الفقر والمرض واللجوء.. ثالوث مأساة اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري

يشتكي ذوو الاحتياجات الخاصة من اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري، إهمال المنظمات الإنسانية لمعاناتهم، حيث يقاسي أكثرهم ظروفاً معيشية صعبة، في ظل الفقر والمرض وقسوة اللجوء.
ومن هؤلاء؛ اللاجئ الفلسطيني “طارق” الذي تحدث وهو ممدد على فراشه في غرفة رطبة، ضمن ما يمكن وصفه بـ”شبه منزل”، مثقلاً بتقرحات جسده وهمومه “التي لا يرى لها نهاية”، ومنها حرمان ابنتيه هيفا (8 سنوات) وشهد (7 سنوات) من الدراسة بسبب ضيق الحال، وابنته الصغرى صبا (4 سنوات) من الاستمتاع بطفولتها البريئة، وفق تعبيره.
يقول “طارق” الذي فضّل الاكتفاء باسمه الأول: “بدأت معاناتي في أواخر عام 2012، حيث قررت مغادرة مخيم العائدين بمحافظة حماة (وسط سورية) مع عائلتي، والتوجه للشمال السوري، على أمل الوصول إلى الأراضي التركية عبر طرق التهريب، بحثا عن حياة أفضل، بعد أن توقف عملي في مهنة بلاط السيراميك، كحال كثيرين من أبناء المخيم، إثر اندلاع أعمال مسلحة على أطراف المخيم”.
ويضيف: “وصلنا إلى بلدة كفرناها (بريف حلب الغربي) وكانت خاضعة لفصائل المعارضة المسلحة، وخلال تواجدنا هناك اندلعت معارك بين القوات الحكومية والمعارضة على أطراف البلدة، وأثناء محاولتنا النزوح من البلدة أُصبت برصاصة استقرت في عمودي الفقري، وتسببت لي بشلل نصفي”.
وبعد أن أخرج تنهيدة من أعماقه؛ واصل طارق حديثه قائلاً: “حالي أكاد أن أصفه بأنه أسوأ ما يمكن أن يمر به رجل له زوجة وأطفال، فقد انعكس مرضي عليَّ وعلى أسرتي بشكل كبير، ما بين حالتي النفسية المحطمة، وزوجتي التي لا حيلة لها في منطقة لا تعرف فيها أحداً، وصغيرات فقدن الأب الذي يحميهن، وفجأة بات يحتاج إلى من يرعاه”.
ويعاتب “طارق” المنظمات الإنسانية على تقصيرها تجاهه وتجاه من يشاطره معاناته، إلا أنه تحدث عن تلقيه تبرعا من “هيئة فلسطين للإغاثة والتنمية” بمبلغ ألف و250 دولار لإجراء عملية جراحية، منذ سبعة أشهر، وهذا ما حصل، إلا أنه لم يحصل على دعم إضافي بعد العملية لاستكمال العلاج الفيزيائي، وشراء المستلزمات الطبية، ناهيك عن حاجات أسرته، والتي يتلقى جزءا منها تبرعات من “أهل الخير”.
دعم محدود
أما الفلسطيني عبيدة الشيخ هود، اللاجئ إلى الشمال السوري من مخيم “اليرموك” في دمشق، فرغم إصابته بالشلل النصفي نتيجة حادث سير، إلا أن ضعه المعيشي أفضل، بعد تضامن عائلات فلسطينية في قرية “عقربات” بريف إدلب الشمالي معه، بتأمين دعم مالي لبناء منزل صغير له في مخيم “المشروع الفلسطيني” السكني، وتكفلت تلك العائلات بتأمين تكاليف علاجه ومتطلباته من دواء وغذاء.
وعلى الرغم مما يعانيه عبيدة من شلل تام بالحركة، وما يترتب على ذلك من مأساة حقيقية له ولعائلته؛ إلا أنه عبّر عن ارتياحه إزاء العناية التي يتلقاها من جيرانه الفلسطينيين في المخيم.
وأشار  إلى أنه بدأ يشعر بقدميه، ويحرك أصابعه قليلا، “وهي إشارات لتحسن قريبٍ بإذن الله” وفق وصفه.
وعبّر عبيدة عن استيائه من ضعف دعم المؤسسات الإغاثية ومساهمتها في علاج ذوي الاحتياجات الخاصة، “الذين يحتاجون إلى تنسيق ومتابعة ودعم مستمر لهم ولعائلاتهم” وفق قوله.
مبادرات فردية لسد الثغر
بدوره؛ أكد المعالج الفيزيائي أحمد معتوق، وجود ضعف واضح وملموس فيما يتعلق بمتابعة معالجة ذوي الاحتياجات الخاصة في الشمال السوري، بسبب الأعداد الكبيرة للحالات والإصابات التي أصبحت مستعصية على الشفاء؛ بسبب الفقر وتكاليف العلاج المرتفعة.
وقال إنه “رغم وجود بعض المراكز الطبية التي تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أنها تعاني من ضعف في الكوادر والتمويل، ولا تغطي سوى جزء بسيط من الأعداد الكبيرة من المصابين في الشمال السوري”.
وأشار معتوق إلى أن “انقطاع الدعم عن هذه المراكز؛ سيحرم ذوي الاحتياجات الخاصة من متابعة علاجهم، مما سيؤدي إلى إشكالات صحية ونفسية مضاعفة، خاصة للأطفال”.
وكشف عن تقديمه عدة مشاريع للجهات الداعمة من أجل تخفيف معاناة ذوي الحاجات الخاصة، ومنها إنشاء مركز إيواء مجهز بالكوادر والأجهزة، إلا أن المؤسسات والمنظمات ما زالت تحجم عن دعم هكذا مشاريع، وفق قوله.
نظرة المجتمع
وأوضح معتوق أن المجتمع بشكل عام في الشمال السوري، بدأ يشارك معنويا في دعم ذوي الاحتياجات الخاصة، خاصة بعد حملات التوعية التي نُظمت في المنطقة، مستدركاً أنه “رغم التحسن الملحوظ في نظرة المجتمع إلى ذوي الاحتياجات؛ إلا أن هناك من لا يزال يتعامل بشكل معيق معهم”.
ويخصص معتوق يومين في الأسبوع لاستقبال المصابين بإعاقات مختلفة، وعلاجهم مجانا، بالإضافة إلى زياراته لذوي الحالات الصعبة في المخيمات، والذين ليس بإمكانهم التحرك.
والجدير بالذكر؛ أنه حتى الآن لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن بينهم الفلسطينيين في الشمال السوري.
يشار إلى أن قضية اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري، تحظى باهتمام من قبل الفلسطينيين، حيث تمكن المواطنون في مدينة القدس والداخل الفلسطيني المحتل، من جمع ملايين الدولارات، مؤخرا، لمساعدتهم على بناء منازل تأويهم، عوضًا عن الخيام التي دُمرت على وقع المنخفضات الجوية المتتالية.

Exit mobile version