذا فإن كثيراً من الناس يخبئون جرحاهم خشية أن تجهز عليهم القوات الحكومية.. أما الأموات فإن أهاليهم يدفنونهم بسرعة إذا أمكن فيما أصبح يطلق عليه اليوم مقبرة الشهداء في الزاوية الكيلانية (التي تم نسفها كلياً فيما بعد)..

بضع طلقات نارية صوب الجنوب تتبعها رشقات قوية، وخلال عشر دقائق كانت القذائف تتساقط كالمطر أينما كان، وحيثما تسقط كنت تسمع صرخات الرعب ونداءات التوسل إلى الله على بضعة أمتار منا، شاهدنا رجلاً يتمزق تماماً ويسقط فوق جدار كما لو أنه هيكل عظمي، ولم أصدق عيني، ولكن عندما ظهرت الطائرات من جديد فوقنا دفعني مرافقي لتحت منزل صارخاً “ها هم يعودون”.

* ما مقدار الدمار الذي حل بالمدينة؟

** بلغت نسبة التدمير في المدينة 80% وسوّي ثلث المدينة بالأرض وتم حرق الكثير من المنازل بمن فيها من نساء انتقاماً من أزواجهن.. أما العيادات المدمرة فبلغ عددها 40 عيادة.. بينما دمر 600 محل ومتجر.. وبلغت نسبة المدارس التي دمرت جزئياً 60% في حين بلغت نسبة المدارس المدمرة كلياً 40%..

تم اعتقال أكثر من 20 ألف شخص بتهم سياسية أو بتهمة الانتساب للإخوان المسلمين.. كما تم إزالة 88 مسجداً و3 كنائس ومناطق أثرية وتاريخية.. واضطر نحو 100 ألف نسمة إلى الهجرة عن المدينة.

* ماذا عن المجتمع الدولي آنذاك؟

** لم تنكشف أبعاد المأساة للرأي العام العالمي كذلك إلا بعد أسابيع من المذبحة، علماً أن مخابرات هذه الدول لم تكن بعيدة عن حقيقة ما جرى من مجازر.. وقد نشرت صحيفة (دي تسابت) الألمانية بتاريخ 2/4/1982 تقريراً عن مجازر حماة تحت عنوان “مذبحة كما في العصور الوسطى – كيف ابتلى أسد مدينة حماة بالموت والدمار”..:

فلقرابة أربعة أسابيع في فبراير أُغرقت حماة بالدماء والآلام من قبل قوات بلغت 11 ألف رجل (مدرعات ومدفعية وطائرات مروحية ومظليين وقوات حماية النظام الخاصة وقوات حماية أمن الدولة)، لقد انتهت فترة القتل والنهب والحرق التي تذكر بالقرون الوسطى وسكتت المدافع وغدت المدينة أنقاضاً ورماداً..

إن مدينة حماة التي ذكرت في الإنجيل (في الوصايا القديمة) تقع على نهر العاصي.. هي واحدة من أقدم مدن العالم.. لم تعد الآن موجودة.. لقد توقفت النواعير الأسطورية التي كانت منذ قرون تملأ القناطر ومستودعات المياه، ولم يبقَ من المدينة ومن متاحفها ذات الماضي البابلي والآشوري والسليماني إلا بقايا تعيسة.. ويلجأ الملحقون العسكريون الغربيون إلى انطباعات وأسماء من الحرب العالمية الثانية لتصور أبعاد الدمار الذي حل بالمدينة، أسماء وانطباعات عن مثل برلين عام 1945 وستالينغراد.

كما ذكرت مجلة الإيكونوميست في عددها الصادر في مارس 1982 تحت عنوان أهوال حماة:

إن القصة الحقيقية لما جرى في شهر شباط في مدينة حماة الواقعة على بعد 120 ميلاً شمال دمشق العاصمة لم تعرف بعد وربما لن تعرف أبداً. لقد مرّ شهران قبل أن تسمح الحكومة السورية للصحفيين بزيارة خرائب المدينة التي استمرت تحت قصف الدبابات والمدفعية والطيران ثلاثة أسابيع كاملة. ونتيجة لذلك فإن قسماً كبيراً من المدينة القديمة القائمة في وسط البلد قد مُحي تماماً وسوّي مؤخراً بواسطة الجرافات.

إن عدد القتلى يرتفع إلى أكثر من 30 ألف شخص (بما في ذلك طبعاً خسائر الجيش) كما تقول تقديرات الإخوان المسلمين.. التقديرات الأخرى تقول بـ 9,000 فقط، ولكن ذلك رقم رسمي معطى من قبل المستشفيات ولا يأخذ بعين الاعتبار الأناس الذين دفنوا دون أن يدخلوا المستشفى..

لم يوفر القصف لا المساجد ولا الكنائس.. (في حماة يعيش حوالي 8000 مسيحي من طوائف مختلفة، ومنذ قرون، وهم يعيشون بسلام كامل وتآخٍ حقيقي مع أكثرية الشعب السنية المسلمة).

وفي الخرائب التي استحالت إليها أحياء الكيلانية والحميدية والزنبقية يبحث ناس حائرون صامتون وكأنهم مشلولون، وحولهم لا تتوقف الجرافات عن العمل حتى يوم الجمعة، فهي تزيل بقايا ممتلكاتهم التي يحملونها في أكياس نايلون وهي أكوام أنقاض، وتهدم الخرائب وتردم القبور الجماعية.

* هل وثق شهود المذبحة والناجون منها ما حدث؟

** هناك عشرات الكتب والمقالات والفيديوهات حول مجزرة حماة ومجازر سجن تدمر كتبها بعض شهود العيان والناجحون من المجزرة..

أهم هذه الكتب هو “حماة مأساة العصر” وكتاب “سنوات المجازر المرعبة” لعدنان سعد الدين وكتاب “تدمر شاهد ومشهود” لمحمد سليم حماد وكتاب “لأنهم قالوا لا” لمحمد عادل فارس وكتاب “خمس دقائق وحسب” لهبة الدباغ وكتاب “سنوات الخوف”..

“حماة” ومجازر الربيع العربي تزيدنا إصرارا على تخليص بلادنا من الطغاة المدعومين بالأجنبي

كما كان هناك منذ 3 سنوات شهادات عديدة في برنامج “مراجعات” على شاشة تلفزيون “الحوار”، قام بها الداعية السوري “محمود عاشور”.. وقبلها حلقات عديدة على شاشة الجزيرة في برنامج “شاهد على العصر” للمراقب العام السابق للإخوان المسلمين المرحوم “عدنان سعد الدين”.

* هل قامت المنظمات الحقوقية التابعة للجماعة بالتواصل والتنسيق مع المنظمات الأممية والإقليمية من أجل مقاضاة السفاحين من الطغمة السورية الحاكمة؟

** لقد وثقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان نماذج من سجل حكومة حافظ الأسد في إباده أسر بكاملها في مدينة حماة في شهر فبراير عام 1982..

وحددت ساعة وأماكن ارتكاب المجازر وأسماء الشهداء من هذه العائلات، ومنها مذبحة أسرة فهمي الدباغ وأسرة السيدة حياة الأمين ومذبحة آل الموسى وأسرة القياسة ومذبحة آل العظم والدكتور زهير مشنوق ومذبحة آل الصمصام وأسرة الكيلاني وأسرة أبو علي طنيش والتركماني..

وطالبت اللجنة إعلان أسماء المتورطين بالقتل وهم معروفون -وخاصة رفعت الأسد- كمجرمي حرب وتحميلهم مسؤولية أعمال إبادة المدنيين وتقديمهم للمحاكمة أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب.. وأكدت أن هذه الجرائم لا يمكن أن تسقط بالتقادم سواءً في المحافل الدولية أم الإقليمية.

* ما موقف الداخل السوري آنذاك؟ وما موقف الدول العربية حكومات وشعوب من المجزرة الأولى؟

** كان التعاطف كبيراً مع الشعب السوري وتم استقبال عدد كبير ممن خرجوا من سورية فارين بدينهم خاصة بعد المرسوم 49 لعام 1980 الذي يقضي بإعدام كل من منتسب أو ينتسب للإخوان المسلمين..

خرج عدد كبير من السوريين إلى دول الجوار مثل الأردن والعراق وكذلك إلى دول الخليج المختلفة ولاقوا هناك قبولاً شعبياً وحكومياً، خاصة أن غالبيتهم كانت من المثقفين وأصحاب الشهادات العالية والخبرات المتميزة في مجالات التربية والتعليم والطب والهندسة..

صحيح أنهم كانوا خسارة لسورية، ولكنهم كانوا أيضاً كسباً للدول التي آوتهم ونصرتهم واستفادت من خبراتهم.

* ما تفاصيل مجزرة حماة الثانية في 2012؟

** حاصر النظام السوري محافظة حماة خلال المرحلة المبكرة من الثورة السورية؛ حيث بدأت الاضطرابات الكبيرة في حماة يوم 3 يونيو 2011 وقد تركزت في المقام الأول في مركز المدينة وفي بعض الأحيان في الضواحي رداً على ما حصل وعلى مطالبة الشعب بسقوط بشار..

أطلقت قوات الأمن السورية الرصاص الحيّ مما تسبب في سقوط 25 قتيلاً من المدنيين العزل..

عاد الجيش مجدداً لاستعمال العنف حيث فرّق مظاهرة حضرها عشرات الآلاف من السكان المحليين يوم الجمعة الموافق 3 يونيو 2011.

واحتشد أكثر من نصف مليون من المواطنين في المدينة يوم 29 يوليو، وذلك بعد الصلاة ثم رددوا هتافات بصوت عالٍ: الشعب يريد إسقاط النظام..

أرسلت الحكومة مجموعة من الحافلات المكتظة بميليشيات علوية للسيطرة على حماة في 30 يوليو..

وعشية شهر رمضان، شهدت سورية أعنف يوم منذ بدء الانتفاضة السلمية وذلك بعد تعدّي الجيش على المتظاهرين؛ حيث شنّ هجوماً في الخامسة صباحاً على حماة ثم حاصرها بعد ذلك بوقت قصير..

وفي حادث منفصل في اليوم نفسه، حاول السجناء السياسيون التمرد في سجن حماة المركزي، لكن قوات الأمن ردت بالذخيرة الحية، ولم يعرف لحد اليوم عدد قتلى تلك المجزرة.

وقد ذكر أحد سكان حماة –وهو طبيب فضّل عدم الكشف عن اسمه خوفاً من الاعتقال- لـ”رويترز” أن الدبابات كانت تهاجم المدينة من الاتجاهات الأربعة كما كانت تُطلق النار بشكل عشوائي..

أما مقيم آخر –لم يكشف هو الآخر عن اسمه خوفاً مما قد يفعله به نظام الأسد- فقد قال إن القناصة صعدوا على أسطح شركات الكهرباء المملوكة للدولة ثم بدأوا في استهداف المدنيين..

قصفت دبابات الحكومة كذلك مجموعة من المساجد التي تعمّد من هم بداخلها الصياح عبر مكبرات الصوت بعبارة الله أكبر..

عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جلسة لمناقشه الوضع في سورية وذلك في 31 يوليو..

قطعت الحكومة خدمات الماء والكهرباء وجميع الاتصالات في حماة والقرى المحيطة بها، كما حاولت التضييق على ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، ليس هذا فقط، بل منعت الحكومة الصحفيين الأجانب من دخول البلاد لسببٍ من الأسباب مما عرقل نوعاً ما وصول المعلومات إلى الجهات الدولية..

ناقش مجلس الأمن في الأمم المتحدة الوضع في سورية في الثاني من أغسطس، حيث حاولت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا البحث عن بيان يدين سورية رسمياً وعارضته روسيا والصين..

في صباح يوم الثالث من أغسطس 2011 كانت المدينة قابعة تحت إطلاق النار المستمر، وقبل منتصف النهار اقتحمت دبابات الجيش السوري حواجز الثوار في مدينة حماة ثم احتلوا الساحة المركزية، في تلك الفترة انتشر عدد من المنشورات على موقع فيسبوك التي تفيد بأن الجيش قد تمركز في ساحة العاصي.

لا بد لنا من العودة للمبادئ التي أسستها الخلافة الراشدة وتمارسها الديمقراطيات المعاصرة

كما نشرت لجان التنسيق المحلية بياناً جاء فيه أن القصف تركز في بعض المناطق أكثر من غيرها، وأكدت نفس اللجان من خلال مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني على تعرض المدنيين للنار من خلال القناصة فوق السطوح، هذا فضلاً عن تعرض منازلهم للقصف جراء قصف بعضها بالدبابات..

في السياق ذاته أشار رامي عبد الرحمن رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى حصول مذبحة أخرى في حماة.

* ما رأيكم في قول يتخذه بعض الناس وهو أن ما جرى في حماة والمجازر الأخرى في ثورات الربيع العربي دليلٌ على أنه لا يجوز الخروج على الحكام الظلمة، ولا بد من المنهج الإصلاحي، وأن طاعة الحاكم أو مداراته على الأقل هي الأنفع للبلاد والعباد؟

** هذا سؤال مركب وفيه شؤون وشجون..  وأنا على عكس هذا الرأي تماماً.. بل أقول إن مجزرة حماة ومجازر الربيع العربي تزيدنا يقيناً أنه لا بد لخلاص البلاد والعباد من زوال هؤلاء الحكام الظلمة الذين يستعينون بالأجنبي على قهر شعوبهم، والخراب الذي عمّ هذه البلدان ليس سببه الثورات التي قامت بها الشعوب المضطهدة طلباً لحريتها وكرامتها، وإنما الظلم والاضطهاد وانتهاك كرامة الإنسان، الذي ولّد مخزوناً من الغضب تراكم على مرّ السنين وانفجر في وجه الطغاة.. وما دام هذا الظلم قائماً فالثورات مستمرة..

أما عن المنهج الإصلاحي فقد كان أمام نظام الأسد فرصة نصف قرن من الزمان ليقوم بالإصلاح، ولم نرَ إلا المزيد من الظلم والقهر والاستئثار بالسلطة والثروة..

المشكلة أن هذا النظام ورغم ما يبديه من جبروت وصلابة، هو نظام هش وغير قابل للإصلاح، وهو يعرف أن أي إصلاح في هذه المنظومة يعرضه للانهيار..

أما الحاكم المتغلب (ذو الشوكة) الذي يستولي على السلطة بالقهر والقوة وإراقة الدماء، فهو النموذج الذي عانت منه الأمم طويلاً خاصة في تاريخها المعاصر، وكان سبباً لتخلف بلادنا وقتل وتهجير العقول، ولا بد لنا من العودة للمبادئ التي أسستها الخلافة الراشدة وتمارسها الديمقراطيات المعاصرة.

* يقول البعض: أليس من الطبيعي أن يلجأ الحكام إلى الوسائل القمعية للمحافظة على سلطتهم التي اكتسبوها بقوة السلاح؟

أبداً ليس هذا طبيعياً، فالانتخابات وليست الدبابات هي الوسيلة للوصول للحكم، ومن حق الحاكم القبض على الخارجين على القانون وتقديمهم لمحاكمات عادلة، لكن ليس من حقه تهديم المدن فوق رؤوس ساكنيها للقبض على من يسميهم الإرهابيين، أو يزيل أحياء سكنية بكاملها من الوجود ويسويها بالأرض انتقاماً من يسميهم الخارجين على القانون.

Exit mobile version