عندما يكون “جحيم” الغربة أكثر رحمة من “جنة” الوطن.. الوجه الآخر للتطبيع مع نظام بشار الأسد

باتت عودة علاقات الدول العربية والغربية مع نظام بشار الأسد رسمياً مسألة وقت على ما يبدو، في ظل التغييرات السياسية الكبرى بالشرق الأوسط والعالم، لكن الجانب الإنساني لذلك “التطبيع” يبدو مكلفاً للغاية.

وتشير معطيات الأحداث إلى وجود اعتراف ضمني أمريكي بأنَّ الرئيس السوري بشار الأسد قد انتصر ولا يوجد ما يمكن لأي أحدٍ عمله حيال ذلك، إذ لم تكن إدارة بايدن شديدة الانتقاد- أو منتقدة على الإطلاق- حين هاتف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الرئيس السوري، أو حين زاره وزير الخارجية الإماراتي بدمشق في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ويبدو أنَّ خطة العاهل الأردني لاستعادة الوحدة والسيادة السورية متماشية مع رؤية بايدن العامة، حتى ولو لم يعلن البيت الأبيض موافقته على تلك الخطة.

السياسة لها حساباتها، التي لا تتوقف كثيراً عند الشق الإنساني أو الأخلاقي، لكن غالباً ما تكون هناك قائمة ممتدة من الضحايا لتلك الحسابات، ونادراً ما يتوقف أحد عند تلك القائمة.

مجلة Foreign Policy الأمريكية نشرت تقريراً عنوانه “التكلفة الإنسانية للتطبيع مع الأسد”، ألقى الضوء على أوضاع الآلاف من اللاجئين السوريين الذين يخشون ما سيحدث لهم من جراء تلك المصالحة مع نظام بشار الأسد.

لاجئون سوريون في لبنان

اعتُقِلَ يوسف للمرة الأولى في لبنان بعد تهريبه عبر الحدود السورية مباشرةً. إذ كان ناشطاً مناهضاً للنظام من ريف دمشق، وشارك في إدارة صفحة فيسبوك معارضة إبان انتفاضة عام 2011 ضد بشار الأسد. وحين وصل به المهرّب إلى لبنان بعد ثلاث سنوات من الانتفاضة، أدرك يوسف أنه قد لا يرى وطنه الأم ثانيةً. لكن القلق بدأ يساوره الآن من إجباره على العودة، بالتزامن مع اتخاذ بعض الدول خطوات لتطبيع علاقاتها مع الأسد.

فبعد فترةٍ وجيزة من عبوره إلى لبنان، تم توقيف يوسف عند بلدة عرسال الحدودية بنقطة تفتيش لقوات حزب الله، التي أرسلته إلى مخابرات الجيش اللبناني، حيث تم احتجازه 33 يوماً وتعرّض للضرب بشكلٍ متكرر. وهو واحدٌ من مئات السوريين الذين تقول الجماعات الحقوقية إن السلطات اللبنانية احتجزتهم بشكلٍ تعسفي وعذّبتهم، كما تعرّض بعضهم للحرمان من النوم والصعق بالكهرباء وعمليات إعدام وهمية. وقد أُطلِق سراح يوسف بشرط أن يعثر خلال أسبوع على صاحب عمل ليكفل إقامته داخل لبنان. لكنه لم يعثر على كفيلٍ بعد مرور سبع سنوات، بحسب تقرير فورين بوليسي.

وببلوغه الثلاثين من عمره، يعيش يوسف بصفةٍ غير قانونية داخل لبنان منذ ذلك الحين. وهو ليس الوحيدَ في هذا الوضع، حيث لم يحصل سوى 16% فقط من السوريين فوق عمر الـ14 على إقامةٍ في لبنان، وفقاً للأمم المتحدة. وهي ليست مصادفة، لأنّ السلطات اللبنانية مررت سلسلةً من القوانين لإثناء اللاجئين عن البقاء، منذ عام 2015. وتُعتبر التصاريح بعيدةً عن منال غالبية السوريين، الذين لا يستطيعون تحمُّل تكلفة تجديدها سنوياً مقابل 200 دولار.

لا يمتلك غالبية السوريين تصاريح عملٍ أيضاً، حيث يصرح لهم لبنان بالعمل فقط في قطاعات البناء والزراعة والنظافة. وقد عمل يوسف في عددٍ من الوظائف المؤقتة بالاقتصاد غير الرسمي، لكنه عاطلٌ عن العمل حالياً. وأجره الذي كان يتراوح بين دولارين وستة دولارات في اليوم، لم يكن كافياً بالتأكيد لسداد مبلغ الـ800 دولار الذي طلبه منه الكفيل المحتمل لتقنين أوضاعه.

وأدى عدم حصول يوسف على الإقامة إلى اعتقاله للمرة الثانية، حيث لجأ إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ أملاً في الحصول على مساعدات. وحينها تم “تسجيل” اسمه لمساعدته، لأن لبنان منع وكالة اللاجئين من “تسجيل” لاجئين جدد بعد عام 2015.

وبعدها انتقل يوسف من بيروت إلى طرابلس بحجة انخفاض تكاليف المعيشة في ثاني أكبر مدن لبنان، وقلَّة التمييز في الشمال الذي تقطنه أغلبيةٌ سنية. ولكنه حين اضطر إلى العودة لبيروت في 2018 حتى يُجدد شهادة وكالة اللاجئين، تم توقيفه في نقطة تفتيش واحتجازه. وظل رهن الاحتجاز ثلاثة أيام قبل الإفراج عنه، مع مهلةٍ لمدة أسبوع من أجل العثور على كفيل.

وبسبب وضعية يوسف كلاجئ، كان تهديد السلطات رمزياً، لأن لبنان لا يستطيع ترحيله بموجب القانون الدولي. لكن ذلك لم يمنع السلطات من محاولة إجبار السوريين على الرحيل، حيث استهدفت السياسات المفروضة جعل حياتهم صعبة قدر الإمكان؛ لدفعهم إلى “العودة طواعية”، وذلك على متن حافلات يوفرها لبنان للعائدين إلى سوريا.

“جحيم” لبنان أرحم من العودة!

فعلى مدار السنوات القليلة الماضية أجْلت عشرات البلديات اللبنانية السوريين، وفرضت حظر تجوالٍ عليهم، ووضعت حداً أقصى لأجورهم. كما دمَّرت السلطات الخيام الخرسانية في مخيمات اللاجئين، وأغلقت محال العاملين بدون تصريح. وتقول سارة الكيالي، الباحثة السورية في هيومن رايتس ووتش: “لم يسبق أن رأينا تمييزاً صارخاً -في القول والفعل- من جانب سلطات ضد لاجئين سوريين مثلما حدث في لبنان”.

حيث أصدرت بلدية رأس بعلبك، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قراراً بحظر تجوُّل السوريين بين السابعة مساءً والسادسة صباحاً. وقد قال المتحدث الرسمي باسم البلدية لصحيفة L’Orient Today اللبنانية، إن القرار تمَّ “اتخاذه كإجراءٍ لتقليل معدلات جرائم السرقة التي تحدث في المنطقة”. كما أصدرت رأس بعلبك قراراً بوضع سقفٍ للأجور لا يتجاوز الدولارين، وذلك بالنسبة للرجال السوريين وحسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء اللبنانية. وهو القرار الذي قال المتحدث الرسمي إنَّ سببه هو “حصول العمال السوريين على مساعدات دولية، وتقاضيهم الدولارات يومياً من الأموال الأجنبية”.

وتسبَّبت بعض السياسات في إبعاد السوريين بشكلٍ مباشر أيضاً، حيث تم ترحيل أكثر من ستة آلاف لاجئ وصلوا إلى لبنان منذ أبريل/نيسان عام 2019، وذلك بموجب قرارٍ من المجلس الأعلى للدفاع. وربما تسببت جائحة كوفيد-19 في تعطيل الترحيلات ودخول البلاد بشكلٍ قانوني عامي 2020 و2021، لكن يوسف يراقب التطورات الإقليمية الأخيرة بحذر. فهو يخشى من أن قراره عودته لن يكون في يده. وأكثر ما يُخيفه- في حال إجباره على العودة- أن تتحول فترة اعتقاله الأولى لـ33 يوماً، إلى جنةٍ مقارنةً بما ينتظره هناك.

ولا يستطيع يوسف تخيُّل موقفٍ أسوأ من ذلك الذي يعيشه في لبنان، باستثناء الحياة على الجانب الآخر من الحدود بسوريا، حيث يتعرّض اللاجئون العائدون لاعتقالات تعسفية، وتعذيب، واغتصاب، واختفاءات، وقتل خارج نطاق القانون، وفقاً لآخر تقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.

لكن مع سيطرة الأسد الآن على نحو 70% من أراضي البلاد وتراجع حدة القتال، بدأت بعض الدول الأوروبية الميل إلى التعامل بأسلوب لبنان، حيث تقول سارة: “يريدون طي صفحة الماضي والتظاهر بأنّ شيئاً لم يحدث على مدار العقد الماضي”.

حيث قامت الدنمارك تحديداً بسحب وضعية “الإقامة المؤقتة” من اللاجئين من دمشق وريف دمشق، رغم توثيق عشرات حالات انتهاك حقوق الإنسان بالقرب من العاصمة.

من يدفع ثمن التغييرات السياسية؟

وفي الوقت ذاته، بدأت الديناميات الإقليمية بالشرق الأوسط تتغير. قال الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، في مقابلةٍ أجراهامع فورين بوليسي، إنه لا يتوقع من المجتمع الدولي تغيير موقفه تجاه اللاجئين في الوقت الحالي، “لكن اللاجئين السوريين سيكونون الثمنَ الذي سيُدفع من أجل تسوية الأزمة السورية”.

كما أن علاقة الأسد الوثيقة بإيران تزيد تعقيد عودة اللاجئين بحسب بربندي، الذي أردف: “تريد إيران أن تحظى بنفوذٍ كبير في مستقبل سوريا. لكن وجود عددٍ كبير من السكان السُّنة يجعل المهمة شبه مستحيلة. ولهذا لا تتحدث إيران عن قضية اللاجئين مطلقاً”.

بينما بدأت الدول العربية تُرحب بعودة الأسد إلى المحيط العربي؛ من أجل مواجهة المد الإيراني وفقاً لبربندي، رغم تأكيد أن كل دولة لها مصالحها الخاصة، مثل الإمارات التي تُريد النفوذ الدبلوماسي، والأردن التي تريد المكاسب الاقتصادية. كما تضغط عدة دول أعضاء في الجامعة العربية حالياً من أجل عودة عضوية سوريا.

على الجانب الآخر، أدانت الولايات المتحدة مبادرات حلفائها تجاه الأسد بشكلٍ علني، وأبقت على العقوبات التي فرضتها على سوريا. لكن البعض يرى أن حلفاء الولايات المتحدة لن يتحركوا بدون موافقةٍ ضمنية من واشنطن، حيث أوضح بربندي: “حين قدمت كلٌّ من الإمارات والأردن مبرراتها الخاصة للأمريكيين، لم تجد الولايات المتحدة سبباً للرفض، لأن الأمريكيين لا يريدون أن ينهار النظام في سوريا، فهذا أحد الدروس التي تعلَّموها من العراق”.

وربما سيظل الأسد في السلطة، لكنه سيحكم بلداً يعيش حالةً من الفوضى، حيث تدهور الاقتصاد السوري أكثر بعد عام 2020 نتيجة الجائحة، والعقوبات الجديدة، والأزمة الاقتصادية الموازية في لبنان المجاور. كما دخلت العملة السورية في حالة سقوطٍ حر، بينما يُواجه 12 مليوناً من أصل 18 مليون سوري داخل سوريا حالياً خطر الجوع، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة 236%، في حين ارتفعت أسعار الوقود بنسبة 500% على مدار 2020.

ورغم أن الأسد قد لا يرغب في عودة اللاجئين الذين يعارضون حكمه، فإنه يريد أموال المساعدات والاستثمارات التي سيجلبها اللاجئون بعودتهم، وفقاً لبربندي وسارة. حيث أضافت سارة: “أي مساعدات تدخل سوريا تصبُّ في صالح الحكومة السورية، ومشروعاتها، وخططها. وذلك على حساب الأشخاص المحتاجين، وعلى حساب التزامات حقوق الإنسان”.

وفي الوقت الراهن، تذهب تلك المساعدات إلى الدول التي تستضيف اللاجئين مثل لبنان والأردن. لكن سارة تقول إنّ “أموال المتبرعين بدأت تنضب” بعد سنواتٍ من نزوح السوريين. وبالنسبة للبنان، تأتي هذه الأزمة في أسوأ توقيتٍ ممكن بينما تعيش البلاد حالةً من الانهيار الاقتصادي، الذي دفع بثلاثة أرباع سكان لبنان (البالغ عددهم 6.7 مليون نسمة) إلى أسفل خط الفقر.

وقد تسببت هذه المصاعب في تضخيم التمييز المتفشي بالفعل ضد السوريين داخل لبنان. فبوجود أكثر من 815 ألف سوري مسجّل كلاجئ داخل لبنان -وتقدر الحكومة اللبنانية عددهم بنحو 1.5 مليون- بدأ ساسة لبنان في استغلال السوريين ككبش فداءٍ لمشكلات البلاد. وصوّروا اللاجئين على أنّهم يُنافسون مواطني البلاد على الوظائف، ويحصلون على مساعدات غير متناسبة، ويستهلكون موارد الدولة المحدودة.

لكن الأرقام تروي قصةً مختلفة: حيث تعيش تسع من أصل كل 10 أسر سورية لاجئة داخل لبنان في حالة فقرٍ مدقع، كما تُعاني أكثر من نصف العائلات من انعدام الأمن الغذائي، وفقاً للأمم المتحدة. فضلاً عن أن معدلات وفيات اللاجئين السوريين بـ”كوفيد-19″ تُساوي أربعة أضعاف المعدل الوطني اللبناني، لأن اللاجئين يُعانون من أجل الحصول على الرعاية الطبية. كذلك كان اللاجئون ضحيةً لجرائم كراهية، وتعرضت مخيماتهم لهجمات حرقٍ متعمد.

قصة أسرة عادت إلى سوريا

ولا شك في أن اللاجئين لا يحركون الديناميات الجيوسياسية الكبرى، حيث يكافحون بالكاد من أجل عيش اليوم بيومه. لكنهم هم من يتحملون العبء الأكبر لتلك التغييرات على أرض الواقع. وبينما يعيشون محاصَرين بين واقعين أحلاهما مُر؛ قرر بعضهم المخاطرة برحلة العودة إلى سوريا. لكن أعداد الذين عادوا إلى لبنان مرةً أخرى بعدها خير دليلٍ على تجاربهم المروعة.

أسفل زقاقٍ مليءٍ بالقمامة ومياه الصرف في مخيم شاتيلا للاجئين، تعيش ندى مع زوجها خالد وستة أطفال وشقيق زوجها وزوجته، داخل شقةٍ متداعية من غرفتين. وهم ليسوا بمفردهم في هذه الوضعية، حيث تقول الأمم المتحدة إنّ 57% من أسر اللاجئين في لبنان يعيشون وسط أوضاعٍ “خطيرة، أو دون المستوى، مكتظة”.

ولا يستطيع خالد تأدية الوظائف الصعبة، بسبب ضعف نظره وكتفيه، وشدة المنافسة. لهذا فهو يعثر على عملٍ لـ10 أو 15 يوماً في الشهر فقط. كما أن خالد هو مصدر الدخل الوحيد للعائلة، لكن أجره الذي يتراوح بين دولارين وأربعة دولارات يومياً لا يكفي لتغطية نفقات يومٍ واحد عادةً.

ولا يذهب أي من أطفال ندى إلى المدرسة، فهم أميون مثل ذويهم. كما أن لبنان لا يجعل تعليم اللاجئين السوريين مسألةً سهلة، بعد أن وضع سياسات تحرم آلاف الأطفال اللاجئين من دخول المدارس بدون إقامة أو سجلات تعليمية.

وتعيش ندى على الدَّين من أجل سدّ رمقها، حيث أوضحت أن العيش بين الفلسطينيين لا يُعرِّضها للقدر نفسه من العنصرية التي يُواجهها السوريون على يد بعض اللبنانيين.

ولكن في عام 2018، كان زوجها نادراً ما يعثر على عملٍ يومي. ولم يتمكنوا من دفع الإيجار حينها؛ مما دفع صاحب العقار إلى قطع الماء والكهرباء عنهم. وكان الأطفال يشعرون بالجوع ويفتقدون المساحات المفتوحة.

وكان خالد ما يزال يخشى التعرض للاعتقال والخدمة العسكرية الإلزامية في حال عودته إلى سوريا. لكن ندى التي كانت في منتصف الثلاثينيات من عمرها، لم تكن مطلوبةً للتجنيد، كما لم تكن مطلوبةً لنشاطها المناهض للنظام أيضاً. وبالتالي اصطحبت أطفالها عائدةً إلى سوريا. ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي عاشت فيها ندى مع أطفالها داخل سوريا بدون خالد. ففي عام 2015، عبر خالد إلى لبنان للمرة الأولى بدونهم.

وبعد عامٍ واحد، قررت ندى أنّها لا تستطيع العيش بدون زوجها. فاصطحبها المهربون مع أطفالها (الذين كانوا أربعةً حينها) بالقارب إلى ريف منبج عبر بحيرة الأسد، مقابل 300 دولار. لكن القنابل تساقطت عليهم في قصفٍ أثناء الرحلة وكادت تفقد بعض أطفالها. وبعد مضي ستة أشهر وإنفاق 300 دولار أخرى، توجهت العائلة إلى الحدود السورية اللبنانية.

وقضت ندى أقل من عامين في لبنان، لكن الكيل فاض بها رغم أهوال الرحلة الأخيرة وحملها بطفلٍ آخر، لذا قررت العودة إلى سوريا. وفي طريق عودتها أصدرت لها دورية الحدود اللبنانية حظر إعادة دخول دائم، وهو الحظر الذي يُمنح للسوريين الذين يخرجون بشكلٍ قانوني الآن دون دفع غرامة.

وعاد أكثر من 280 ألف لاجئ إلى سوريا منذ عام 2016، وفقاً للأمم المتحدة. ومن المحتمل أن يكون الرقم الحقيقي أكبر من ذلك، لأن العديد من اللاجئين، مثل ندى، لا يُعلمون السلطات بدخولهم وخروجهم من البلاد.

وبعد دخولها إلى سوريا، وصلت ندى في نهاية الرحلة إلى قريتها لتجد منزلها محطماً بالكامل، حيث تعرض للقصف والنهب. ولم يعُد المنزل صالحاً للحياة، لكن ندى عاشت هناك مع أطفالها على أي حال.

وكانت البنية التحتية للقرية مدمرةً بالكامل، لذا لم يكن لديهم تيارٌ كهربائي أو غازٌ طبيعي أو خطوطٌ أرضية. وعثرت ندى على عملٍ في جني المحاصيل بأحد الحقول، لكنها لم تكن تكسب ما يكفي من المال للنجاة. وكان هناك نقصٌ في المواد الغذائية، كما أثقلت الديون كاهل ندى وجوّعت أطفالها أكثر مما كانوا يجوعون في لبنان.

ولم تكن ندى تتصوّر أنّها ستفتقد لبنان على الإطلاق قبل مغادرته. إذ كانت الحياة صعبة في لبنان، لكنها كانت أصعب على أرض الوطن. لذا اتجهت ندى مرةً أخرى إلى الحدود في عام 2020، مصطحبةً معها أطفالها الخمسة هذه المرة، ليأخذها مهربٌ مع أطفالها من منزلهم في ريف حلب حتى بيروت، عبر جبال حمص، مقابل 250 دولاراً.

وفي استطلاعٍ لآراء السوريين أجرته الأمم المتحدة، أعرب 70% منهم عن رغبتهم في العودة إلى أرض الوطن يوماً ما. لكن تسعة من أصل عشرة سوريين شاركوا في الاستطلاع قالوا إنّهم لا يُخططون للعودة خلال الأشهر الـ12 المقبلة، رغم أنّهم لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية في الدول التي تستضيفهم. ومهما بلغت صعوبة وضعهم، يقول غالبية اللاجئين إن الأوضاع في سوريا هي التي ستحدد قرارهم بشأن العودة.

وفي بيانٍ صدر في شهر يوليو/تموز عام 2021، قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنه “مع استئناف المفاوضات حول قضية السوريين النازحين، من الضروري ضمان أن تُوجِّه المبادئ الدولية أي جهود لدعم عودة أولئك النازحين. والمفوضية ترحب بكافة الجهود لبناء بيئةٍ تُمكن اللاجئين والنازحين داخلياً من ممارسة حقهم في العودة. ويجب على كافة الأطراف المعنية العمل بشكلٍ جماعي لتذليل عوائق العودة التي أعرب عنها اللاجئون أنفسهم، إذا كنا نرغب في زيادة احتمالية تحويل تلك الجهود إلى حلٍّ واقعي وآمن ومستدام لعددٍ أكبر من الناس”.

لكن سارة شكّكت في إمكانية إنشاء بيئةٍ آمنة للعودة بينما مايزال الأسد في السلطة، حيث قالت: “في غياب الإصلاحات الجادة للحكومة السورية وأجهزتها؛ أعتقد أنه من المستبعد أن تتوافر الظروف المواتية لعودة اللاجئين بشكلٍ آمن وطوعي”.

 

Exit mobile version