“نيويورك تايمز”: خطاب الكراهية في الهند يتجه إلى مستويات خطيرة

 

قبل 10 أيام، وأمام حشد كبير من الجمهور وآلاف من المشاهدين عبر الإنترنت، دعا رهبان هندوس إلى ممارسة العنف ضد الأقلية المسلمة في البلاد، وقد تم الترويج لخطاباتهم، في واحدة من أقدس مدن الهند، الترويج لحملة إبادة جماعية لقتل مليونين من المسلمين، والحث على التطهير العرقي من النوع الذي استهدف مسلمي الروهنجيا في ميانمار.

وعندما أثارت مقاطع الفيديو الخاصة بالحدث غضبًا وطنيًا، جاءت الشرطة، وتساءل الدعاة الذين يرتدون الزعفران عما إذا كان الضباط يمكن أن يكونوا موضوعيين، خفف ياتي نارسينجاناند، منظم الحدث المثير للجدل والمعروف بخطابه العنيف، من مخاوفهم، وقال: “الانحياز؟”، بحسب مقطع فيديو “سيكون إلى جانبنا”، فيما ظهر الرهبان والضباط يضحكون!

مجرد اعتبار العناصر المتطرفة هامشية، يسهل نقل رسالتهم المتشددة بشكل متزايد لتصبح هي الاتجاه السائد، مما يثير الكراهية الطائفية في محاولة لإعادة تشكيل الجمهورية العلمانية، المحمية دستوريًا في الهند، إلى دولة هندوسية، يقول النشطاء والمحللون: إن أجندتهم يتم تمكينها، بل حتى تطبيعها، من قبل القادة السياسيين ومسؤولي إنفاذ القانون الذين يقدمون موافقات ضمنية من خلال عدم معالجة مثل هذه القضايا الخلافية بشكل مباشر.

الدعوات إلى العنف ضد المسلمين تنتقل من الأطراف لتصبح الاتجاه السائد بينما يلتزم القادة السياسيون الصمت

فبعد أن انتشرت دعوة الرهبان إلى حمل السلاح، التزم رئيس الوزراء ناريندرا مودي وكبار قادته الصمت، باستثناء نائب رئيس له دور احتفالي إلى حد كبير حذر من أن تحريض الناس ضد بعضهم البعض جريمة ضد الأمة، دون اتهام أحد بارتكاب أي جريمة، فقد حضر أعضاء ليسوا كباراً من حزب مودي الحفل في هارديوار، وكثيراً ما ينشر الرهبان صوراً لهم مع كبار قادة حزب بهاراتيا جاناتا.

يقول روهينتون فالي ناريمان، قاضي المحكمة العليا الهندية المتقاعد حديثًا، في محاضرة عامة: لديك أشخاص يلقون خطابًا يحض على الكراهية، ويدعون في الواقع إلى الإبادة الجماعية لمجموعة كاملة، في مقابل إحجامًا من السلطات عن حجز هؤلاء الأشخاص، ولسوء الحظ، فإن المستويات العليا الأخرى في الحزب الحاكم لا تلتزم الصمت بشأن خطاب الكراهية فحسب، بل تكاد تؤيده.

وقد اعتُقل نارسينجاناند فيما بعد، بعد أن تجاهل تحذير الشرطة وكرر دعواته إلى العنف، وقال محاميه أوتام سينج تشوهان: إن خطاباته ربما كانت رد فعل على التعليقات المعادية للهندوس من قبل رجال الدين المسلمين.

ولم يستجب حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الذي يتزعمه مودي لطلبات التعليق.

هل رئيس الوزراء أو وزير الداخلية بحاجة إلى معالجة كل مسألة صغيرة تافهة؟ يقول فينود بانسال، المتحدث باسم المجلس الهندوسي العالمي، وهو حزب تابع لحزب بهاراتيا جاناتا، لقد تم بالفعل القبض على المتهمين، وستسلط الجماعات العلمانية الضوء دائمًا على مثل هذه الحوادث، ولكن ليس عندما يتعرض الهندوس والآلهة الهندوسية للهجوم.

يؤجج خطاب الكراهية التوترات الطائفية في بلد حرضت فيه دوافع صغيرة على مآسي الموت الجماعي، أجندة الرهبان تلقى بالفعل صدى لدى مجموعات الحراسة التي تزداد جرأة.

فقد قام الحراس بضرب الأشخاص المتهمين بعدم احترام الأبقار التي يعتبرها بعض الهندوس مقدسة؛ وسحب الأزواج من القطارات والمقاهي والمنازل للاشتباه في أن النساء الهندوسيات قد يغريهن رجال مسلمون؛ واقتحموا التجمعات الدينية حيث يشتبهون في تحول الناس من الهندوسية للإسلام.

بعد دعوة الرهبان إلى حمل السلاح التزم مودي وكبار قادته الصمت

في الأسابيع الأخيرة، حذرت منظمات حقوق الإنسان العالمية والنشطاء المحليون، فضلاً عن قادة الأمن المتقاعدين في الهند، من أن الخطاب العنيف وصل إلى مرحلة جديدة خطيرة، ومع انتشار الرسائل اليمينية بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتردد الحكومة في اتخاذ إجراء، فإنهم قلقون من أن حدثًا فرديًا -نزاعاً محلياً، أو هجوماً من قبل جماعات إرهابية دولية مثل القاعدة أو الدولة الإسلامية- يمكن أن يؤدي إلى انتشار واسع النطاق للعنف يكون من الصعب احتواؤه.

يقول جريجوري ستانتون، مؤسس منظمة “Genocide Watch” غير الربحية وتعني مراقبة الإبادة الجماعية، والذي أثار تحذيرات مماثلة قبل المذابح في رواندا في التسعينيات، في إحاطة بالكونجرس الأمريكي: إن العمليات الشيطانية والتمييزية التي أدت إلى الإبادة الجماعية جارية في الهند بشكل واسع.

وفي مقابلة له، قال: إن ميانمار كانت مثالاً على كيفية سهولة نشر المعلومات المضللة وخطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي في تمهيد الطريق للعنف، وقال: إن الفارق في الهند هو أن الغوغاء هم الذين يتخذون إجراءات عنيفة بدلاً من الجيش.

ويضيف: لا بد من التوقف عن ذلك الآن، لأنه بمجرد سيطرة الغوغاء سيصبح الأمر مميتًا حقًا.

يمتلئ معبد داسنا ديفي في ولاية أوتار براديش، حيث نارسينجاناند هو رئيس الكهنة، بعلامات تدعو للاستعداد لـ”دارم يوده” التي تعني حرباً دينية، يخاطب أحدهم: “الهندوس، يا أسودي” ويدعوهم إلى احترام أسلحتهم تمامًا مثلما تحترم الزوجات المخلصات أزواجهن.

تعود جذور غضب الرهبان إلى مشاعر بأنهم كانوا ضحايا منذ تأسيس جمهورية الهند بعد الاستقلال عن الحكم البريطاني في عام 1947، عندما اقتطعت باكستان من الهند في تقسيم دموي خلف مئات الآلاف من القتلى، حينها كان اليمين الهندوسي غاضبًا من قيام الآباء المؤسسين بتحويل ما تبقى من الهند إلى جمهورية علمانية.

واليمينيون الهندوس يحتفلون باغتيال متشدد هندوسي للمهاتما غاندي، رمز النضال السلمي، لكنه بالنسبة لهم قام باسترضاء المسلمين، وقد قام بوجا شكون باندي، وهو راهب في حضر حدث هاريدوار، بإعادة تمثيل اغتيال غاندي، وأطلق رصاصة على دميته وانهمرت الدماء.

القوى التي شكلت أيديولوجية قاتل غاندي، ناتورام جودسي، ارتفعت ببطء من الأطراف لتهيمن على سياسة الهند.

أمضى مودي، رئيس الوزراء الهندي الحالي، عقودًا من الزمن في تعبئة منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج، وهي منظمة يمينية عمرها قرن من الزمان وكان جودسي ينتمي إليها، ويعتبر حزب مودي الجماعة هي منبع أيديولوجيته السياسية، وقد اعتمد بشكل كبير على شبكته الواسعة من المتطوعين لتعبئة الناخبين وتحقيق الانتصارات.

القوى التي شكلت أيديولوجية قاتل غاندي ارتفعت ببطء من الأطراف لتهيمن على سياسة الهند

عندما كان رئيس وزراء ولاية جوجارات، رأى مودي عن كثب كيف يمكن أن تتحول التوترات المجتمعية غير المضبوطة إلى إراقة دماء.

في عام 2002، أدى حريق في قطار إلى مقتل 59 حاجًا هندوسيًا، وعلى الرغم من أن السبب كان محل خلاف، فقد استهدفت الحشود العنيفة، رداً على ذلك، الجالية المسلمة، مما خلف أكثر من 1000 قتيل، العديد منهم احترق أحياء.

واتهمت المنظمات الحقوقية وقادة المعارضة مودي بالتجاهل والنظر في الاتجاه الآخر، ولكنه نفى المزاعم ووصفها بأنها هجمات سياسية.

بعد أن وصل إلى أعلى منصب في البلاد في عام 2014 واعداً بالنمو الاقتصادي، كان هناك أمل في أن يتمكن مودي من كبح جماح الغضب، ولكنه بدلاً من ذلك، عاد إلى أجندته الهندوسية التي أشعلت الانقسامات الطائفية.

في عام 2017، اختار مودي، يوجي أديتياناث، وهو راهب كان قد أسس مجموعة شبابية متهمة بارتكاب أعمال عنف أهلية، لقيادة ولاية أوتار براديش، أكبر ولاية هندية تضم أكثر من 200 مليون شخص.

وأصدر أديتياناث، وهو يرتدي الزعفران، بإصدار تشريعات لحظر التحول إلى الدين عن طريق الزواج، وهي الفكرة التي يسميها “جهاد الحب”، حيث يغري الرجال المسلمون النساء الهندوسيات لتغيير دينهن، وعملت مجموعته كشرطة أخلاقية، تلاحق الأزواج عبر الأديان وتعاقب أي شخص يشتبه في عدم احترامه للأبقار.

وأثناء حملة أديتياناث لإعادة انتخابه، عقدت المجموعة اجتماعاً في نيودلهي، وفيه ومع وجود صورة لأديتياناث خلفهم، أقسم الحاضرون اليمين لتحويل الهند إلى دولة هندوسية، حتى لو كان ذلك يعني القتل من أجلها.

نارسينجاناند يرى أن مسلمي الهند سيحولون البلاد إلى دولة مسلمة في غضون عقد من الزمن

ولم يتطرق مكتب أديتياناث إلى علاقاته الحالية مع المجموعة، لكنه قال: إن رئيس الوزراء لا علاقة له بالاجتماع.

يقول ديريندرا كيه جها، الكاتب الذي درس صعود القومية الهندوسية: إنه قلق من هيمنة المتطرفين الآن على السياسة في الهند بطريقة تجعل أولئك الذين يدعون إلى العنف يشعرون بالحماية.

ويضيف جها: ما لم يتم التعامل مع هذا، والعواقب التي قد تحدث، لا أستطيع حتى أن أتخيلها، ولا أجرؤ على تخيلها.

كان اختيار هاريدوار مكانًا لدعوة جريئة إلى العنف أمرًا إستراتيجيًا؛ حيث تجذب المدينة ملايين الزوار سنويًا، غالبًا للمناسبات الدينية والحج.

كانت ضفة النهر مزدحمة بالرهبان والمصلين، وكانت العائلات تتنزه وتغطس في الماء البارد، حتى في الوقت الذي بدت فيه بعض المراجع الدينية منزعجة من الدعوات إلى العنف، إلا أنها كانت مترددة في إدانتها.

يقول براديب جها، المنظم الرئيسي لأكبر مهرجان للحج في المدينة: إنه يشارك رؤية الدولة الهندوسية، ليس من خلال العنف ولكن من خلال حث مسلمي الهند على التحول مرة أخرى؛ من وجهة النظر هذه، فقد كان كل شخص في الهند في مرحلة ما يدين بالهندوسية.

ويضيف: أعتقد أننا بحاجة إلى متابعة أهدافنا بصبر وسلام، وإلا، فماذا نختلف مع الآخرين؟

يري نارسينجاناند أن مسلمي الهند -الذين يشكلون 15% من السكان- سيحولون البلاد إلى دولة مسلمة في غضون عقد من الزمن، ولمنع مثل هذه النتيجة، أخبر أتباعه أنه يجب أن “يكونوا مستعدين للموت”، مشيرًا إلى “طالبان” و”الدولة الإسلامية” باعتبارهما نموذجًا يحتذى به.

 

 

 

 

 

 

 

______________________

المصدر: “نيويورك تايمز”.

Exit mobile version