ليس حقوق الإنسان فحسب.. كيف تقوِّض مبيعات الأسلحة الأمريكية للدول القمعية “الأمن القومي” للولايات المتحدة؟

غالباً ما يعارض منتقدو سياسة مبيعات الأسلحة الأمريكية الصفقات المشكوك فيها استناداً إلى تأثيرها على حقوق الإنسان والإضرار بالمدنيين، وهم مُحِقون في ذلك. يجب معارضة الدمار والقمع الذي غذته عمليات بيع الولايات المتحدة الأسلحة لأنظمةٍ مثل المملكة السعودية والإمارات ومصر والفلبين، بناءً على العواقب الإنسانية، ناهيكم عن التأثير على سمعة الولايات المتحدة في العالم. ولكن لا يُلاحظ في كثيرٍ من الأحيان أن المبيعات لتلك الحكومات نفسها تقوِّض الأمن القومي للولايات المتحدة بشكلٍ كبير.

هذا ما يقوله وليام هارتونغ، الأكاديمي والباحث المخضرم بمعهد كوينسي الأمريكي، في مقالة له بموقع Responsible Statecraft الأمريكي، ويذكر الكاتب تقريراً لمعهد كوينسي صدر في يوليو/تموز 2020 حول المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والذي وصل إلى أن “البصمة العسكرية الأمريكية الكبيرة في المنطقة، جنباً إلى جنب مع مبيعات الأسلحة الأمريكية الضخمة ودعم الأنظمة القمعية، تؤدي إلى عدم الاستقرار وتفاقم المظالم والظروف التي تهدد الولايات المتحدة”.

مبيعات الأسلحة الأمريكية تقوض مصالحها بالشرق الأوسط

ويضيف هارتونغ، أن مبيعات الأسلحة الأمريكية التي تجاوزت 100 مليار دولار إلى السعودية والإمارات على مدى العقد الماضي قد مكّنتهما وشجَّعتهما على شنِّ حربٍ مُدمِّرة في اليمن أسفرت عن مقتل أكثر من ربع مليون شخص وعرَّضَت الملايين لخطر المجاعة. وكما لاحظ السناتور كريس مورفي (ديمقراطي من ولاية كونيكتيكت)، فإن “هناك بصمة أمريكية على كل وفاة مدنية داخل اليمن.” هذه ليست طريقة لكسب الأصدقاء أو التأثير بشكلٍ إيجابي على دول المنطقة.

يقوِّض الدور الإقليمي لدولة الإمارات أيضاً المصالح الأمريكية طويلة المدى. ومن خلال انتهاك الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على أطراف الحرب الأهلية في ليبيا وشنِّ ضربات بطائراتٍ مُسيَّرة هناك، أدَّى ذلك إلى تقويض جهود تسوية الصراع على حساب السلام والاستقرار في شمال إفريقيا. لكن الضرر الذي يلحق بأمن الولايات المتحدة من قبل الإمارات لا يتوقَّف عند هذا الحد، كما يقول الكاتب الأمريكي.

وكما لاحظ جون هوفمان، طالب الدكتوراه في جامعة جورج ميسون، فقد “أضر السلوك المارق لدولة الإمارات بمصالح الولايات المتحدة ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في الداخل أيضاً”، من دعم الانقلاب الذي أوصل نظام السيسي إلى السلطة في مصر، إلى دعم نظام الأسد في سوريا، إلى دعم قمع الجيش للحركة الديمقراطية في السودان، إلى مراقبة المواطنين الأمريكيين ومحاولة التدخل في العملية السياسية الأمريكية، اتَّخَذَت الإمارات المتحدة باستمرارٍ إجراءات تهدِّد الديمقراطية في الداخل والخارج وتجعل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر خطورة وعدم استقرار وتعج بالصراعات.

يتساءل هارتونغ: إذا كانت هذه تصرفات حليف، فلماذا تُضَخُّ مليارات الدولارات من الأسلحة لدعم مثل هذا النظام، وهي خطوةٌ تمكِّنه من سلوكه المتهوِّر وتشكِّل تأييداً لسلوكه؟

حقوق الإنسان تأتي في ذيل القائمة عندما يتعلَّق الأمر بدول حليفة لأمريكا

ويرى الكاتب أن الاعتراف بالعواقب الأمنية لمبيعات الأسلحة الجامحة للأنظمة القمعية، إلى جانب الاهتمام بحقوق الإنسان والأضرار التي تلحق بالمدنيين، يمكن أن يعكس الاتجاه طويل الأمد لإلقاء حقوق الإنسان في البحر في عملية صنع القرار بشأن مبيعات الأسلحة.

في نظرةٍ عامة حول مبيعات الأسلحة الأمريكية في عام 2021، أكَّدَت وزارة الخارجية الأمريكية أنه عندما يتعلَّق الأمر بمبيعات الأسلحة، “تتبع الولايات المتحدة نهجاً شاملاً، يوازن بين عوامل السياسة والعسكرية والاقتصاد ومنع الانتشار وأمن التكنولوجيا والاستخدام النهائي وعوامل حقوق الإنسان، من أجل تحديد التوفير المناسب للمعدَّات العسكرية”.

لكن العروض الأمريكية للطائرات المقاتلة والطائرات المُسيَّرة المسلحة والصواريخ والقنابل للأنظمة القمعية، مثل المملكة السعودية والإمارات ومصر والفلبين، توضِّح أن حقوق الإنسان تأتي في ذيل القائمة عندما يتعلَّق الأمر بتحديد الدول التي يجب دعمها. والفهم الأوضح لكيفية تقويض هذه المبيعات للمصالح الأمريكية الأوسع قد يغيِّر هذا الحساب.

يجب التوقف عن التعامل مع حقوق الإنسان كقضيةٍ منفصلة

ويرى هارتونغ أنه يجب أن يكون دور مبيعات الأسلحة للأنظمة القمعية في الإضرار بأمن الولايات المتحدة الشغل الشاغل لتوجُّه إدارة بايدن القادم في شأن بيع الأسلحة.

تحتاج الوثيقة، التي تهدف إلى توجيه عملية صنع القرار بشأن نقل الأسلحة في الولايات المتحدة، إلى التأكيد على الجوانب السلبية المتعددة لتسليح الحكومات الاستبدادية والعدوانية، بدلاً من التعامل مع حقوق الإنسان كقضيةٍ منفصلة، تحتاج هذه الوثيقة إلى الإلزام بالتوقُّف عن إلحاق ضررٍ جسيمٍ بالمدنيين. إذا فعلت الإدارة ذلك، يمكنها المساعدة في جعل العالم مكاناً أكثر أمناً، وخدمة المصالح الأمنية الأمريكية في هذه العملية.

لكن يبدو أنَّه حتى الآن، لا تزال تتبنى إدارة جو بايدن، المنظور الذي يقول بأن دولة حليفة كالإمارات لا تزال أحد العناصر الأساسية في رغبة واشنطن الرامية إلى إسناد أعبائها الإقليمية في الشرق الأوسط إلى دول أخرى في المنطقة؛ لأنها باتت تتجه نحو آسيا، على الرغم من أنَّ الإمارات قد تنخرط أحياناً في تدخلات إقليمية أو ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان. ويجادل مؤيدو هذا المنظور بأنَّ مثل هذه الإجراءات لا تضر بمصالح الولايات المتحدة وتبقى الإمارات رمزاً للاستقرار والتقدّم في منطقة تعج بالاضطرابات.

وبناء على ذلك، وافقت إدارة بايدن مؤخراً على بيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار (تشمل طائرات طراز “F-35”) إلى أبوظبي وأشادت بها باعتبارها “شريكاً أمنياً رئيسياً” للولايات المتحدة الأمريكية.

لكن يقول جون هوفمان الأكاديمي بجامعة جورج ميسون والمتخصص بالجغرافيا السياسية للشرق الأوسط والإسلام السياسي، بمجلة Foreign Policy الأمريكية، إن هذا النهج معيب للغاية. على الرغم من التفاؤل الذي أبداه أنصار مثل هذا المنظور، فإنَّ التغاضي عن السلوك المارق لدولة حليفة كالإمارات أضر بمصالح الولايات المتحدة ليس داخل منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل في الداخل الأمريكي أيضاً.

يقول هوفمان إن دولة الإمارات دأبت على اتباع سياسات مزعزعة للاستقرار بطبيعتها في منطقة الشرق الأوسط، فتسبّبت في تفاقم العديد من الحروب الأهلية الجارية في المنطقة وانتهكت القوانين الدولية وسعت بنشاط إلى تخريب محاولات التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط، ناهيك عن محاولاتها المتكررة للتدخل في السياسات الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية على أعلى المستويات ومراقبة الدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين في جميع أنحاء العالم.

أخيراً، يتعيَّن على الولايات المتحدة إعادة تقييم مثل هؤلاء “الحلفاء” الذين تسعى إلى إسناد مصالحها إليهم في منطقة الشرق الأوسط قبل أن تتحول إلى مسارح أخرى، ويجب عليها أيضاً محاسبة أولئك الذين يسعون للتدخل غير القانوني في السياسات المحلية للولايات المتحدة. لفعل ذلك، يجب إنهاء التفويض المطلق أو “الشيك على البياض” الممنوح من جانب الولايات المتحدة لهذه الأنظمة القمعية.

 

Exit mobile version