العقوبات التي يمكن أن تكبح جماح بوتين

 

بقلم: إدوارد فيشمان – كريس ميلر:

 

سافر وزير الخارجية أنطوني بلينكن هذا الأسبوع إلى كييف فيما بدا أنه محاولة دبلوماسية أخيرة لتجنب هجوم روسي على أوكرانيا، فقد أوضحت أيام من المحادثات الفاشلة أن الأزمة التي صنعها الكرملين من غير المرجح أن تحل من خلال صفقة دبلوماسية كبرى، لذلك سيتعين على الولايات المتحدة الاعتماد مرة أخرى على التهديد بفرض عقوبات اقتصادية رادعة لإقناع الرئيس فلاديمير بوتين بالتراجع.

تكاليف اقتصادية باهظة

وقد حذرت إدارة بايدن موسكو من “تكاليف اقتصادية باهظة” إذا قامت روسيا بغزو أوكرانيا، لكن الشكوك تتزايد بشأن ما إذا كانت العقوبات قادرة حقًا على ردع الكرملين، والولايات المتحدة وأوروبا ما زالت تحافظ على العقوبات ضد روسيا منذ غزوها الأول لشبه جزيرة القرم في عام 2014، لكنها كانت دائمًا عقوبات متواضعة، وبعيدة عن العقوبات الشاملة المفروضة على إيران أو كوريا الشمالية أو فنزويلا، ومع أنه يمكن القول: إن العقوبات ساعدت في كبح جماح طموحات موسكو في أوكرانيا في وقت مبكر، إلا أنها ومنذ ذلك الحين، فشلت في وقف المغامرة الروسية، فالعقوبات أداة فعالة عندما يريد القادة “فعل شيء ما” تجاه روسيا، لكن معظم العقوبات على مدار العقد الماضي كانت طفيفة اقتصاديًا وغير فعالة في تغيير السياسة الروسية.

تحويل الثقل الاقتصادي لأمريكا إلى قوة جيوسياسية

لماذا يصعب تحويل الثقل الاقتصادي لأمريكا إلى قوة جيوسياسية؟ عندما يتعلق الأمر بفرض عقوبات على روسيا، تواجه الولايات المتحدة ثلاثة تحديات متكررة: فالعقوبات تميل إلى أن تُفرض بشكل تدريجي؛ حيث يتم التفاوض مع حلفاء مترددين، والعقوبات الأكثر تأثيرًا ستكون أيضًا الأكثر كلفة اقتصاديًا للغرب، ونتيجة لذلك، فإن العقوبات الروسية المطبقة اليوم هي حل وسط مخفف، مصمم لإرضاء الحلفاء وتقليل التكاليف المحلية.

استهداف النظام المالي للدولة الروسية

سيتطلب لي عنق الاقتصاد الكلي لروسيا -وحسابات بوتين- استهداف النظام المالي للدولة وكذلك الصادرات الرئيسية مثل النفط، وسيكون لمثل هذه العقوبات آثار كبيرة ليس فقط على الاقتصاد الروسي ولكن على النظام المالي العالمي، ولهذا السبب كان المسؤولون الأمريكيون مترددون في الذهاب إلى هذا الحد، ولكن تجنب الحرب أمر صعب، وللأسف، لن يكون خالياً من التكاليف، لن تجدي العقوبات “الذكية” أو “المستهدفة”، ومن أجل فرض الألم على روسيا، سيتعين على الولايات المتحدة وأوروبا تحمل بعض العبء، على الرغم من أن هناك، لحسن الحظ، طرقاً لتقليل التداعيات على الاقتصادات الغربية إلى أدنى حد.

تحتاج إدارة بايدن، بسرعة، إلى مواجهة هذه المفاضلات وجهاً لوجه، لأنه بمجرد أن تتدحرج الدبابات الروسية، سيكون الأوان قد فات لردع الكرملين بالعقوبات، في هذه اللحظة من النفوذ الأقصى، يجب على الولايات المتحدة أن تشير بوضوح إلى أنه إذا أمر بوتين بالغزو، فإنها ستفرض بسرعة تكاليف فورية هائلة على الاقتصاد الروسي ككل، لا على بعض الأهداف المحدودة فقط، الأمر متروك لإدارة بايدن لإظهار استعدادها لامتصاص بعض الأضرار الاقتصادية والسياسية لمنع بوتين من اختيار الحرب.

يتمثل العائق الأول أمام العقوبات الفعالة في أن صانعي السياسات يميلون إلى تصعيدها بشكل تدريجي، وبدلاً من فرض تكاليف سريعة ومدمرة، تقوم الولايات المتحدة بتشديد الخناق ببطء، في انتظار رؤية ما سيفعله الخصم بعد ذلك، ويتوخى صانعو السياسات الحذر بشكل مبرر بشأن عدم الرغبة في التصعيد؛ فعلى سبيل المثال، هدد المسؤولون الروس بالرد على العقوبات بهجمات إلكترونية.

موجة عاتية من العقوبات

لمنع بوتين من غزو أوكرانيا، عليه أن يخشى من موجة فورية من العقوبات، وليست مجرد عقوبات قد تأتي بعد بدء الغزو بالفعل، هذا هو التحدي الأول، في عام 2014، بدأت الولايات المتحدة وأوروبا بفرض عقوبات مستهدفة على الأفراد والشركات الصغيرة ولم تفرض عقوبات كبيرة حتى يوليو بعد خمسة أشهر من اجتياح “الرجال الخضر الصغار” التابعين لروسيا لشبه جزيرة القرم، وقد كان التأخير مفهوماً، حيث فاجأت عملية موسكو العسكرية الغرب، ولم يكن هناك دليل في ذلك الوقت على نية أمريكا فرض عقوبات على روسيا، لكن الولايات المتحدة وأوروبا تتمتعان في هذه المرة، بخبرة تقرب من عقد من الزمن تتعلق بفرض عقوبات على روسيا ولديهم تحذير وافر من الغزو، ولذلك يمكنهم الوصول إلى فرض عقوبات شديدة على الفور.

التحدي الثاني يتمثل في إدارة الاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي الروسي ويتطلب موافقة 27 دولة بالإجماع على فرض العقوبات، فالتحالف الموحد هو الرادع الأهم للعدوان الروسي، لكن الاتحاد الأوروبي سيكون على الدوام أقل رغبة في فرض عقوبات شديدة التأثير مقارنة بالولايات المتحدة، وسوف يتحرك أيضًا بشكل أبطأ.

تجاوز التردد الأوروبي

يجب أن تكون الولايات المتحدة أكثر استعدادًا لتجاوز تردد أوروبا عند صياغة عقوبات اقتصادية على روسيا، صحيح أن أي حزمة عقوبات ستكون أكثر تأثيرًا إذا قامت بها الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاء آخرون معًا، لكن الكمال لا ينبغي أن يكون عدواً للخير.

عندما نسقت الولايات المتحدة وأوروبا معاقبة إيران بسبب برنامجها النووي، كانت واشنطن دائمًا تدفع للمزيد من الشدة والصرامة، انزعج الاتحاد الأوروبي من حدة العقوبات الأمريكية لكنه انضم في النهاية إلى العديد منها، ولو جعلت الولايات المتحدة من اتفاق مع الاتحاد الأوروبي شرطًا مسبقًا للعقوبات الصارمة على إيران، لما تم فرض العقوبات ولما تم التوصل أبدًا إلى اتفاق نووي، اليوم، لا ينبغي أن يتم إملاء السياسة الروسية من بسبب البطء الأوروبي، وبدلاً من ذلك، يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة هي للتحرك أولاً وأن تحترم بمفردها، إذا لزم الأمر، مواقف دول الاتحاد الأوروبي مع حثها على اتخاذ مواقف قوي.

التحدي الثالث والأكثر أهمية هو أن أي عقوبات سيكون لها تأثير اقتصادي واسع بما يكفي للتأثير على بوتين ستؤثر أيضًا على الروس العاديين، وستؤثر كذلك على الولايات المتحدة وأوروبا، وتشير فكرة “العقوبات المستهدفة” إلى أنه من الممكن فقط ضرب الأشرار مع تجنيب الآخرين، لكن الكرملين ليس مجرد قلة من الأشرار، فهو يستخدم موارد دولة بأكملها -روسيا- للإساءة إلى الجيران وزعزعة استقرار أوروبا، لا يمكن أن يكون ضرب الحسابات المصرفية لمسؤولي الكرملين وأصدقاء بوتين فقط فعالاً، إلا عندما يتعامل هؤلاء الأفراد مع الموارد الروسية على أنها بنك شخصي خاص بهم.

ويركز الجدل الأمريكي على العقوبات الرمزية التي لن يكون لها تأثير ضئيل على الاقتصاد العالمي فقط -ولكن سيكون لها تأثير ضئيل على روسيا، إن فرض عقوبات على “نورد ستريم 2”- وهو خط أنابيب غاز لا يعمل حاليًا، لن يؤدي إلى زيادة مشتريات أوروبا من الغاز الروسي ولن يضر روسيا كثيرًا، وبالمثل، فإن إخراج روسيا من سويفت، خدمة الرسائل المالية، سيكون معطلاً لكنه ليس “الخيار النووي” الذي يعتقده كثير من الناس.

وبحسب ما ورد تدرس إدارة بايدن تشديد العقوبات على قطاع الدفاع الروسي، ومثل هذه الإجراءات لن تفرض تكاليف كبيرة وفورية كافية لردع الكرملين، والأمر نفسه ينطبق على معاقبة جميع عمليات التداول في الديون السيادية الروسية، كما اقترح بعض المحللين، وتمتلك روسيا صندوقًا ضخمًا للأيام الصعبة، ومستوى منخفض جدًا من الدين الحكومي ومن المتوقع أن تحقق فائضًا في الميزانية هذا العام، وقلة من الدول مستعدة بشكل أفضل لمواجهة العقوبات الأمريكية على ديونها، باختصار، العديد من العقوبات التي تتم مناقشتها هي نسخ أقوى بشكل هامشي من العقوبات التي تم فرضها بالفعل ولكن تأثيرها يظل ضئيلاً.

عقوبات رادعة

هناك فئتان رئيستان من العقوبات تتمتعان بفرصة لتغيير رأي بوتين فعليًا، ولكل منهما سلبيات يجب على الولايات المتحدة أخذها في الاعتبار بجدية.

أولاً: يمكن للولايات المتحدة أن تهدد بقطع البنوك الروسية الكبرى عن النظام المالي الأمريكي، فإدراج بنك روسي كبير في القائمة السوداء، مثل سبيربنك وبنك في تي بي وجازبروم بنك، سيجعل من الصعب -إن لم يكن مستحيلًا- لأي شخص في العالم التعامل معه.

تتمتع وزارة الخزانة الأمريكية بخبرة عميقة في فرض العقوبات على البنوك الأجنبية، بعد أن فعلت ذلك مرارًا وتكرارًا ضد إيران، وأكبر البنوك الروسية أكبر بكثير من نظيراتها الإيرانية، وهذا هو الأمر الذي جعل المسؤولين الأمريكيين يتوقفون عن معاقبتهم في الماضي، والواقع، قد يتسبب هذا في ضائقة مالية كبيرة في روسيا، ستكون عقوبات الحظر الكامل على سبيربنك مؤثرة بشكل خاص، لأن معظم الروس لديهم حسابات فيه، وسيتعين على الحكومة الروسية التدخل لإنقاذ البنك وستكافح لمنع حدوث أزمة مالية محلية، وستخفض الشركات من استثماراها في روسيا، ولسوف ينخفض ​​الروبل بحدة في مقابل الدولار، وسيكون الاحتفاظ بالدولار في البنوك الروسية أكثر خطورة، وسوف يرتفع التضخم الروسي إلى مستويات أعلى وستنخفض الدخول الحقيقية.

وكذلك سيكون التأثير محسوسًا على المستوى الدولي، حيث تمتلك العديد من صناديق الاستثمار الغربية أسهمًا وسندات في سبيربنك، وستنخفض قيمة تلك السندات بشدة.

التشريع الذي اقترحه السناتور روبرت مينينديز (ديمقراطي من نيو جيرسي)، وبدعم من البيت الأبيض، من شأنه أن يعاقب العديد من البنوك الروسية الكبرى إذا غزت روسيا أوكرانيا، لكن بعض البنوك المدرجة في القائمة بنوكا صغيرة، واثنين منها على الأقل (مثل في إي بي آر إف وصندوق الاستثمار المباشر الروسي) ليست بنوكًا بل شركات استثمارية، وقد يكون من المغري استهداف الأسماك الصغيرة، إلا أن العقوبات لن تؤثر إلا على حسابات الكرملين إذا تم استهداف البنوك الكبرى وفرض قيودًا صارمة يمكن أن تسبب لروسيا اضطرابًا ماليًا.

ثانيًا: يمكن للولايات المتحدة أن تخفض بشكل كبير عائدات الصادرات الروسية، فأكبر صادرات روسيا هي النفط (حوالي 45 في المائة من الصادرات)، وتشمل الصادرات الأخرى التي يمكن أن تفرض عليها الولايات المتحدة الحظر أو العقوبات الغاز والفحم ومنتجات الحديد والصلب المختلفة، مع إيران، خفضت الولايات المتحدة بشكل كبير صادراتها النفطية من خلال السماح لزبائن إيران بخفض مشترياتهم تدريجياً بمرور الوقت، ومن الممكن شن حملة مماثلة ضد روسيا، على الرغم من أنه نظرًا لأن روسيا تصدر نفطًا أكثر من إيران، فإن أسعار النفط العالمية ستتعرض لضربة أكبر، (ستزيد البلدان الأخرى الإنتاج في نهاية المطاف لتعويض النقص، ولكن سيكون هناك تأخير زمني تظل خلاله أسعار النفط مرتفعة).

يمكن للولايات المتحدة أيضًا أن تفرض عقوبات على صادرات الغاز الطبيعي الروسية، على الرغم من أن هذا ينطوي على مقايضات أكبر، فالعالم – وخاصة أوروبا – يواجه بالفعل نقصًا في الغاز الطبيعي هذا العام، وقد تواجه الصناعات الأوروبية كثيفة الاستخدام للطاقة، ولا سيما في ألمانيا، عمليات إغلاق إذا توقفت إمدادات الغاز الروسي، وبالنظر إلى صراع إدارة بايدن مع ارتفاع أسعار الطاقة وتفاقم التضخم، ليس من الصعب معرفة سبب تحفظ واشنطن على فرض مثل هذه العقوبات.

مقايضات صعبة ولكن ردع بوتن أهم وأجدى

لا يمكن لأي إدارة أمريكية أن تنتشل نفسها بالكامل من هذه المقايضات، لكن لا ينبغي أن نسمح لحتمية العواقب غير المقصودة أن تكون ذريعة للتردد أو التقاعس عن العمل، إن عدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي الذي سينتج عن الغزو الروسي لأوكرانيا من شأنه أن يفوق تداعيات العقوبات المالية القاسية.

وعلاوة على ذلك، هناك طرق لتقليل العواقب غير المقصودة، فيمكن لوزارة الخزانة الأمريكية إصدار تراخيص تسمح للشركات غير الروسية بإنهاء أنشطتها مع سبيربنك، وبالمثل، يجب ألا تكون عقوبات الطاقة محظورة بسبب مخاطر ارتفاع أسعار النفط، وبدلاً من ذلك، ينبغي هيكلة العقوبات لإعطاء أسواق الطاقة الوقت الكافي للتكيف.

يمكن أن تبدأ الولايات المتحدة بضرب الصادرات من زاوية مختلفة، وتوسيع القيود الحالية على الاستثمار الأجنبي في قطاع النفط الروسي -المحصور حاليًا على مشاريع الجيل التالي مثل القطب الشمالي، والمياه العميقة والصخر الزيتي- لجميع مشاريع النفط الروسية، وفي موازاة ذلك، يمكن للعقوبات الأمريكية أن تستهدف مبيعات الطاقة بشكل تدريجي، من خلال استهداف خفض صادرات النفط الروسية بنسبة 10 نقاط مئوية سنويًا على مدى عقد من الزمان، سيظل التأثير على روسيا حادًا وفوريًا، مع انخفاض الروبل بشكل حاد ومع انخفاض أسعار الأسواق في الصدمة القادمة.

صحيح أن أسعار النفط العالمية سترتفع، لكن الزيادة ستكون محدودة لأن الأسواق أمامها عقد من الزمان للتكيف، يمكن حتى تنظيم مثل هذه السياسة بحيث لا تبدأ فوراً، مما يمنح البلدان الأخرى متسعًا من الوقت لزيادة الإنتاج والبحث عن مصادر طاقة بديلة صديقة للمناخ.

ولكن، تطبيق العقوبات على مراحل بهذه الطريقة يمنح روسيا وقتًا للتكيف أيضًا مما يولد بعض مخاطر النهج التدريجي الذي نوقش أعلاه، لكن ليس لدى روسيا بديل عن بيع النفط ولديها سجل حافل بالفشل في تنويع اقتصادها، لذلك سيكون من الأسهل على الغرب التكيف أكثر من روسيا.

استهداف صادرات روسية أخرى

يمكن استهداف الصادرات الروسية الأخرى التي يكون العالم أقل اعتمادًا عليها بشكل أسرع، مما يؤدي إلى زيادة التأثير على روسيا وتقليل التأثير على الأسواق العالمية، وسوف تسد الصين، بكل سرور، الفجوة إذا تم قطع الصادرات الروسية للعديد من منتجات الحديد والصلب، فروسيا تمثل حصة صغيرة من النحاس العالمي، لذا فإن قطع هذا التصدير بعد عامين لن يكون معطلاً بشكل كبير، ويمكن أن تتكيف أسواق الألمنيوم أيضًا بعد بضع سنوات فقط وتمثل هذه السلع بالإضافة إلى النفط أكثر من نصف الصادرات الروسية، وعلى الرغم من الاهتمام بالغاز الطبيعي، لا تكسب روسيا من الغاز، سوى جزء بسيط مما تكسبه من النفط، ولذلك يمكن تركها خارج حزمة العقوبات دون إضعاف التأثير الكلي.

منع روسيا من استيراد البضائع الإستراتيجية

أخيرًا، على الرغم من أن المناقشة تركز في الغالب على ضرب الصادرات الروسية، يمكن للولايات المتحدة أيضًا حظر البضائع التي تستوردها روسيا، وقد ورد أن إدارة بايدن هددت بمنع روسيا من شراء الهواتف الذكية والإلكترونيات الاستهلاكية من الخارج، وقد يؤدي استهداف المكونات التي تحتاجها الصناعة الروسية أيضًا إلى إلحاق أضرار جسيمة، فروسيا تستورد بحوالي 10 مليارات دولار قطع غيار للسيارات سنويًا، ويشكل هذا 2٪ فقط من السوق العالمية لقطع غيار السيارات، لذلك فبالكاد ستلاحظ الشركات الأجنبية هذا إذا ما تم عزل روسيا، لكن هذا سيجعل من الصعب للغاية على المصانع الروسية تصنيع السيارات، مما سيجبر الروس على إنفاق موارد النقد الأجنبي الشحيحة لشراء السيارات من الخارج.

يمكن للولايات المتحدة أيضًا أن تضع قيودًا على الآلات والأدوات الدقيقة المباعة لروسيا للتأكد من أنها لا تدعم الحشد العسكري للحكومة، ويركز الجدل الأمريكي بشكل خاطئ على معاقبة الأوليجارشية، متجاهلاً حقيقة أن الاقتصاد الروسي بأكمله، وليس أصدقاء بوتين فقط، هو الذي يوفر الموارد التي يحتاجها جيش البلاد.

تتمتع الولايات المتحدة بخبرة أقل نسبيًا فيما يتعلق بالضوابط الصارمة على الصادرات، لذا يجب فرض أي إجراءات جديدة بعناية، من الواضح، مع |ذلك، أن هذه منطقة غير مكتشفة من فن الحكم الاقتصادي ضد روسيا، فقد أمضت روسيا السنوات الثلاثين الماضية في التكامل الاقتصادي مع الولايات المتحدة وأوروبا، إن الحجة القائلة بأن مساعدة روسيا على التحديث من شأنه أن ينتج طبقة حاكمة أكثر صداقة تم دحضها، فبدلاً من ذلك، استخدمت روسيا أرباح هذه الاستراتيجية لتمويل برنامج عالي الفعالية للتحديث العسكري، ومع ذلك، فإن روسيا بحاجة إلى المنتجات والتكنولوجيا الغربية أكثر بكثير مما يحتاج الغرب إلى السلع الروسية، وهذا يعطي الولايات المتحدة أدوات قوية لم تستخدمها بعد.

مثل هذه الإجراءات، بطبيعة الحال، لن تكون لها تكاليف فقط على روسيا ولكن على الولايات المتحدة وأوروبا أيضا، كما أنها ستسبب احتكاكات خطيرة مع الاقتصادات الكبرى الأخرى، ولا سيما الصين، لكن يتعين على صانعي السياسات أن يكونوا صادقين بشأن كيفية عمل العقوبات، فإما أن يتبنوا عقوبات صغيرة الحجم ومقبولة سياسياً ودبلوماسياً، أو يتخذوا إجراءات تجعل روسيا تشعر بألم كافٍ لتغيير مسارها، إن طبيعة الاقتصاد المعولم هي أننا لا نستطيع عزل بقية العالم – بما في ذلك أنفسنا – عن هذا الألم، حتى لو كانت روسيا ستعاني أكثر بكثير.

قد يكون لروسيا ميزة في ساحة المعركة في أوكرانيا، لكن الغرب لديه قوة هائلة على الاقتصاد الروسي، ويجب أن يكون مستعدًا لاستخدامها، وأن يكون مستعدًا أيضًا لتحمل التكاليف.

 

 

 

 

 

 

 

____________________

المصدر: “بوليتكو”.

Exit mobile version