يوم 27 ديسمبر 2021م قام وزير الدفاع التركي خلوصي آكار بزيارة رمزية للبوسنة، تتزامن مع تزايد الاستفزازات الصربية، بسعي صرب البوسنة للاستقلال عن الدولة الفيدرالية وتشكيل جيش منفصل، حملت عدة رسائل مهمّة.
رسالة تركيا في البوسنة كانت واضحة، وهي: لن تسمح للصرب بإثارة القلاقل من جديد، ومستعدة لدعم البوسنة عسكرياً هذه المرة في أي مشكلة تواجهها، كما يقول المحلل التركي محمد أونالميز.
زيارة “آكار” تأتي بعد أيام من تأكيد الرئيس التركي أن بلاده لن تترك البوسنة وحدها وسوف تدافع عن المسلمين في وجه أي عمليات إبادة جديدة.
التقى آكار بأعضاء المجلس الرئاسي البوسني، المكون من ثلاثة أعضاء، بوسني، و كرواتي، وصربي، وكان واضحاً التجهم على وجه العضو الصربي دوديك الذي دعا للانفصال ويهدد بعودة الحرب للبوسنة.. وخلال اللقاء قال لهم آكار إن تركيا تولي أهمية كبيرة لوحدة أراضي البوسنة.
زار آكار قبر قائد المقاومة البوسنية المسلمة والمفكر المسلم علي عزت بيجوفيتش، ثم توجه بعدها لزيارة ابن علي عزت بيجوفيتش “بكر”، وقال له آكار” :نحن مستعدون لجميع أنواع التعاون معكم!”.
كما زار آكار قبر الشهيد “آدم يشاري” قائد المقاومة الكوسوفية المسلمة ضد الصرب، والذي قاوم بشكل بطولي واستشهد مع جميع أفراد عائلته في منزله بعد تطويقه لعدة أيام.
تم استقبال آكار في المطار من قبل وزير الدفاع، ثم جرى استقباله بمراسم عسكرية في وزارة الدفاع البوسنية، في رسالة واضحة للرسالة العسكرية التركية من الزيارة وهي: “نحن هنا ومستعدون للتعاون مع المسلمين البوسنيين كي يدافعوا عن أنفسهم”.
كما زار آكار الجنود الأتراك الموجودين في البوسنة، لينقل رسالة أخيرة هي أن الجيش هو المحطة الأخيرة أو الحل الأخير.
وفي ختام زيارته للبوسنة قال خلوصي آكار تصريحاً مهما بقوله: “لقد تباحثنا هنا باسم تركيا واسم الجيش التركي، لقد قمنا بكل ما يلزم من أجل السلام والاستقرار في البوسنة والهرسك، وسنستمر للقيام بما يلزم، ويمكن لتركيا القيام بالوساطة إن طٌلب ذلك”.
وتابع كلامه قائلاً: سأزور قبور الشهداء، وبعدها أتحرك إلى كوسوفا” التي كانت محطته الثانية بالبلقان، والتي تشهد أيضاً منازعات وتعد من خطوط التماس دائماً بين المسلمين والمسيحيين، منذ استشهاد السلطان مراد الأول هناك في معركة مع الصرب.
هل تصطدم بروسيا
وتثير الزيارة تساؤلات حول استعداد تركيا لمواجهة روسيا للمرة الثالثة بعد سوريا وليبيا ولكن هذه المرة في البلقان وضد صرب البوسنة الذين يشتركون مع الروس في عقيدة دينية أرثوذوكسية واحدة، ويدعمهم الروس.
إذ تعتبر تركيا تواجد المسلمين في البلقان مسألة أمن قومي لها، ينبغي ألا تفرّط فيهم، كي لا يصل النزاع مستقبلاً الى حدودها الغربية، وبالمقابل تعتبر روسيا دعمها لأرثوذوكس البوسنة الصرب مسألة دينية.
ومساء 10 ديسمبر 2021م أقر برلمان صرب البوسنة بدء عملية الانسحاب من المؤسسات الفدرالية المشتركة بين الصرب والكروات والمسلمين في دولة البوسنة والهرسك، وتشكيل جيش صربي مستقل، وسط أجواء مشحونة بالحرب.
وقبل شهرين، وفي أكتوبر 2021م هدد رئيس “جمهورية صربسكا” المتمتعة بالحكم الذاتي “ميلوراد دوديك” بالخروج من الاتحاد البوسني، وزعم أن “الدولة البوسنية الموحدة لم يعد لها وجود”، وتعهد بإنشاء جيش صربي مستقل.
ولم يمر سوي شهرين حتى نفذ تهديده، ووافق برلمان صرب البوسنة على الانسحاب من 3 مؤسسات بوسنية فيدرالية مشتركة، هي الجيش والسلطة القضائية وهيئة الضرائب.
ولأن هذه الخطوة تهدد سيادة الجمهورية الفدرالية الموحدة، وتمهد لانفصال مواطنيها الصرب، وإعادة التوتر مرة أخري بين الأعراق الثلاثة في البوسنة ذات الأغلبية المسلمة، وتجدد احتمالات عودة الحرب الأهلية تحركت تركيا.
لأن تشكيل جيش لصرب البوسنة يضم الميليشيات الصربية التي نفذت مجازر ضد المسلمين بين سنوات 1992 و1995م، وأودت بحياة أكثر من 300 ألف ضحية، أغلبهم من المدنيين المسلمين، يثير مخاوف حقيقية بشأن الحرب واستقرار البلقان.
ويعتبر قرار برلمان صرب البوسنة أشبه بقرار للحرب، فهو بمثابة تمرد كامل على اتفاقات دايتون للسلام التي توسطت فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبموجبها توقفت الحرب.
لذلك تبدو الخشية من تجدد الحرب في البوسنة نابعة من مخاوف تمدد صراع القوتين العظميين إلي البلقان مرة أخرى، وهو ما حذرت منه تركيا.
وحين استقبل الرئيس رجب طيب أردوغان، الزعيم الصربي المتطرف لمحاولة حل الأزمة، قال إن تركيا تعد الحائل الأكبر أمام وقوع أحداث مؤسفة في البوسنة والهرسك مجدداً كتلك التي شهدتها البلاد قبل اتفاقية دايتون المبرمة عام 1995م.