تواصل “إسرائيل” تجريف أراضٍ مملوكة لمواطنين عرب في منطقة النقب، وسط احتجاجات واعتقالات واعتراضات من الشريك العربي في حكومة تل أبيب، فهل يصادر الاحتلال ما تبقى من أرض النقب؟
كانت منطقة النقب قد شهدت انطلاق مظاهرات من جانب سكانها العرب؛ رفضاً لتجريف أراضٍ يمتلكها مواطنون عرب من قبائل البدو الرحل، وزراعتها بالأشجار كمقدمة لمصادرتها لصالح لـ”إسرائيل”، وسط اعتراض من جانب القائمة العربية الموحدة المشاركة في الائتلاف الحكومي في “إسرائيل”.
منطقة النقب تبلغ مساحتها نحو 14 ألف كيلومتر مربع، ويغلب عليها الطابع الصحراوي، وتقطنها تاريخياً عشائر عربية ترتبط اجتماعياً بقبائل سيناء وشبه الجزيرة العربية والأردن.
ما قصة مشروع “تشجير النقب”؟
يتولى الصندوق القومي اليهودي مشروع تجريف أراضي النقب الصحراوية وزراعتها بالأشجار، وهذا الصندوق هو منظمة تقوم بجمع الأموال من اليهود في العالم كله وتوظِّفها في وضع اليد على الأملاك الفلسطينية وتحويلها إلى مستوطنات في عموم أراضي فلسطين التاريخية.
ويشهد النقب احتجاجات من السكان، قد تكون لها عواقب على مستقبل الحكومة “الإسرائيلية”، بعد احتجاج القائمة العربية الموحدة، الداعمة للحكومة، على تجريف الصندوق القومي اليهودي أراضيَ بالنقب، وزراعتها توطئةً لمصادرتها.
وقال جُمعة الزبارقة مُركّز لجنة التوجيه العليا للعرب في النقب (أهلية): إن “إسرائيل” تستهدف الآن 6 قرى أراضيها صالحة للزراعة، وأضاف لمراسل وكالة “الأناضول”: “الناس موجودون في أراضيهم وبيوتهم، ولكنهم (الصندوق القومي اليهودي) يحرثون الأراضي في محيط القرى والبيوت، وهذا غير مقبول علينا، لأن المجال الوحيد للتطور هو في هذه المنطقة”.
وتابع الزبارقة: “بالتالي فإن صراعنا هو على الحيّز (الأراضي)، وهذا ليس بجديد، ولكن في الآونة الأخيرة، زادت الاعتداءات بشكل جذري”، مشيراً إلى أن الطواقم “الإسرائيلية” استأنفت، الأربعاء 12 يناير، أعمال تجريف الأراضي وزراعتها بالأشجار، رغم احتجاجات السكان.
وقال: “بالأمس تم اعتقال 21 شاباً، وتم اعتقال 9 اليوم وقد جرى تمديد اعتقالهم لعدة أيام رغم تقديم استئناف على اعتقالهم”، مؤكداً أن قوات الشرطة “الإسرائيلية” تقتحم القرى العربية بالنقب، وتعتدي على المواطنين المحتجين، على عمليات التجريف.
من جانبها، تقول السلطات “الإسرائيلية” إن تجريف التربة الرملية وزراعة الأشجار بها أمرٌ ضروري للمحافظة عليها وتنميتها. واشتبك البدو في قرية سعوة الأطرش في النقب مع الشرطة الأربعاء، بعد ليلة قالت مصادر الشرطة “الإسرائيلية” في بيان: إن المحتجين أغلقوا الطرق ورشقوا سائقي السيارات بالحجارة وأجبروا قطاراً على التوقف بوضع قطع صخرية على القضبان، بحسب “رويترز”.
الزبارقة يقول: إن الصندوق القومي اليهودي يحاول مصادرة ما تبقى من أراضٍ عربية بالنقب، بذريعة زراعتها بالأشجار: “ما يعتبرونه أرضاً فارغة، هي في الحقيقة أملاك الناس، يعتدون عليها من منطلق أن ما هو لي هو لي، وما هو لك هو أيضاً لي، وهذا هو تلخيص الفكر الصهيوني؛ والصندوق القومي اليهودي يجمع الأموال من حول العالم من أجل الاستيلاء على الأراضي”.
وأضاف: “قضية زراعة الشجر وخلع البشر، هي عبارة عن فكر توسعي وتضييق على الناس، هم يريدون أن يُبقُونا في قرى معزولة لا مجال لتطورها المستقبلي ولا مجال للعيش الكريم أو الزراعة أو تربية المواشي فيها”.
“الناس هنا تعيش على تربية المواشي بشكل أساسي، وهذا يتلاشى شيئاً فشيئاً، بسبب الاستيلاء على الحيّز أي على الأرض”، ولفت الزبارقة إلى أن الصراع في النقب بات على 5%، من الأرض فقط، بعد أن سيطرت “إسرائيل” على 95% من أراضيه.
وقال: “نحن نتحدث عن أقل من 5% من أراضي النقب، كل عرب النقب يعيشون على أقل من 5% من أراضيه، في حين أن دولة إسرائيل والمستوطنين معهم 95% من الأرض. إن العرب البالغ عددهم 300 ألف، يُشكلون 32% من سكان النقب يعيشون على 5% من الأرض، وكل الملاحقات التي تراها وتسمع عنها من هدم وتجريف هي على الـ5%”.
وتابع الزبارقة: “نحن نتحدث عن ثلث عدد السكان، يعيشون على 5% من الأرض وهم يلاحقوننا على هذه الأرض”.
ماذا يقول الشريك العربي في الحكومة؟
الائتلاف الذي يحكم “إسرائيل” حالياً يضم للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية، منذ تأسيسها على أرض فلسطين عام 1948، شريكاً عربياً هو القائمة العربية الموحدة التي تمتلك 4 مقاعد في الكنيست (البرلمان “الإسرائيلي” المكون من 120 مقعداً)، وتسببت قضية تجريف أراضي النقب في خلافات داخل الائتلاف.
ومنذ أن بدأت الحفارات في العمل، ناشد منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة، “تأجيل” المشروع، “بينما نعمل على خطة لائقة من شأنها أن تمنح المواطنين البدو حياة كريمة وسبل عيش كريمة”. وكتب على تويتر: “الشجرة ليست أهم من الإنسان”، بحسب رويترز.
واعتقلت “إسرائيل”، يومي الخميس والجمعة، 132 متظاهراً عربياً، خلال الاحتجاجات في النقب، وفق تقرير نشره موقع “عرب 48” المتخصص بشؤون الفلسطينيين في “إسرائيل”.
وقال متحدث باسم القائمة العربية الموحدة التي يتزعمها منصور: إنها ستقاطع عمليات التصويت في البرلمان. وأضاف أنه إذا استمر ذلك، فقد يحرم نفتالي بينيت (رئيس الوزراء) من الأغلبية الضئيلة ويعزز المعارضة اليهودية القومية.
ورداً على سؤال حول إلى أي مدى ترغب القائمة في مواصلة هذا التوجه، ردت النائبة عن القائمة إيمان خطيب ياسين بأنها ستواصل ذلك حتى النهاية. وأضافت لـ”هيئة البث الإسرائيلي” (كان) أن القائمة العربية الموحدة دخلت في هذه الشراكة على أمل العثور على شركاء يفهمون أن المواطنين العرب في البلاد لهم حق أساسي ويستحقون الحقوق الأساسية على أراضيهم، لكنها لم تهدد بانسحاب القائمة من الائتلاف الحاكم.
كما حث وزير الخارجية يائير لابيد، الذي ينتمي لتيار الوسط، على وقف عمليات التجريف. وقال في بيان إنه على الرغم من تعهدات الحكومات المتعاقبة باستثمار عادل في النقب، “فقد تم التخلي عن مشكلة البدو”، كما نقلت “هيئة البث الإسرائيلية” عن لابيد دعوته إلى” الامتناع عن غرس الأشجار وإجراء تقييم للوضع للحيلولة دون المساس بأرزاق السكان البدو في المنطقة”.
ولم يعلق بينيت، في حين رأى وزير الإسكان زئيف إلكين أنه لا داعي للاستجابة لمثل هذه الدعوات، وقال إلكين لإذاعة “103 إف.إم”: “هذه أراضي دولة”.
الائتلاف الحكومي يمتلك 61 صوتاً داخل الكنيست (أي النصف زائد واحد)، وامتناع القائمة العربية الموحدة عن التصويت قد يعني فشل حكومة بينيت في تمرير أي مشروع قانون وربما تفكك التحالف في نهاية المطاف.
ماذا يعني ذلك للنقب وللحكومة؟
بنيامين نتنياهو، رئيس المعارضة “الإسرائيلية” وزعيم حزب الليكود، كان قد قال في تغريدة على “تويتر”: “ما من أحد باستطاعته وقف زراعة الأشجار في أرض إسرائيل”، مقدماً دعمه لقوات الشرطة ومهاجماً بينيت بسبب موقف القائمة العربية الموحدة.
لكن عباس رد على نتنياهو في بيان قال فيه: إن رئيس الوزراء السابق (نتنياهو) نفسه كان قد أوقف العمل في مشروع “تشجير النقب” ووعد (أثناء السعي لإقناع العرب بالمشاركة معه في تشكيل الحكومة) ببث استثمارات وتطوير أراضي النقب لصالح ملاكها من البدو العرب، بحسب تقرير لصحيفة The Times of Israel.
وقال النائب بالقائمة العربية الموحدة، مازن غنايم في تدوينة على “فيسبوك”، الأربعاء: “أنا مازن غنايم، ابن مدينة سخنين وابن الوسط العربي، أعلنها من هنا من صفحتي الرسمية ومن كل منبر، من اليوم من هذه الساعة، أنا ضد هذه الحكومة حتى تتراجع عن كل أعمال التجريف في النقب”.
وأضاف: “لا يُعقل أن نعطيهم حكومة، وهم يستكثرون علينا العيش بكرامة على أرضنا. النقب بيتي، النقب أهلي، والنقب خط أحمر”.
وحول توقعاته حيال إمكانية نجاح القائمة العربية الموحدة، في وقف عمليات التجريف، أجاب الزبارقة: “لا نعوّل على الوزراء، وإنما نعوّل على صمود شعبنا الذي يصمد منذ النكبة على مدار 73 عاماً، على هذه الأرض”، مضيفاً: “لا خيار لنا في هذه المعركة إلا الانتصار”.
من جانبها، قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس): إن صمود أهالي النقب جنوبي “إسرائيل” هو إحدى نتائج معركة “سيف القدس”. جاء ذلك في بيان السبت 15 يناير للمتحدث باسم الحركة عبد اللطيف القانوع.
“شعبنا الفلسطيني في معركة مفتوحة مع الاحتلال الصهيوني (إسرائيل) في كل المناطق والمدن والساحات. صمود أهلنا في النقب المحتل، وتصديهم لمخططات الاحتلال، واستبسالهم في الدفاع عن أرضهم، من أحد مفاعيل معركة سيف القدس التي بثت روح المقاومة في نفوس شعبنا، وأشعلت جذوتها في كل الساحات”، بحسب نسخة من البيان نشرتها وكالة “الأناضول”.
“سيف القدس” هي المواجهة الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة و”إسرائيل” خلال مايو 2021، والتي اندلعت أساساً بسبب خطط حكومة نتنياهو لتهجير أهالي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة والاعتداء على المسجد الأقصى، وحققت فيها المقاومة الفلسطينية انتصاراً كبيراً.