ضرب الإسلاميين وراء التدخل العسكري الروسي في كازاخستان

 

يوم 2 يناير 2022م، وقعت احتجاجات شعبية في شوارع كازاخستان على ارتفاع أسعار الوقود، سرعان ما تصاعدت إلى اشتباكات بين مسلحين والقوات الحكومية في الشوارع.

بعدها بثلاثة أيام، طلب رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، وهو حليف قوي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الدعم من “منظمة معاهدة الأمن الجماعي”، التي تضم 6 من دول ما بعد الاتحاد السوفييتي، ودعت الحكومة الشيوعية السابقة روسيا للتدخل لقمع ما زعمت أنهم “إرهابيون إسلاميون”؛ فأرسلت 3 آلاف جندي أغلبهم من روسيا.

الرئيس الكازاخي اتهم المشاركين في الاحتجاجات التي هزّت بلاده بأنهم “مُحرَّكون بأيادٍ خارجية”، ملمحاً إلى مسؤولية الغرب عن ذلك؛ ما طرح تساؤلات حول ما إذا هل كانت تلك الأحداث محاولة لإلهاء موسكو عن غزو أوكرانيا؟

بعدما سخر منه وزير خارجية أمريكا، عاد توكاييف ليتحدث عن “عدوان إرهابي”، و”قوات إرهابية منظمة تضم في صفوفها “إسلاميين ومجرمين ومخربين”، استغلت الحركة الاحتجاجية على رفع أسعار المحروقات في محاولة للقيام بانقلاب بدعم خارجي.

وعقب دخول الجيش الروسي إلى كازاخستان، أعلنت جماعة مجهولة تطلق على نفسها “جبهة تحرير كازاخستان” أنها متواجدة في عدة مدن وستقاتل ضد عملاء الروس وكل الجنود الأجانب الذين دخلوا لاحتلال البلاد.

وسبق أن أصدرت المحكمة العليا بكازخستان عام 2006 قائمة للمنظمات المحظورة، أبرزها الحركة الإسلامية في أوزبكستان، وحزب التحرير الإسلامي، وجماعة مجاهدي آسيا الوسطى، والحزب الإسلامي لتركستان الشرقية، وجماعة الإخوان، وتنظيم القاعدة.

لذا، زعم رئيس كازاخستان أن مسلحين من آسيا الوسطى وأفغانستان والشرق الأوسط؛ أي من خارج بلاده، وراء أعمال العنف التي شهدتها بلادها، وأن الاحتجاجات غزتها القوى الأجنبية التي ترعى النشاط الإرهابي في بلاده.

كما زعمت وزارة الخارجية الكازاخستانية، في بيان، في 10 يناير الجاري، أن “متطرفين إسلاميين من خارج البلاد أدوا دوراً في الهجمات على البلاد، وهاجموا مباني حكومية”.

ما دور الإسلاميين؟

لأن روسيا تسعى لاستعادة سيطرتها على الجمهوريات السوفييتية السابقة بدعاوى وجود خطر يهددها، ومن ثم يهدد الأمن القومي الروسي، فقد لعبت على وتر الإسلاميين، محاولة ربط دعم الغرب لانتفاضة شعب كازاخستان بتحرك الإسلاميين.

حيث زعم السفير الروسي لدى الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف، في تصريح لمجلة “نيوزويك”، في 7 يناير الجاري، أن “هناك مخاوف جدية من انتشار الفكر الديني المتطرف في آسيا الوسطى”.

كما نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن الخبير العسكري الروسي فيكتور موراكوفسكي زعمه في مقابلة مع قناة “زفيزدا” التلفزيونية أن “الإسلاميين المتطرفين قادوا الاحتجاجات السلمية في الجمهورية”.

وأضاف موراكوفسكي: “الإسلاميون المتطرفون يظهرون بشكل أكثر وضوحاً في الأحداث في كازاخستان”، وزعم أنهم مرتبطون بـ “تنظيمات إسلامية راديكالية في الشرق الأوسط وسورية والعراق وأفغانستان ظهرت على أراضي كازاخستان”.

وتحدث المحلل السياسي لـ”التلفزيون الروسي” (RT) ألكسندر نازاروف عن “نفوذ الإسلاميين في كازاخستان الذي لا يمكن إنكاره”، واتهم تركيا بجانب الغرب بالسعي للتدخل هناك.

زعم أن تركيا “كثّفت مؤخراً محاولاتها لإنشاء إمبراطورية تركية (للدول الإسلامية)”، وقال: إن “أي زعزعة للاستقرار في كازاخستان تمنحها الفرصة الخاصة لبدء لعبتها الخاصة من خلال إحدى القوى السياسية المحلية”.

رد حزب التحرير

وقد رد على الاتهامات الكازاخية والروسية أمير حزب التحرير عطاء بن خليل أبو الرشتة، عبر حسابه على “فيسبوك”، معدداً مصالح روسيا ومطامعها في كازاخستان ودول إسلامية أخرى، مشيراً إلى أن اتهامها الإسلاميين خطأ، ومن خرج هو الشعب وكان عفوياً؛ رداً على رفع أسعار الغاز والفساد.

أشار لمدى الأهمية التي توليها روسيا لكازاخستان، فقد وقفت روسيا خلف تفعيل بنود معاهدة الأمن الجماعي، وذلك لإخماد احتجاجات كازاخستان بالحديد والنار، وهذه هي المرة الأولى منذ تأسيس المنظمة التي تحمل الاسم نفسه عام 1992، رغم ما كان يعصف ببعض بلدان تلك المعاهدة من أحداث دون بروز تدخل للمنظمة، وهذا يدل على مدى تلك الأهمية.

وأوضح أن خلخلة الأوضاع الأمنية في كازاخستان قد أبرزت مواطن ضعف جديدة للنفوذ الروسي في المحيط السوفييتي، وهذا قد يغري الغرب بإحاطة روسيا بطوق من الأزمات تمتد من آسيا الوسطى حتى بيلاروسيا.

وقال: إنه من المحزن أن يتصارع الأعداء على بلد إسلامي مثل كازاخستان، وينهبوا ثرواته، ويستغلوا موقعه وقدراته لمصالحهم في الوقت الذي لا يهم العملاء من أهل البلد إلا الصراع على الكراسي والحصول على أعلى المناصب، ويتركون أهل البلاد فقراء يعانون الأمرّين وبلادهم غنية في أرضها وخيراتها، مع أن جل أهلها مسلمون.

وأوضح أن كازاخستان كجزء من تركستان الغربية في آسيا الوسطى بلد إسلامي واسع المساحة تزيد على 2.7 مليون كلم2، ولكن سكانه قليلون بالنسبة لمساحته حيث يبلغ عددهم نحو 19 مليوناً، أكثرهم من المسلمين، تتجاوز نسبتهم 75%.

ويعيش في كازاخستان أقلية روسية كبيرة، يقال: إنهم يشكلون 20% من السكان؛ أي نحو 3.5 مليون؛ لذا يعد البلد مهماً لروسيا اقتصادياً وجيوسياسياً، حيث كان تحت السيطرة الروسية المباشرة على عهد الاتحاد السوفييتي، إلى أن أعلن استقلاله عام 1991، ولكنه بقي مرتبطاً بروسيا ضمن ما يعرف بمجموعة الدول المستقلة، وكذلك بمعاهدة الأمن الجماعي وبمعاهدة شنغهاي.

كما أن كازاخستان تحتضن المطار الفضائي الروسي في موقع بايكمور الذي تنطلق منه الصواريخ حاملة المركبات الفضائية، وكانت روسيا تستحوذ على ثرواته الهائلة، فهو غني بالنفط حيث يشكل ما نسبته 21% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وينتج يومياً أكثر من 1.5 مليون برميل من النفط.

ويعد من أكبر المنتجين لليورانيوم في العالم، فإن لدى هذا البلد الإسلامي احتياطياً من اليورانيوم يبلغ 1.5 مليون طن، وتتوفر فيه كميات كبيرة من المنجنيز والحديد والكروم والفحم وكذلك الغاز الطبيعي، فالمكتشف حتى الآن نحو تريليوني م3 من الغاز الطبيعي.

وهكذا، فإن كازاخستان مهمة بالنسبة لروسيا، فهي تقع في المركز الثاني بعد أوكرانيا فيما تعتبره روسيا منطقة نفوذها الحيوي في الفضاء السوفييتي السابق، ولهذا فهي تبذل الوسع في استمرار الاستحواذ عليها حتى لا يتكرر ما حدث لأوكرانيا التي استقلت عنها فعلاً وليس اسماً مثل كازاخستان.

كما أوضح أن ذهاب هذا البلد من يد روسيا ربما يؤدي إلى ذهاب باقي دول آسيا الوسطى من تحكم روسيا والخروج من تحت نفوذها، حيث ازدادت خشية روسيا عندما حدثت تلك الاحتجاجات واتسعت بشكل مفاجئ.

استعادة الاتحاد السوفييتي

وتقول الكاتبة الأوكرانية لينا سورزخو: إن التدخل الروسي في كازاخستان رسالة روسية إلى أوكرانيا والغرب، ولن يتردد بوتين في إظهار القوة لتحقيق أهداف روسيا، ومنها ضم أوكرانيا في ظل سعي روسيا لاستعادة الجمهوريات السابقة التي استقلت عقب انهيار الاتحاد السوفييتي.

وهو ما أكده تحليل لموقع “أتلانتيك كونسل”، يوم 7 يناير الجاري، بأن هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتمثل في استعادة النفوذ الروسي في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي لا يقتصر على أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا.

وكتب الرئيس الروسي، في مقال نشرته الرئاسة الروسية في يوليو العام الماضي، عن رؤيته هذه للتدخل في كل جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة والسيطرة عليها بما فيها أوكرانيا وكازاخستان، تقوم هذه الرؤية على ادعاء الحاجة إلى حماية روسيا والدول المجاورة لها ضد ما يعتبره “تأثيرات مزعزعة للاستقرار تقودها الولايات المتحدة وحلف “الناتو”، تدعم وتشجع المتطرفين المناهضين للحكومة والثورات في المنطقة”.

بحسب زعم بوتين، كان يتوجب على كل هذه الجمهوريات التي التحقت بالاتحاد السوفييتي السابق أن تعيد لدى الخروج من هذا الاتحاد ما حصلت عليه من هدايا؛ أي أراضٍ حصلت عليها في الحقبة السوفييتية.

لذلك، أعاد انتشار القوات الروسية في كازاخستان طرح أطماع موسكو في أراضي هذه الأخيرة، وتزايدت تلك المخاوف مع تهديد سياسيين روس باستعمال ورقة الأقلية السلافية الكازاخية من أجل تكرار سيناريو القرم في أقاليم كازاخستان الشمالية.

وقد طالب عدد من السياسيين الروس، العام الماضي، بضرورة “إعادة” أراضي شمال كازاخستان، على رأسهم فياتشيسلاف نيكونوف، النائب عن الحزب الحاكم، الذي زعم أن “كازاخستان لم تكن موجودة كدولة، وأراضيها كانت هدية من روسيا والاتحاد السوفييتي”.

لذا، يرى مراقبون أن سماح السلطات الكازاخية لروسيا بالتدخل في أراضيها بدعوى تفعيل “معاهدة الأمن الجماعي” فرصة ذهبية لضم كازاخستان أيضاً، كبروفة ورسالة تهديد بضم أوكرانيا، الأكثر خطراً على روسيا لأن حكومتها موالية للغرب.

Exit mobile version