وقعتُ في هاوية الشذوذ.. وأبحث عن حبل النجاة

 

أستاذي الفاضل، السلام عليكم، أكتب إليكم بعد أن زلت قدمي وهوت إلى قاع الرذيلة، وحاولت الخروج وفشلت، وكان الهروب من كل الدنيا هو الحل بعد أن فقدت نفسي بل واحتقرت ذاتي.

كان لي زوجة وأولاد وشركتي الخاصة وكل ما يتمناه رجل في منتصف الثلاثينيات، وكنت محافظاً على الصلاة، كانت تربطني بزميل دراسة علاقة قوية جداً رغم عدم التزامه، وكنت كثيراً ما أحثه على الانتظام في الصلاة، ورغم زواجه فإنه كان يتابع المواقع الإباحية، وكان يبرر لي ذلك بأنه فتر من زوجته التي لا تعتني بنفسها، وهذا يستثيره فيمكنه من لقائها، وأنه يتعرف على فنون جديده تسعده أكثر مع زوجته.

كان أحياناً يرسل لي بعض الفيديوهات، وعادة ما كنت ألغيها، لكن مرة للأسف ضعفت وشاهدت بحجة التعلم، فتعلقت بالأمر، وأصبحت أنتظر رسائله المسمومة بشغف، وكنت أتعمد مشاهدتها في غفلة من زوجتي قبل اللقاء، وتحولت من عادة إلى إدمان ولم أعد أستطيع الاقتراب من زوجتي إلا بتخيل ما كنت أراه، ولم أعد أعتمد على ما يرسله فأخذت المبادرة وأصبح لي عالمي الخاص.

قررتُ إن لم أستطع التوبة والعلاج سأنتحر لأن الله أرحم بي من أهلي لو افتضح أمري

كانت إحدى رسائله تتضمن اللقاء غير الشرعي بالمرأة (الجماع في الدبر)، فلم أتابع الفيديو واستنكرت عليه ذلك، وقال: إنه يفعل ذلك مع زوجته، من باب التغير.. فضعفت نفسي وتابعت الفيديو وحاولت مع زوجتي فصُعقت، فأفهمتها أنه خطأ غير مقصود، ولمتها كيف تظن بي ذلك؟ فاعتذرت لي! ولكنني للأسف تابعت الفيديوهات القذرة، وكنت أتوق للتجربة.

بمتابعتي لهذه المواقع، أصبحت أكثر وقاحة فلم تعد العلاقة الطبيعية تستهويني، وأصبحت أتابع مواقع الشذوذ رجالاً ونساء، بعد أن كنت أستقذر ذلك، ثم تأثرت علاقتي بزوجتي، فكنت أتعمد لقاءها في الظلام لأعيش مع أوهامي، من لقاءات طبيعية أو شاذة، حتى لم تعد زوجتي تثيرني مهما فعلتْ، وكان المحرك الوحيد ما أستحضره في خيالي وبعضها شاذ.

ليلة السقوط:

سافرت زوجتي مع الأولاد لمرض والدها الذي طال، ومع إدماني ازدادت معاناة الحرمان، وفي ليلة السقوط دعاني صديق الشؤم لمشاهدة بعض الأفلام ثلاثية الأبعاد، وكان يعيش بمفرده لخلاف مع زوجته، ورغم أنها كانت تتضمن علاقات طبيعية، إلا أننا فضلنا الشاذ منها، حيث لم تعد العلاقات الطبيعية ذات تأثير لكثرة ما شاهدناه منها، ووقعت الكارثة وهوينا معاً نتبادل الأدوار، لم أصدق ما حدث، وكيف لي أن.. وطلبت من صديقي ألا نفعل ذلك مرة ثانية، عدت إلى بيتي، وقررت ألا أشاهد هذه القاذورات ثانية، وفي المساء إذا بي أعود، واتصل بي صديقي والتقينا! قلّ الندم حتى تلاشى، اتصلت بي زوجتي حتى أذهب لأحضرها والأولاد فاعتذرت لها لانشغالي، حتى شركتي أهملتها، فلم أعد أستطع مواجهة أحد، وكأن الجميع يعلم جرمي، ولكنني كنت ما زلت مستمراً، ومع كل لقاء يزداد احتقاري لذاتي.

من الذنوب العظيمة استكثار الذنب عن عفو الرحمن لأنه سوء ظن بعظمة الله

قرار الانتحار:

قابلني إمام المسجد الذي كنت أصلي به قبل انقطاعي، وهو شيخ مسن وقابلني بحرارة بالغة، وأخبرني أنه حاول أن يتصل ليطمئن عليَّ، وأنه ظن أني مسافر، وتعللت بكثرة الأعباء، فنصحني ألا تبرر لي يا ولدي وتذكر: (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الإسراء: 14)، بأن طريق المسجد هو طريق الله وصحبة أهل المسجد تجنبك أصدقاء السوء، وقال: «أنا منتظرك لصلاة العشاء».

ماذا يعلم عني حتى ينصحني بتلك النصيحة؟ وتذكرت ما كنت عليه وما أصبحت به، وكيف ألبي دعوة الشيخ؟ وكيف أقف بين المصلين وما أنا عليه من وزر؟ وكيف لو علمت زوجتي وأهلي؟ فقررت الانتحار.

دخلت صيدلية لأشتري ما ينهي مأساتي، وكانت إحدى الآيات المعلقة: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53)، وكأنني أول مرة أقرؤها، وتسمرتُ مكاني، ووجدتني أرددها وانهرت باكياً وعدت إلى بيتي، توضأت وهرعت إلى المسجد، تائباً.

وسؤالي الآن: هل لي من علاج حتى أعود طبيعياً مع زوجتي؟ وكيف أهرب من الصور القذرة التي تلاحقني؟ ودعني أصارحك كيف أتغلب على رغباتي الشاذة؟

أنا قررت إن لم أستطع التوبة والعلاج فسأنتحر؛ لأن الله تعالى أرحم بي من أهلي لو افتضح أمري.

سلوكياتنا انعكاس عما نتصوره عن أنفسنا حيث تؤدي الصورة الذهنية عن الذات الدور الرئيس في توجيه تصرفاتنا

التحليل:

لا شك أن متابعة المواقع القذرة يعوّد النفس على ألفة ما تعرضه من موبقات؛ فيقل التأثر بالعلاقات الطبيعية، فيتابع الشاذ منها، فتطمس الفطرة وتألفه النفس، ومع استمرار المتابعة واللهث على الجديد ويزداد الانحدار والولوج في الوحل؛ حيث يتراكم ما يتم مشاهدته في الذاكرة، التي تنبعث فيرفضها العقل الواعي إن كان به بقية من قيم، ولكن في وقت عمل الأشياء الروتينية التي لا تحتاج إلى تركيز يتناولها العقل اللاواعي، ويتخيل فعلها ويلح بها على العقل الواعي ويقل رفضها وقد يقع فيها.

أخي الكريم:

من المؤكد أن الشيطان لن يتركك تخرج من سلطانه، وسيوحي لأوليائه من يبرر ويعزز الخطيئة، ويقول لك: إن الغرب المتحضر بالعلم أثبت أنك غير مسؤول عن هذا السلوك، وأن الأمر يتعلق بالجينات، وبذلك فأنت إنسان طبيعي والعيب في المجتمعات المتخلفة.

ولكن هذا هراء؛ فالعلم أثبت أنه سلوك اختياري ولا علاقة له بالجينات به(1)، فإن فشل في غوايتك فسيحاول تيئيسك من عفو الرحمن وكيف تأمل العفو وقد فعلت وفعلت؟ ولكن تذكر: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (الأعراف: 156)، إن من الذنوب العظيمة استكثار الذنب عن عفو الرحمن، لأنه سوء ظن بعظمة الله، وهو القائل سبحانه: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87)، بل ويزيد الله من فضله على التائب فيبدل سيئاته حسنات؛ (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الفرقان: 70).

العلم أثبت أن الشذوذ سلوك اختياري ولا علاقة له بالجينات ويمكن الإقلاع عنه والتوبة

لذا عليك:

1- أحسن الظن بالله تعالى والحياة في معيته:

«أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي» (رواه البخاري)، فأحسن الظن بالله سبحانه يقيناً وتعبداً ونجاة، وحتى يكون الله تعالى معك داوم على الذكر ليمدك الله بفيض من حوله وقوته، واستعذ به ولُذ بحمايته تأمن نفساً وبدناً.

2- أحسن الظن بنفسك:

ثق أنك أقوى من كل شياطين الإنس والجن إذا لذت بالله تعالى؛ (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (الحجر: 42)، وأنت صاحب القرار، وقد اتبعت الغاوين فكنت تحت سلطان الشيطان، وذقت مرارة ذل المعصية، ولكن الله تعالى وفقك لعلمه بصدق توبتك، فقررت أن تلوذ بمعية الله عز وجل بمحض إرادتك؛ فداوم على النوافل حتى يحبك الله تعالى، كما قال في الحديث القدسي: «وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ..».

3- البعد عن بيئة المعصية:

– اقطع صلتك نهائياً بشيطان الإنس سبب الخطيئة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».

– إلغاء شريحة الهاتف الحالية، وإلغاء كل الإشعارات على كل أجهزة الإنترنت، وتعاقد مع شركة إنترنت جديدة؛ لأن المواقع القذرة تسجل «المميز» الإلكتروني لأجهزتك، وتظل تمطرك بقاذوراتها، بل وتتيح العناوين الإلكترونية لكل المتصفحين حتى يتواصل الفاسدون معاً.

4- أحضر زوجتك فوراً، ورتب لرحلة عمرة طويلة بقدر ما تستطيع.

5- احرص على إعادة ترتيب نشاطاتك اليومية؛ بحيث تكون مشغولاً بصفة مستمرة سواء بالعبادة أو العمل أو مع زوجك أو صحبة طيبة أو المشاركة في الأعمال الخيرية.. فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.

وسأتناول أسئلتك فيما يلي:

– هل لي من علاج حتى أعود طبيعياً مع زوجتي؟

إن قرارك بالتوبة هو روح العلاج، ثم عليك: استعادة الصورة الذهنية الطبيعية عن ذاتك، وبث الرسائل الإيجابية عن نفسك، وتذكر مواقفك وسلوكياتك الطبيعية، وثق في توفيق الله تعالى لك؛ فسلوكياتنا انعكاس وتعبير عما نتصوره عن أنفسنا، حيث تؤدي الصورة الذهنية عن الذات الدور الرئيس في توجيه تصرفاتنا، ومن الأمثلة على ذلك ما قالته هند بنت عتبة للرسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة النساء: «وهل تزني الحرة؟!»، فاستنكار هند أن تزني الحرة من منطلق تصورها عن ذاتها بأنها حرة قوية مختارة فلا تزني، وهذا يحول بينها وبين سلوك الزنى؛ فالصورة الذهنية تعتبر أحد أهم موجهات السلوك بصورة لا إرادية بفعل تلك الصورة بالعقل الباطن، لذا يجب عليك إعادة صياغة تصوراتك عن ذاتك بالشكل الذي يساعدك بعد الخوف من الله تعالى على تقويم سلوكك من خلال يا يلي:

– اعقد مقارنة بين سلوكياتك في فترة الهداية وكبوة الغواية، وتذكر اعتزازك بذاتك وتقززك من انحرافاتك، وقم واسجد لله سبحانه على توفيقك للهداية، وعزز قيمتك لنفسك بقرارك بالعودة لله عز وجل.

– كن حذراً من الغفلة؛ فتتسرب إلى ذهنك الصور السلبية لممارساتك فتستثير غرائز الشيطان، وعلاج ذلك أن تطبع في كل مكان يمكن أن تقع عليه عينك «الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله»، وأمعن النظر في فضل الله عليك وخر لله ساجداً.

العلاقة الخاصة:

– أخبر زوجتك أنك تواجه بعض المشكلات التي أثرت على مزاجك ولا تريد أن تعكر صفوها، وتحتاج أن تساعدك في اللقاء.

– حاول بعد رحلة العمرة أن تقضيا وقتاً بالريف أو منطقة طبيعية.

– غيِّر من ديكورات حجرة النوم.

– أهدِ زوجتك مجموعة من الملابس الخاصة التي تعجبك.

– حثها على أن تعتني بنفسها.

– احرص على لقائها في الضوء وإن كان خافتاً.

– اطلب منها أن تعبر عن شوقها وأن تتفاعل معك بكل الوسائل.

– لا تتعجل اللقاء، حتى تستشعر تفاعلك، ولا تضع نفسك تحت ضغط حتمية اللقاء، ودع الأمر يسير طبيعياً دون توجس أو ضغط؛ فأنت لست في امتحان؛ لأن أي توتر نفسي سيؤثر عليك سلباً.

– احرص وزوجتك على أن تظلا على تواصل ولو من خلال الرسائل البصرية.

– احذر أن تحبط؛ فقد تحتاج بعض الوقت حتى تستعيد عافيتك النفسية، ويتوقف ذلك على توفيق الله تعالى لك لما بذلته من أسباب؛ فاستعن بالله واصبر وتحلَّ بالهدوء.

– اغمر زوجتك عاطفة، وشجعها على التعبير عن عواطفها لك، فهذا يزيد من انجذابك لها ويقويك -بعد توفيق الله سبحانه- على التغلب على غمز الشيطان ويطمس الصور القذرة في مخيلتك.

– لا تحمل هم زوجتك وحرمانها؛ فالارتواء العاطفي وحسن المعشر وأن تطمئن عليك لديها أهم من العلاقة الخاصة.

– لا حرج أن تستشير طبيباً بحجة أنك تعاني من ضغوط العمل، التي أثرت على علاقتك بزوجتك، وتحتاج إلى ما ينشطك مؤقتاً، ولكن احذر من المداومة حتى لا تتعود على ذلك.

 

 

 

 

 

 

 

______________________________________________

(1) يمكن الرجوع إلى 3 مقالات للكاتب بموقع مجلة «المجتمع» بعنوان «كيف أحمي أولادي من الشذوذ؟» (نشرت عام 2017م)، أثبت فيها بالمراجع العلمية الموثقة أن الشذوذ سلوك اختياري، وكذب ادعاء أن الشاذ غير مسؤول عن شذوذه ويرجع ذلك لجيناته.

Exit mobile version