فورين بوليسي: سوريا غير آمنة ولا مستقرة وحربها غير المكتملة تكاد تنسى

وصفت مجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) الأميركية الأزمة السورية بأنها مشكلة مستعصية على الحل، مشيرة إلى أن الغرب كاد ينسى حربها التي لم تضع أوزارها حتى الآن.

وذكرت المجلة -في مستهل مقال للكاتب البريطاني جيمس سنيل- أن وزارة الداخلية البريطانية رفضت في التاسع من يناير/كانون الثاني الجاري طلب لجوء تقدم به شاب سوري بدعوى أنها “غير مقتنعة” بأن لديه “مخاوف مبررة من التعرض للاضطهاد” إذا عاد لوطنه.

وكان الشاب السوري فرّ من سوريا في 2017 تفاديا للتجنيد في جيش نظام الرئيس بشار الأسد، قبل أن يحط الرحال في بريطانيا عام 2020. وأشار كاتب المقال إلى أن وزارة الداخلية البريطانية أرسلت خطابا إلى ذلك الشاب في ديسمبر/كانون الأول الماضي تخبره فيه أنها لا تُسلِّم “بأنك ستواجه خطر الاضطهاد أو خطرا حقيقيا بالتعرض لأذى جسيم عند عودتك إلى الجمهورية العربية السورية بسبب آرائك السياسية المنسوبة إليك بوصفك هاربا من التجنيد”.

وفي الواقع، إن هذا الموقف من جانب الحكومة البريطانية -وفق المقال- يعد إعلانا بأن سوريا الأسد “آمنة”، وهو أول تصريح من هذا النوع تصدره لندن منذ اندلاع الحرب السورية قبل أكثر من عقد، أي أنها “دولة آمنة بما يكفي لترحيل طالبي اللجوء على أي حال”.

وبعد أن أثار ذلك الإعلان احتجاجا شعبيا عارما في بريطانيا، تراجعت وزارة الداخلية عن موقفها، وقالت إنها تقبل قرار منظمة الأمم المتحدة القاضي بأنه لا منطقة في سوريا “آمنة”.

ونسب كاتب المقال إلى المبعوث البريطاني الخاص إلى سوريا جوناثان هارغريفز تأكيده أن “موقف بريطانيا لم يطرأ عليه تغيير، وهو أن سوريا ليست آمنة في الوقت الراهن لعودة اللاجئين، ونحن لا نعيد الناس إلى سوريا”.

ويعلق جيمس سنيل على تصريح هارغريفز بأن السوريين المقيمين في بريطانيا تنفسوا الصعداء، ذلك أن خوفهم كان حقيقيا. وأضاف “لو أن موقف بريطانيا كان قد تغير فإنه لم يكن يمثل سابقة”؛ مشيرا إلى أن الدانمارك ظلت شهورا تؤكد أن سوريا آمنة، وأنه يمكن ترحيل اللاجئين والمهاجرين السوريين بشكل قانوني.

وعندما غادر طالبو اللجوء السوريون الدانمارك ليجربوا حظهم في هولندا والنرويج ما لبثوا أن اصطدموا بحواجز جديدة أمام إقامتهم في الدولتين الأوروبيتين.

ويمضي سنيل إلى القول إن سوريا ليست آمنة بطبيعة الحال، وإن الحرب ما تزال تدور رحاها هناك، وإن الذين عادوا إليها يختفون غالبا من دون أن يوجد لهم أثر فيقعون في أيدي الدولة الأمنية.

وتكشف وسائل الإعلام السورية في المنفى عن مقدار الخوف الذي ينتاب السوريين من أن دولا أوروبية أخرى ستحذو حذو الدانمارك والسويد بإعلان سوريا آمنة بما يكفي لعودتهم إليها.

وبالمثل، فإن دولا عربية تتجه إلى التطبيع الكامل للعلاقات مع نظام بشار الأسد، رغم الشكوك التي تساورهم بخصوص الحرب التي لم تنته بعد هناك، على حد تعبير الكاتب البريطاني الذي يصف سوريا بأنها مكان “غير مستقر”، وأن التغيير السياسي فيها “ليس قدرا محتوما لكنه ممكن الحدوث”.

أما لبنان وتركيا -الدولتان اللتان تؤويان ملايين اللاجئين السوريين- فإنهما تعانيان بدورهما من أزمات اقتصادية، ومن ثم فإنهما تحبذان ترحيل اللاجئين إلى سوريا.

علامة تعجب

وأوضح الكاتب أن الصراع في سوريا الممتد لأكثر من عقد أودى بحياة مئات الآلاف من الأشخاص، ووفر ملاذا للجماعات “الإرهابية”، وأدى إلى نزوح ملايين البشر وفرار ملايين آخرين من البلاد.

وطبقا للمقال، فإنه بمحاولة منع انتشار الفوضى وعنف الجماعات المسلحة داخل سوريا، فإن البلد قد تصبح أكثر أمانا بمرور الوقت؛ الأمر الذي قد يجعل الدول الأوروبية لا تبذل جهدا كبيرا في الدفاع عن حدودها عند نشوب أي أزمة خارجية.

وينقل الكاتب عن السفير الأميركي السابق لدى سوريا فريدريك هوف قوله إن انسحاب الولايات المتحدة “الفوضوي” من أفغانستان ربما أثار نوعا من علامة تعجب، لكن ربما رأت فيه الصين وروسيا استمرارا لما شاهدوه في سوريا.

ويردف الدبلوماسي الأميركي أن آخر شيء كانت الولايات المتحدة تود إيصاله لأعدائها -عن غير قصد ولو بتهور- هو أن يروها تتصرف بلامبالاة وسلبية واستسلام؛ مما يجعلهم يستغلون سوريا كمختبر يقيسون من خلاله عزيمة أميركا عالميا.

وعوضا عن ذلك، فإن ترك سوريا في “حالة اللاحل” طيلة عقد من الزمان -كما يختم الكاتب- جعل السلبية محل إجماع المجتمع الدولي، حيث ظلت الأزمة في هذا البلد “مشكلة عصية على الحل، بل ومن دون محاولة لحلها”.

 

Exit mobile version