عادت الوحدات الخاصة التابعة لجيش الاحتلال “الإسرائيلي” للعمل مجدداً لتنفيذ عمليات الاغتيال والتصفية بحق النشطاء الفلسطينيين بعد توقف دام عدة أشهر، من خلال قتل ثلاثة من المسلحين الفلسطينيين في قلب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، ممن تتهمهم بإطلاق النار على عدد من الأهداف الاحتلالية، العسكرية والاستيطانية، في الآونة الأخيرة.
لقد شكلت عملية الاغتيال هذه مناسبة لتسليط الضوء على عمل هذه الوحدات الدامية، باعتبارها سلاحاً خفياً للجيش “الإسرائيلي”، الذي لجأ لتشكيلها مع تصاعد قوة انتفاضة الحجارة عام 1987م، وإيقاعها للخسائر في صفوف جنوده ومستوطنيه، وقد أدت هذه الوحدات الدور الأكبر بملاحقة وتصفية المقاومين طوال سنوات انتفاضتي الحجارة والأقصى، متخذة عدداً من الأسماء، من بينها: “الوحدات الخاصة، المستعربون، وفرق الموت، دوفدفان، شمشون”.
من الأساليب التي تتبعها هذه الوحدات “الإسرائيلية” الخاصة: انتحال شخصيات عربية، الاختلاط بالفلسطينيين لإلقاء القبض على أشخاص معينين، أو قتلهم، انتحال شخصية صحفيين، مع العلم أن عملها جاء رداً على المشكلات التي واجهتها وحدات الجيش العادية في محاربة المقاومة الفلسطينية، خاصة المعنويات المتدنية لدى الجنود نتيجة الفشل في إنهاء المقاومة.
ازداد عدد الشهداء الفلسطينيين الذين قتلتهم هذه الوحدات السرية “الإسرائيلية”، بهدف تقليص المواجهة مع الجيش والاشتباكات العلنية مع الفلسطينيين إلى الحد الأدنى، وتخفيض عدد المظاهرات ضد الاحتلال، وحل مشكلة التغطية الصحفية والدعاية السيئة للجيش.
عندما أقام جيش الاحتلال هذه الوحدات أواخر عام 1988، كانت توصف بأنها بحجم فصيلة عسكرية، وبأن مجنديها خريجون من وحدات مختلفة في الجيش، غير أن تصاعد حدة المقاومة دفع به لتنظيم الوحدات، وتوسيع حجمها، وأصبح بإمكان من تبلغ أعمارهم 18 عاماً اختيار الالتحاق بها بالطريقة نفسها التي يمكنهم اختيار الالتحاق بأي وحدة نخبوية كالمظليين وغولاني، مع أن الأفضلية في تجنيدهم للوحدات الخاصة تعطى لمن لديه ملامح شرق أوسطية.
يقوم الجيش “الإسرائيلي” بإعداد نموذج لقرية عربية، فيها دكاكين متراصة، ومسجد يتوسطها، وبجانبه مدرسة على جدرانها شعارات وطنية، وعدد من السيارات في أزقة ضيقة، وامرأة قروية ومزارع، لكن من يقترب من هذه القرية، سيجد أنها مصنوعة من الجبص، وهو نموذج اصطنعه الجيش ليتدرب فيه المستعربون، كي يتعايشوا مع نمط الحياة الفلسطينية، ويكونوا على اطلاع على عاداتها وتقاليدها، كي لا يثيروا الشكوك بشخصياتهم عندما يقومون بأعمال اختطاف وتصفية داخل المجتمع الفلسطيني “الحقيقي”.
عند القيام بأعمالهم السرية، يصل عناصر هذه الوحدات في سيارات غير عسكرية تحمل اللوحات الفلسطينية الخاصة، ولهم أن يستخدموا سيارات مصادرة من أصحابها الفلسطينيين في المنطقة لأسباب عسكرية، بحيث تكون مألوفة للفلسطينيين، كما تستعمل الشاحنات في بعض الأحيان، لسهولة نقل أعداد كبيرة من أعضاء القوات السرية، ولنقل القتلى والجرحى من الساحة.
وفي محاولة لطمس الفارق بين اليهودي والعربي، تحاول القوات السرية أن تتماشى مع الأزياء والعادات الفلسطينية من خلال ارتداء ملابس مدنية صنعت محلياً، أو ألبسة عربية تقليدية، وضمان أن يكون عضو واحد على الأقل يجيد التحدث باللغة العربية، ويستخدم الجنود أزياء مسرحية مثل الشعر الاصطناعي، والعكازات المزيفة، والثياب الفضفاضة لإخفاء الأسلحة، كما يتنكرون كصحفيين أجانب، وفي أزياء سياح، وفي عدة مناسبات يتظاهرون بأنهم يهزون رضيعاً اكتشف فيما بعد أنه دمية أو سلاح، بغية التسلل لمخيمات اللاجئين دون أن يكشفهم أحد.
في الوقت ذاته، فإن بعض أفراد الوحدات الخاصة يذهبون لمهماتهم مقنعين تماماً، ويتظاهرون بأنهم أعضاء في منظمات فلسطينية، يرمون الحجارة على الجنود، ويشاركون في نشاطات المقاومة من أجل التجسس على الشباب.
يجري تنسيق العمليات السرية للوحدات الخاصة مع جيش الاحتلال وجهاز الأمن العام (الشاباك)، الذي يوفر المعلومات عن الهدف الفلسطيني المطلوب، ويتضمن التخطيط في العادة نصب كمين للأفراد أو المجموعات المقصودة بسرعة، واستخدام عنصر المفاجأة، وتدل طبيعة الأهداف المقصودة بهذه الهجمات، وطبيعة التنفيذ كالكمائن والتخطيط المسبق، أنها تستند لمعلومات دقيقة ذات مصدر محلي، لا يمكن توفيرها إلا بواسطة عملاء مرتبطين بقوات الاحتلال.
تشارك وحدات النخبة في الجيش في عمليات اغتيال مدبرة، وأعمال قتل تعسفية دون الإحالة للقضاء، بالتنسيق الكامل مع فرق الموت، ولذلك فإن ما تقوم به لا يمثل فقط خرقاً لكل المواثيق والأعراف الدولية، بل يجري العمل على إيجاد غطاء لهذه الخروقات، بدءاً من المستويات الأولى، وحتى أعلى المستويات في المؤسسة العسكرية، اعتماداً على إذعان الحكومة “الإسرائيلية”.
مع العلم أن القوات الخاصة تعمل بهدف القتل العمد، وليس محاولة القبض على المطلوبين الفلسطينيين أحياء، وتطلق القوات الخاصة النار دون تحذير مسبق على الفلسطيني المطلوب، وفي كثير من الحالات قتل فلسطينيون لم يكن بأيديهم أدوات قاتلة، ولم يشكلوا خطراً على حياة الجنود، رغم عدم توافر أرقام دقيقة حول الضحايا الفلسطينيّين لوحدات المستعربين.
يتم إمداد هذه الوحدات بأموال وفيرة، ويسهل عليها الوصول لمعلومات حساسة للاستخبارات يجمعها جهاز المخابرات، ويأتي دعمها من أعلى درجات المؤسسة العسكرية، كما أن كبار قادة الجيش يصفون أداءها بالنجاح المتميز، وبالتالي فإن هذا التبني الواضح يؤكد أن عملها لا يتم في دائرة منفصلة، بل في إطار سياسة عامة يتبناها الجيش، والأمر لا يعدو عن كونه تقاسم أدوار بين قطاعات الجيش المختلفة.
مع العلم أن ما تقوم به الوحدات الخاصة “الإسرائيلية” أمر لا يمكن تصنيفه بأنه سلوك جنود في ساحة ميدان أو سلوك لرجال أمن، ولكنه مجموعات من فرق القتل الدموي العنيف، تؤدي دورها المحكم حيث تقتل وتصيب الفلسطينيين بدم بارد، ثم تغادر المكان تاركة الهلع والخوف على وجوه الفلسطينيين.
في الوقت ذاته، فقد تعرضت هذه الوحدات على مدى سنوات عملها في الأراضي الفلسطينية المحتلة لسلسلة من الإخفاقات، وقامت بعدة عمليات فاشلة جعلتها مثار سخرية وانتقاد الصحافة “الإسرائيلية”، مما أدى لتقليص نشاطاتها عدة مرات، فضلاً عن التغييرات المستمرة في قياداتها بعد كل عملية فاشلة.