التطرف الهندوسي قد يعرِّض الهند للانهيار

 

هناك قصة شهيرة لشيرلوك هولمز عن “الكلاب التي لم تنبح”، يحل هولمز اللغز من خلال التكهن بأن القاتل كان معروفًا للكلاب، وبنفس الطريقة نشهد عشرات الهجمات اللفظية والجسدية على المسلمين والمسيحيين في الهند، ومع ذلك، يبدو أن المراقبين -أولئك الذين يحكمون البلاد ويتحكمون في آليات القانون والنظام فيها– يبدون كما لو كانوا لم يسمعوا شيئًا، فهم ربما مثل الكلاب في قصة شيرلوك هولمز، فهم مألوفون للمهاجمين ودودون معهم ولا يرون أي سبب للنباح.

مؤشرات كثيرة ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية، وما زال التصعيد يشتد، قبل أسبوع، جرت محاولات وقحة لمنع المسيحيين من الاحتفال بعيد الميلاد، وتعرضت الكنائس للتخريب في كارناتاكا وآسام وهاريانا.

أما بالنسبة للمسلمين، فبعد سلسلة من الاعتداءات والقتل من قبل ما يسمى بجماعات حماية الأبقار، يواجهون الآن دعوات مفتوحة لاستئصالهم في جورجرام، وهناك حملة منظمة لمنعهم من أداء صلاة الجمعة.

الأيديولوجية السائدة في الهند الآن هي أيديولوجية هندوتفا، التي تقوم كليًا على فهم شبه متعلم، إن لم يكن أمياً تماماً، للتاريخ، هناك فكرة غريبة مفادها أن المواطنين المسلمين في البلاد اليوم مسؤولون بشكل شخصي بشكل ما عن الفظائع التي ربما ارتكبها غازي أو حاكم مسلم منذ مئات السنين، المؤسسات الخيرية والمدارس المسيحية متهمة بالتحويل، ولكن لا توجد إجابة عن السبب، بعد قرن ونصف قرن من الحكم “المسيحي” البريطاني، عن اعتناق 2% فقط من سكان هذا الهند لتلك الديانة.

والأمر الأكثر إثارة للصدمة هو أن بعض هذه الحملة يقودها أشخاص يخفون خطابهم القاتل من وراء أردية الزعفران الخاصة برجال الدين الهندوس، ففي منتصف ديسمبر، التقى بعض هؤلاء القادة في اجتماع ديني خطابي في هاريدوار، وكان موضوع العديد من الخطب هو الحاجة إلى القضاء على المسلمين، وسيكون من السهل تجاهل هذا باعتباره صراخًا لعناصر هندوتفا الهامشية، لكن ما زال من غير الواضح ما إذا كانوا هم طليعة هندوتفا أم مجرد عناصر هامشية.

ولكن أنصار هندوتفا سعداء باستخدام هذه العناصر لجني الأصوات، ولا ينبغي أن يكون هناك شك في أن الهند التي نعرفها ستتفكك إذا تطور مشروعهم أكثر من ذلك، انظر فقط إلى الخريطة تجد على طول المحيط 3 ولايات ذات أغلبية مسيحية؛ ميجالايا وميزورام وناجالاند أروناتشال براديش بها عدد كبير من المسيحيين، وفي جامو وكشمير أغلبية مسلمة، والبنجاب ولاية ذات أغلبية سيخية.

والأسوأ من ذلك، أن تنفيذ تهديدات التطهير العرقي والعنف الجماعي لن يصيب المتضررين فقط، فالتطهير العرقي في ناجورنو كاراباخ أو صربيا أو فلسطين شيء، وهنا شيء آخر تمامًا، فالمسلمون ينتشرون في جميع أنحاء الهند ويزيد عددهم عن 200 مليون، كما أشار نصير الدين شاه في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، “إذا وصل الأمر لحد الأزمة، فسوف نقاوم”، وسوف يتمزق النسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد.

لاحظ أن أياً من كبار قادة منظمة “RSS” وحزب بهاراتيا جاناتا لم يدافع علناً ​​عن أي من هذا، وسارت حكومات حزب بهاراتيا جاناتا في ولايات مختلفة وفي المركز على خط رفيع وتأكدوا، باستثناء أعمال الشغب المناهضة لتعديل قانون المواطنة في يناير الماضي، ولم تقع حوادث عنف طائفي جماعي منذ عام 2014، لكننا يجب ألا نغفل عن الحالات الفردية للقتل والترهيب والمضايقة التي تتيح مناخًا من زيادة الإفلات من العقاب.

إن الترويج للدين من خلال بناء المعابد هو سلاح انتهازي للفوز بالانتخابات أكثر من كونه فعل للتدين، هندوتفا التي يتركز هدفها على السلطة السياسية، لا تتردد عند الحاجة في بناء تحالفات مع مجموعة من الأحزاب “المسيحية” في الشمال الشرقي، وحزب الأكاليس في البنجاب وحزب الشعب الديمقراطي في كشمير.

وقد لعبت الورقة المعادية للمسلمين بشكل جيد في جزء كبير من البلاد، فقد استخدمت حادثة جودهرا للتعبئة من أجل انتخابات جوجارات التي أطلقت مسيرة مودي السياسية، وما زالت منذ ذلك الحين تستخدم الخطاب والإجراءات المعادية للمسلمين للتغلب على الانقسامات الطبقية ولاستقطاب الأصوات الهندوسية، ولا سيما في المناطق الناطقة بالهندية.

ويدعم معظم منتسبي هندوتفا ضمنيًا، إن لم يكن بشكل صريح، فكرة وجود نوع ما من مكانة من الدرجة الثانية للأقليات، وهو أمر مشابه لما يحدث في باكستان أو المملكة العربية السعودية، لكنهم لا يعرفون الثمن الذي سيتم دفعه مقابل ذلك، لا يمكن لأي بلد يتطلع إلى أن يصبح قوة اقتصادية وسياسية رائدة أن يكون لديه طبقة دنيا من مئات الملايين الذين سيكونون حتماً مصدر توتر اجتماعي وسياسي مستمر.

تتمتع الديانات الهندية بعلم اجتماع سياسي فريد من نوعه، على النحو الذي أظهره استطلاع “بيو” (Pew) في يونيو من العام الماضي، فمعظم سكان الهند (الهندوس والمسلمين والمسيحيين والسيخ) محافظون بشدة ويفضلون ألا يخرجوا عن أفراد طوائفهم عندما يتعلق الأمر بالصداقات والزيجات وأماكن الإقامة، ومع ذلك، فإنهم جميعًا يرون أن احترام جميع الأديان هو قيمة أساسية، كما وجد الاستطلاع أن التحولات من نحلة لأخري كانت نادرة.

ومع ذلك يعمل الحزب الحاكم وعناصره الهامشية/ الطليعية على تعطيل هذا النمط المعقد دون أن يفكروا إلى أين يتجهون، من خلال الترويج للقومية الهندوسية كوسيلة لاكتساب السلطة الانتخابية.

وقد ظل هذا النمط مرنًا إلى حد ما حتى الآن، حتى في ظل ارتفاع موجة المد الإسلامي في التسعينيات، ظل المسلمون الهنود خاليين إلى حد كبير من فيروس التطرف، لكنهم اليوم يتعرضون باستمرار للتمييز والترهيب، وليس من الواضح إلى متى سيتمكنون من تحمل الهجوم، وباستثناء أن تتمثل عواقب ذلك في انهيار العقد العلماني للجمهورية الهندية، لن تكون هناك عواقب وخيمة.

 

 

 

 

 

_________________

المصدر: “إنديا تريبيون”.

Exit mobile version